صحافة دولية

الغارديان: ما هي الآليات المختلفة التي استخدمت لحماية دولة الاحتلال الإسرائيلي؟

تمنح دولة الاحتلال الإسرائيلي مدة 90 يوما للرد على مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان- جيتي
كشفت صحيفة "الغارديان" أن مراجعة وثائق داخلية، لوزارة الخارجية الأمريكية تُعطي صورة عن الآليات المختلفة التي استخدمت من أجل حماية دولة الاحتلال الإسرائيلي من قوانين حقوق الإنسان.

وتابعت الصحيفة، خلال التقرير الذي أعدته ستيفاني كيرشغاسنر، بأن "المسؤولين الأمريكيين راجعوا وبهدوء عددا من الحالات التي انتهكت فيها قوات الأمن الإسرائيلي حقوق الإنسان، بشكل صارخ، ومنذ عام 2020، إلا أنهم ذهبوا إلى أبعد مدى للتأكد من استمرار إمداد إسرائيل بالأسلحة الأمريكية، وللوحدات العسكرية المتهمة بالانتهاكات، مما أسهم بانتشار حس الإفلات من العقاب الذي أدارت فيه إسرائيل حربها في غزة اليوم، وذلك حسب مسؤولين أمريكيين".

وأضافت: "قتل أكثر من 24,000 فلسطيني منذ بداية الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بشكل أسهم بشجب عالمي ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكي، جو بايدن، الذي فشل بالحد من إفراط إسرائيل فيما وصفه بالقتل "العشوائي" في غزة".

وفي السياق نفسه، قامت الصحيفة بتحقيق، بناء على وثائق داخلية للوزارة، ومقابلات مع مسؤولين على معرفة بالمداولات الداخلية الحساسة، وتظهر آليات خاصة استخدمت في السنوات القليلة الماضية لحماية دولة الاحتلال الإسرائيلي من قوانين حقوق الإنسان، مع أن وحدات عسكرية أخرى لدول حليفة بمن فيها أوكرانيا قد واجهت تداعيات انتهاكها لحقوق الإنسان.

وكانت وزارة الخارجية، قادرة على تجاوز القانون الأمريكي الذي يمنع تواطؤ الولايات المتحدة بانتهاكات يرتكبها جيش دولة حليفة، أو ما يعرف بقانون ليهي الذي مرره الكونغرس في التسعينات من القرن الماضي، وهو القانون المنسوب إلى السناتور المتقاعد الآن، باتريك ليهي.

وتبنت وزارة الخارجية سياسات داخلية، غير عادية، فضلت حكومة الاحتلال الإسرائيلية، ولم تعط هذه المعاملة التفضيلية لأي دولة حليفة غيرها. فيما عبّر السناتور المتقاعد الذي أطلق القانون على اسمه عن قلقه، من عدم تطبيق القانون الذي قصد منه حماية الولايات المتحدة من انتهاكات لحقوق الإنسان يرتكبها جيش دولة حليفة.

وفي بيان للغارديان، قال فيه: "لكن القانون لم يطبق بشكل دائم وما شاهدناه في الضفة الغربية وغزة هو مثال واضح على هذا. وظللت أحثّ وعلى مدى السنين الإدارات المتعاقبة لتطبيق القانون هناك، ولكنه لم يطبق".

ومن بين الحالات التي تمت مراجعتها، مقتل الصحافية الفلسطينية الأمريكية، شيرين أبو عاقلة، التي قتلت برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي بأيار/ مايو 2022، ووفاة عمر أسعد، 78 عاما، الفلسطيني الأمريكي، الذي مات في كانون الثاني/ يناير 2022 والقتل خارج القانون لأحمد عبدو، 25 عاما والذي أطلقت عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي النار في أيار/ مايو 2021 عندما كان جالسا في سيارته. 

ووصف تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية، ما قام به الجيش بعد إطلاق النار على عبدو حيث سحب من سيارته، وجر عدة أمتار في الطريق، ثم ترك على جانبه وغادر الجنود. وفي مراجعة وزارة الخارجية، فإن مقتل عبدو كان على ما يبدو خطأ، ورفضت دولة الاحتلال الإسرائيلي الرد على أسئلة وزارة الخارجية. 

وفي حالة عمر أسعد، قالت دولة الاحتلال الإسرائيلي في حزيران/ يونيو إنها لم توجه اتهامات للجنود المتورطين في وفاته، رغم أنه سحب من سيارته وقيد وعصبت عيناه بعد إيقافه عند حاجز تفتيش. وقالت دولة الاحتلال الإسرائيلي إن أفعال الجنود لا علاقة لها بوفاة أسعد بسكتة قلبية. وقضى أسعد، المواطن الأمريكي 40 عاما في وسط الغرب الأمريكي قبل العودة إلى الضفة الغربية في 2009.

وتكشف وثائق وزارة الخارجية، أن هذه الحالات خضعت للمراجعة بناء على عملية لا يعرف عنها الكثيرون، وتعمل بها الوزارة منذ 2020 وهي "منبر تدقيق ليهي لإسرائيل"، حيث يقوم فيه ممثلون عن دوائر الوزارة بمناقشة مزاعم انتهاكات دولة الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الإنسان.

وبحسب قانون ليهي، فلا يقدم الدعم العسكري الأمريكي أو التدريب إلا بعد التحقق من سلامة سجل حقوق الإنسان للدولة الحليفة التي سوف يذهب الدعم إليها. ويحظر على وزارة الخارجية أو الدفاع الموافقة على الدعم العسكري، حالة ظهرت "معلومات موثوقة" عن انتهاك قوات البلد لحقوق الإنسان.

وفي حالة كل من أوكرانيا ومصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي فإن الدعم ضخم ولا يمكن متابعة أين يذهب وعادة لا تعرف الولايات المتحدة الوحدة التي تلقت السلاح الأمريكي ولا كيف استخدمته.

ومن أجل سد الثغرات في قانون ليهي، قام الكونغرس خلال عام 2019 بتحديث للعملية وحظر على الحكومة تزويد وحدات في جيش دولة كشفت أمريكا ارتكابها انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان. وشكلت وزارة الخارجية مجموعة لدراسة الدول التي لا يمكن متابعة الدعم فيها.

ولكن مسؤولين على معرفة بالعملية، قالوا إن دولة الاحتلال الإسرائيلي انتفعت من "منبر تدقيق ليهي لإسرائيل". وقال مسؤول سابق "لا أحد تحدث ولكن الجميع يعرفون أن القواعد مختلفة بالنسبة لإسرائيل، ولا أحد اعترف بهذا إلا أن هذه هي الحقيقة". فعملية التدقيق الخاصة لدولة الاحتلال الإسرائيلي بناء على قانون ليهي تقتضي توصل الممثلين في المنبر إلى إجماع ومن ثم موافقة نائب وزير الخارجية على القرار.

ومن ناحية نظرية يمكن لممثل في دائرة بالوزارة إخبار نائب وزير الخارجية بانتهاك محتمل، كجزء من مناقشة مشتركة، ويمكن من خلالها مشاركة أعضاء الدوائر في النقاش، إلا أن شيئا من هذا لم يحدث. ومن بين المشاركين دائرة الشرق الأدنى والديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، وكذا مكتب الشؤون العسكرية والسياسية والسفارة الأمريكية في إسرائيل. 

وبالنسبة للدول الأخرى، فلا حاجة للإجماع والقرار تتخذه الوزارة، ولا يحتاج لمصادقة وزير الخارجية أو نائبه. وتمنح دولة الاحتلال الإسرائيلي مدة 90 يوما للرد على مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، حيث ترسل إليها المزاعم بعد المشاورة، وهو ما يخلق حسب مسؤولين سابقين تأخيرا في العملية. وبخلاف إسرائيل، فلا تحظى أي دولة بالمشاورة. 

وقال مسؤول سابق إن "عدم نجاح منبر تدقيق ليهي لإسرائيل لأن العملية قتلت بآليات التأخير غير المطبقة على دول أخرى". ورفض متحدث باسم وزارة الخارجية التعليق على مداولات داخلية ونفى ضرورة التوصل لإجماع في منبر تدقيق ليهي لإسرائيل قبل المضي في تطبيق قانون ليهي"؛ وقال المتحدث: إن "الوزارة تشاور الدول الأخرى في أمور تتعلق بقانون ليهي وليس فقط إسرائيل".

ويرى خبراء، العلاقة بين حماية أمريكا لإسرائيل من اتهامات حقوق الإنسان وتصرفها في غزة. فهي تتلقى 3.8 مليارات دولارا كمساعدة سنوية وتجاوزت إدارة بايدن الكونغرس مرتين الشهر الماضي لإرسال مساعدات عسكرية إضافية. فيما طالب السناتور المستقل عن فيرمونت، بيرني ساندرز باشتراط الدعم العسكري لإسرائيل والتحقيق في احتمالات انتهاكها لحقوق الإنسان في غزة.

وقال المسؤول السابق في وزارة الخارجية، جوش بول، والذي استقال مع بداية الحرب احتجاجا على غياب الرقابة لنقل السلاح إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي: "أعتقد أن إسرائيل تشعر بحصانة واسعة عندما يتعلق الأمر بتداعيات أفعالها في داخل الولايات المتحدة؛ وربما قلنا إن على إسرائيل الإلتزام بالقانون الدولي، وربما قلنا إنه يجب عدم توسيع المستوطنات، ولكن عندما يتعلق الأمر بالتداعيات الحقيقية، فلا يوجد أي منها وهو ما منح إسرائيل على المستوى البارز في الحكومة الأمريكية حسا بالحصانة". 

وأضاف أن غياب تطبيق قانون ليهي على وحدات إسرائيلية متهمة بانتهاكات حقوق الإنسان شجع على ثقافة الإفلات من العقاب التي "نشاهدها اليوم على الأرض في غزة" وفي تصرفات الجنود، بما فيها أشرطة فيديو لجنود ينهبون البيوت في غزة ويدمرون ممتلكات الفلسطينيين أو يستخدمون لغة عنصرية.

ولا تظهر ازدواجية المعايير الأمريكية أكثر من الاتفاق الذي وقعته المسؤولة البارزة في وزارة الخارجية، جيسكا لويس، مسؤولة الشؤون السياسية الآن، والسفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل هيرتزوغ، في عام 2021. وأضفى الاتفاق المكون من صفحتين صبغة رسمية على التعديلات لقانون ليهي وأكد على أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لديها نظام قضائي قوي ونظام عدالة عسكري. 

ووقعت الولايات المتحدة عدة اتفاقيات في نفس الوقت مع دول أخرى مثل جورجيا ولاتفيا وأوكرانيا واليونان، ولم تشمل أي منها مصادقة على أنظمتها القضائية العسكرية.

ويقول المسؤولون الذين تحدثوا للغارديان إنهم لا يعرفون كيف احتوى الاتفاق على اللغة المتعلقة بالنظام القانوني لدولة الاحتلال الإسرائيلي، فيما تكهنوا بأنها قد تكون من إضافة إسرائيل. ويقول تيم رايزر، وهو المستشار للسناتور ليهي وساعد في كتابة القانون إن "تضمين الاتفاق بلغة كهذه هو للتأكيد على أن الجيش الإسرائيلي لديه نظام قانوني مستقل وقادر والحالة هذه على التحقيق في أي انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان وسط وحداته". 

مضيفا أن اللغة مضافة للاتفاق بدون استشارة الكونغرس وتقترح أن قانون ليهي غير قابل للتطبيق على دولة الاحتلال الإسرائيلي. ورأت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بيتسليم إن قوانين الجيش الإسرائيلي مصممة لتبييض صفحته ولمنع انتقاده ممارسات جنوده في المناطق المحتلة، ولم تتم إدانة ولا جندي وحتى فيما يتعلق بالانتهاكات الخطيرة، حسب درور سادوت المتحدث باسم المنظمة. 

وقال جوش بول، إنه "طالما حثّ المسؤولين على عدم التعامل مع النظام القضائي الإسرائيلي كنظام مسؤول. وأضاف أنه وعدد من المسؤولين حثوا وزارة الخارجية على إعادة النظر بطريقة تطبيق قانون ليهي لأن الانتهاكات الصارخة تحدث بدون محاسبة. وبالتأكيد لم تحاسب ولا وحدة في جيش الاحتلال الإسرائيلي بتهمة انتهاكات. 

ومن القضايا التي راجعتها لجنة وزارة الخارجية المتعلقة بقانون ليهي، مقتل الرجل البدوي سند سالم الحربد، الذي قتل برصاص شرطة الاحتلال الإسرائيلية في آذار/ مارس 2022 وأحمد جميل فهد وقتل على يد فرقة سرية من الشرطة وترك ينزف حتى الموت. وكذا الاعتداء على الصحفية، جيفارا البديري، وقتل الشاب الأعزل، إياد الحلاق، وقتل الصبي البالغ من العمر 15 عاما محمد الحمايل وجنا الكسواني، 16 عاما.

وبالنسبة للمدافعين عن قانون ليهي، مثل رايزر فغياب المحاسبة على مقتل أبو عاقلة، كان مثيرا للدهشة ومحلا لنقد الديمقراطيين في الكونغرس. وكشفت تحقيقات صحافية أن الرصاصة التي قتلتها جاءت من جنود الاحتلال الإسرائيليين و"لو كانت الولايات المتحدة مستعدة لتطبيق قانون ليهي، على إسرائيل لشعر الجيش الإسرائيلي بأنه بحاجة لمحاسبة جنوده مما ساعد على منع قتل المدنيين مثل شيرين أبو عاقلة، والكثيرين غيرها وما نراه اليوم" كما قال رايزر.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع