نشرت مجلة "
فورين بوليسي" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن موقف المملكة العربية
السعودية من الاضطرابات المتصاعدة في البحر الأحمر بعد هجوم صاروخي للحوثيين على سفينة تجارية في المنطقة.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن السعودية في الماضي القريب كانت لتعتز بفرصة توجيه ضربة مشتركة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تستهدف معاقل
الحوثيين، خاصة أن الرياض خاضت حربًا ضد الجماعة اليمنيّة لمدة عقد تقريبًا. لكن اليوم، كان الهجوم الغربي على الجماعة اليمنية بالضبط عكس ما تريده الرياض التي تجري مفاوضات سلام حساسة مع قيادة الحوثيين لتخليص نفسها من اليمن، وتأمل أن تحمي نفسها بشكل دائم من الهجمات عبر الحدود.
مع تفاقم التوترات في البحر الأحمر، اختارت السعودية البقاء خارج الصراع. بدلاً من ذلك، تظل خطوط الاتصال بين السعودية والحوثيين مفتوحة حيث تتجنب الرياض دعم
واشنطن بشكل علني خشية أن تصبح هدفا لهجماتهم.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن هذه الاستراتيجية ناجحة، لكن السؤال الأكبر يبقى حول ما إذا كان هذا سيضمن حماية السعودية على المدى الطويل.
وفي 12 من الشهر الجاري، استهدفت الطائرات الحربية الأمريكية والبريطانية العشرات من المواقع العسكرية للحوثيين في اليمن. وبعد يوم، شنّت واشنطن غارات جديدة على مواقع الحوثيين، استهدفت مراكز القيادة ومخازن الذخيرة وأنظمة إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار. وتعهّد الحوثيون بالانتقام، فأطلقوا صواريخ باليستية على سفينة حاويات مملوكة للولايات المتحدة في 15 الجاري.
وذكرت المجلة أن هذه الضربات جاءت بعد شهرين من هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، التي يزعم المتمرّدون أنها تظهر تضامنهم مع الفلسطينيين في قطاع غزة. ويقول الحوثيون إن هذه الضربات تقتصر على السفن التابعة لـ"إسرائيل"، وقد تأثر بهجمات الحوثيين ما لا يقل عن 50 دولة حتى اللحظة الراهنة.
ولم تستغرق معظم شركات شحن الحاويات الرائدة في العالم وقتًا طويلاً حتى أعلنت عن قراراتها بتجنب البحر الأحمر، وهو ممر مائي حيوي يؤدي إلى قناة السويس يمر عبره ما يصل إلى 15 بالمائة من حركة الشحن العالمية وما يصل إلى ثلث جميع تجارة الحاويات العالمية. وكان الهدف من الجولة الأخيرة التي أداها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط الضغط على الجهات الفاعلة الإقليمية لإبقاء الصراع في غزة تحت السيطرة.
وأشارت المجلة إلى أن الولايات المتحدة حثّت السعوديين على أخذ أزمة البحر الأحمر بعين الاعتبار في محادثات السلام مع الحوثيين وإبطاء مفاوضاتهم. مع ذلك، اختار كل من الحوثيين والرياض مواصلة مناقشاتهم، مفضلين عدم السماح لأزمة البحر الأحمر بعرقلة تقدمهم.
وفي أعقاب الضربات الأمريكية البريطانية، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن "قلقها البالغ" ودعت إلى "ضبط النفس" لتجنب التصعيد. ولا ترغب الرياض ببساطة في توريط نفسها في صراع آخر مستعصٍ مع الحوثيين. فقد تعلمت المملكة من دروس الماضي من خلال التعامل مع المتمردين عسكريا، وهي تدرك تماماً أنها تخاطر بالوقوع مباشرة في مرمى نيرانهم.
وكانت هجمات أرامكو سنة 2019 التي أعلن الحوثيون مسؤوليتهم عنها، والتي استهدفت منشأتين نفطيتين رئيسيتين وأجبرت المملكة على إيقاف نصف إنتاجها النفطي بشكل مؤقت، بمثابة نقطة تحول وذلك بسبب عدم استجابة الولايات المتحدة.
ومع شعورها بالخيانة من قبل الأمريكيين، سارعت الرياض إلى إعادة ضبط سياستها الخارجية في السنوات التالية، سعيا إلى إيجاد حلول دبلوماسية لمشاكلها الإقليمية بدلاً من الاعتماد على واشنطن لإنقاذها.
وأضافت المجلة أن الرياض فتحت أبواب الحوار مع إيران. وقبل يوم واحد من الضربات على اليمن، أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان اتصالاً بنظيره السعودي فيصل بن فرحان.
وآخر ما يحتاجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هو التصعيد الذي يعطّل السنوات الحاسمة التي تسبق رؤية 2030 التي طال انتظارها، وهي خطة إصلاح واسعة النطاق تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني.
ونتيجة لذلك، اختارت المملكة التزام الصمت في أعقاب أزمة البحر الأحمر، على أمل أن تحميها قنوات اتصالها مع إيران، من خلال إبرام اتفاق توسطت فيه الصين وتم الإعلان عنه في ربيع سنة 2023.
ولا تهدف خطوط الاتصال الجديدة هذه إلى وقف أعمال الحوثيين في البحر الأحمر بل هي جزء عملي من جهد أوسع لعزل المملكة عن أي تصعيد إقليمي، بغض النظر عن الظروف. وحتى اللحظة الراهنة، يبدو أن الاستراتيجية ناجحة، ولم يتم استهداف الرياض.
وفي الواقع، يتأثر جزء من قرار المملكة العربية السعودية بعدم الانضمام إلى
التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الحوثيين بتجربتها في تحمل وطأة المواجهة بين إيران والولايات المتحدة.
وأوردت المجلة أن الأولوية الأولى للسعودية هي حماية نفسها. تريد المملكة خروجا سريعا من حرب اليمن، ولن تسمح للخلاف الغربي الأخير مع المتمردين بإفساد هذه المسألة. ومنذ سنة 2021، تتزايد المفاوضات مع الحوثيين بوساطة عمان. وقد وصلت الرياض أخيرا إلى نقطة التواصل الفعال مع المتمردين، وهو الأمر الذي استغرق سنوات لتحقيقه. ومن ثم، ترى السعودية أنه ليس من المجدي تعريض هذه العلاقة للخطر - التي يراها السعوديون كافية لحماية أنفسهم من هجمات الحوثيين - لمجرد دعم العمليات الأمريكية في البحر الأحمر.
وأوضحت المجلة أن التصعيد الأخير قدّم للمملكة حوافز إضافية لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق في أقرب وقت ممكن. وفي نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر، قدّمت الرياض مسودة اقتراح إلى مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن بهدف إرساء الأساس للمحادثات المستقبلية التي تقودها الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية والحوثيين. وحسب ما ورد، يتضمن جزء من الاتفاقية منطقة عازلة لحماية حدود المملكة، وهي أولوية قصوى بالنسبة لها.
ولطالما حذّرت المملكة واشنطن من مخاطر حصول الحوثيين على قدرات أكثر تقدمًا في مجال الطائرات بدون طيار والسيطرة على مناطق قريبة من البحر الأحمر، لكنهم لم يتلقوا سوى ردود فاترة من واشنطن. وتتساءل السعودية عن السبب الذي يدفعها لمساعدة الشركاء الغربيين ذاتهم الذين أمضوا سنوات في انتقادها بسبب حربها التي تشنها ضد الحوثيين. وفي الوقت الراهن، بعد أن أصبحت واشنطن على خط نيران الحوثيين، لا ترى الرياض أي سبب لدعمها.
ونوهت المجلة بأن حسابات المملكة العربية السعودية قد تكون خاطئة، إذ لم يتم بعد التوصل إلى اتفاق سلام نهائي وما هو موجود مجرد تفاهم هش يمكن أن ينهار في أي لحظة. ولا يوجد ما يمنع الحوثيين من استهداف المملكة، في البحر الأحمر أو حدوده، في المستقبل، في غياب اتفاق سلام رسمي.
ويعترف المتمردون أنفسهم سرا بأن حماية الرياض تتوقف على قرارها بعدم الانخراط في الخلاف الأوسع. وبعد ساعات فقط من الموجة الثانية من الضربات التي شنتها الولايات المتحدة، أجرى الحوثيون مناورة عسكرية على طول الحدود السعودية، وكانت بمثابة تحذير للمملكة بشأن العواقب المحتملة للانحياز إلى الولايات المتحدة.
وما سيزيد الأمور تعقيدًا أنه إذا قررت الرياض استئناف محادثات التطبيع مع إسرائيل، فقد تصبح مرة أخرى هدفًا رئيسيًا للحوثيين.