نشرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية تقريرًا تحدثت فيه عن تداعيات القرار أحادي الجانب الذي اتخذه البيت الأبيض بمهاجمة اليمن على الرأي العام داخل
الولايات المتحدة وخارجها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الجمهوريين وجزءًا كبيرا من الديمقراطيين أعربوا عن غضبهم من سياسة جو
بايدن. وفي السنة الجارية، سيتم النظر إلى أي قرار تتخذه الإدارة في مجال السياسة الخارجية من منظور الانتخابات المقبلة. وفي الوقت الحالي، هناك عدة خيارات مطروحة لتطور الأحداث ستؤدي جميعها بدرجة أو بأخرى إلى زيادة التوتر الاجتماعي في البلاد.
ترامب ضد الجميع
خلال الأيام القليلة الماضية، تبادل المرشحان الرئيسيان الحاليان للرئاسة الأمريكية، جو بايدن ودونالد ترامب، تصريحات ناريّة. في الثامن من كانون الثاني/ يناير، أثناء ظهوره في برنامج يقدمه الصحفي لو دوبس، توقّع ترامب أن الاقتصاد الأمريكي سينهار في الأشهر الـ 12 المقبلة قبل توليه منصبه وذلك ردا على الرواية التي أطلقها الديمقراطيون والتي تزعم أن عودة ترامب إلى الكابيتول هيل، تهدد الاقتصاد الأمريكي والديمقراطية الأمريكية.
بين هذين الحدثين، نُفذ هجوم صاروخي من طرف البحرية الأمريكية على مواقع الحوثيين في اليمن دون موافقة الكونغرس على هذا الإجراء مثلما ينص الدستور. وكان رد فعل ترامب حيال هذا حادا، حيث قارن قرار بايدن بقرار آخر وهو انسحاب القوات من أفغانستان.
نقلت الصحيفة عن كبير الباحثين في معهد الولايات المتحدة الأمريكية وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فلاديمير فاسيليف، أنه من الضروري أخذ كلمات ترامب حول تردده في أن يصبح "هوفر الجديد" و"الأمل" في انهيار الاقتصاد الوطني بعين الاعتبار. وتقييما لتصريح ترامب، يرى فاسيليف أن جزءًا منه شعبوي والآخر هو انعكاس للواقع الاقتصادي، وهو عامل مهم في النتيجة النهائية للانتخابات. ويبقى السؤال المطروح ما إذا كان الاقتصاد الأمريكي سوف ينزلق إلى الركود أو الأزمة. وفي حال حدوث ذلك في الصيف والخريف، سيكون ذلك بمثابة ضربة نهائية للإدارة الحالية.
وأورد فاسيليف أن رأي ترامب يستند إلى وجهة النظر السائدة بين الاقتصاديين بأن الركود أمر لا مفر منه في منتصف العام. وبحسب استطلاعات الرأي، يعتبر ترامب أكثر دراية بين الأمريكيين بالقضايا الاقتصادية. في المقابل، يحاول الديمقراطيون الترويج لفكرة مفادها أنه في حال كان كل شيء سيئا في ظل حكمهم، فإن الأمر سيزداد سوءًا في حال وصول ترامب إلى السلطة. ومن هنا جاءت الفرضية القائلة إن ترامب هو هوفر الثاني وصاحب العادات الدكتاتورية أيضًا. لذلك، يبذل الجمهوريون قصارى جهدهم لمنع حدوث ذلك.
وأوردت الصحيفة أن وسائل الإعلام الأمريكية تروّج لفكرة مفادها أن ترامب هو "هربرت هوفر الجديد"، الذي يخطط لاغتصاب السلطة. وفي مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست يقول الأيديولوجي البارز في تيار المحافظين الجدد، روبرت كاجان، أن ترامب "يوليوس قيصر الجديد" معترف بأنه في حال عودته سيتخلى عن التعديل الثاني والعشرين الذي يحدد فترة الرئاسة.
ووفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة يوغوف، فإنه يحظى ترامب بدعم 69 بالمئة من الجمهوريين، بينما يحظى حاكم فلوريدا رون ديسانتيس بدعم 14 بالمئة، والممثلة الدائمة السابقة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة وحاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة نيكي هيلي بـ 12 بالمئة.
في الانتخابات التمهيدية الأولى التي أجريت في ولاية آيوا، فاز ترامب بنسبة 51 بالمئة وهي أعلى نسبة تسجل في الولاية خلال الثلاثين عامًا الماضية، وحصل ديسانتيس على 21 بالمائة، وهيلي على 19.1 بالمائة.
في الأثناء، لم تؤد حملة عزل الرئيس السابق من الانتخابات إلى أي نتائج ملموسة حتى الآن، حيث اختفت قضية الوثائق السريّة من الساحة المعلوماتية بسبب موقف مماثل مع بايدن وعدم تطرق النظام القضائي الأمريكي بشكل كاف إلى اتهامات التحريض على أحداث السادس من كانون الثاني/يناير 2021 (اقتحام الكابيتول) وانتهاء الملاحقة الجنائية في جورجيا بفضيحة. وبحسب كاجان، فإن "النتيجة الأكثر ترجيحًا للمحاكمات ستكون إثبات عجز النظام القضائي عن كبح جماح شخص مثل ترامب والكشف عن عجزه كرادع إذا أصبح رئيسًا".
بايدن والرفاق
يتمتّع بايدن بنفس الدعم بين زملائه أعضاء الحزب. وبحسب صحيفة "يو إس إيه توداي"، فإن الرئيس الحالي حصل على 74 بالمئة من أصوات أنصار الحزب الديمقراطي. في الوقت الحالي، لا يوجد لدى بايدن معارضون جديرون داخل الحزب من بين المتنافسين المعلنين. وقد حصلت الكاتبة الأمريكية ماريان ويليامسون على 9 بالمئة وعضو الكونغرس عن ولاية مينيسوتا دين فيليبس على 2 بالمئة.
نشرت وسائل الإعلام الرئيسية الداعمة للديمقراطيين السنة الماضية قوائم المرشحين البديلين، لكن حتى الوقت الراهن لم يتقدم أي منهم لأسباب مختلفة. وفي الأثناء، يدعم الجناح اليساري للحزب، الذي كانت تمثله في السابق إليزابيث وارن وبيرني ساندرز، ترشيح ماريان ويليامسون.
في المقابل، لن يتم انتخاب ميشيل أوباما بسبب صراع النخبة مع فريق بايدن. وقد فقد نجم الديمقراطيين الصاعد مؤخراً، وزير النقل بيت بوتيغيغ، الدعم بعد كارثة أوهايو. ولن تترشّح هيلاري كلينتون وكامالا هاريس للانتخابات بسبب التصنيف المناهض لهما. أما في ما يتعلق ببقية الحكام مثل غافين نيوسوم حاكم ولاية كاليفورنيا وغريتشين ويتمر عن ميتشيغان، وفيل ميرفي عن نيوجيرزي وجي بي بريتزكر عن إلينوي وجوش شابيرو عن بنسلفانيا وغاريد بوليس عن كولورادو، فإنهم إما لم يعلنوا أبدًا عن طموحاتهم الرئاسية أو إنهم دعموا بايدن.
ويفكر الخبراء في خيار إخراج بايدن نفسه من الانتخابات. وفي هذا الصدد، يقول رئيس استراتيجية الاستثمار في شركة جي بي مورغان المالية العملاقة مايكل سيمباليست إن هذا حدث بالفعل في تاريخ الولايات المتحدة. ففي آذار/ مارس من سنة 1968، رفض ليندون جونسون، الذي فقد دعم الناخبين المشاركة في الانتخابات. وفي حال تحقق هذا السيناريو، فقد يظهر اسم ويتمير ونيوسوم بالفعل في قائمة المرشحين.
الثالث غير زائد
يتمتع المرشح الديمقراطي السابق والمرشح المستقل الآن روبرت كينيدي جونيور بدعم كبير من الناخبين. ووفقا لاستطلاعات الرأي، فإنه حصل على حوالي 16 بالمئة من الأصوات، وعلى عكس التوقعات السابقة، فإن ترشيحه لا يهدد مواقف ترامب بل موقف بايدن الذي "يسرق" كينيدي منه ما يصل إلى 5 بالمئة من الناخبين. بالإضافة إلى ذلك، يتقدم كينيدي بشكل كبير على المرشحين الرئيسيين في ما يسمى بتصنيف الأفضلية.
إحساس سيئ
بحسب متوسط البيانات التي قدمتها شبكة "سي إن إن"، فإنه يتقدم ترامب في المواجهة المباشرة مع بايدن، متفوقا عليه بنسبة تتراوح بين 4 و6 بالمئة. لكن الفوز يظل غير مضمون في ظل ارتفاع مستوى التوتر الاجتماعي في الولايات المتحدة، الأمر الذي يعترف به كل من الديمقراطيين والجمهوريين.
وبحسب الخبراء، فإنه بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات المقبلة، فلن يعترف الخاسرون بالهزيمة. فعلى سبيل المثال، في توقعاتها لسنة 2024، تصف مجموعة أوراسيا بقيادة العالم السياسي إيان بريمر، الولايات المتحدة بـ"الديمقراطية الصناعيّة المتقدمة الأكثر انقسامًا واختلالًا في العالم". ويقول محللو الوكالة إن انتخابات 2024 ستؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة بغض النظر عن الفائز. وفي حال لم يشارك ترامب في الانتخابات، فإن النتيجة ستكون نفسها وتنذر بانفجار اجتماعي له عواقب لا يمكن التنبؤ بطبيعتها.
ونقلت الصحيفة عن مدير مركز الدراسات الأوروبية والدولية في مدرسة الاقتصاد العليا الروسية ديمتري سوسلوف أن الزيادة الحادة في التوتر الاجتماعي وزعزعة استقرار الفضاء السياسي الداخلي هي نتيجة لا مفر منها لهذه الحملة الرئاسية. ويرى سوسلوف أن الاستقطاب في النظام السياسي الأمريكي وصل إلى حد أن الأطراف ستعتبر أي نتيجة للانتخابات غير شرعيّة، ما يعني تنظيم احتجاجات حاشدة ومطالبات بإلغاء نتائج التصويت. وعليه، فإن الاشتباكات بين أنصار ترامب ومعارضيه أمر لا مفر منه.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن سياق السباق الرئاسي في الولايات المتحدة يرتبط بعدد من العواقب السلبية التي يصعب تقييم حجمها اليوم. وسواء أجريت الانتخابات أو أُجلت بسبب ظرف قاهر، وسواء كانت ستجرى بالتشكيلة الحالية للمشاركين أو بتشكيلة جديدة تماما فإن عدم اليقين يغذي نمو المواجهة الاجتماعية، التي لها بالفعل تأثير قوي على الوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة وخارجها.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)