تثير المذابح التي يتعرض لها الشعب
الفلسطيني في
غزة
مسائل عديدة، منها ما هو بديهي وأبدي في صرخة الفلسطينيين عن نجدة النظام العربي
لفلسطين، وسؤالهم المعقد عن فقدان مستمر لحدٍ أدنى من وحدةٍ وطنية، أو قيادة
مسؤولة، تلبي تطلعاتهم السياسية وتحافظ على حقوقهم التاريخية، والبناء على ما
أنجزه صمود الشعب الفلسطيني في معركة غزة واكتسابه لنقاط عدة، منها: إعادة تصدر
القضية الفلسطينية عربيا ودوليا، وذلك بفضل التضحيات الجسيمة التي قدمها ويقدمها
الفلسطينيون، في المواجهة والصمود وإظهار البطولة فوق أرضهم، والنقطة الثانية: أن إمكانية
جر الاحتلال للمحكمة الدولية قائمة إن توفرت الإرادة والظروف المشابهة لفتح ملفات
كل الجرائم المرتبطة بوجوده فوق الأرض الفلسطينية المحتلة.
واكتساب هذا التعاطف مع الشعب الفلسطيني يأتي ضمن هذه
المعطيات التي تُظهر أن مواجهة المشروع الاستعماري الصهيوني، تكون عادلة وتثير
الانتباه والتعاطف ضمن حالة الاشتباك معه.
المرحلة الحالية من تاريخ الشعب الفلسطيني وحركته
المقاومة، هي الأكثر تعقيدا في غياب أجوبة ومبادرات فورية من حركة تحرر وطني (سلطة
وفصائل وأحزاب) يفترض تمثيلها لشعبٍ يرزح تحت الاحتلال، ويخوض التصدي الأشرس ضد
إبادته وطمس حقوقه؛ من حكومة صهيونية متوحدة ببرامج عنصرية وفاشية واضحة، وتحمل الخطط
والمؤامرات التي تواكب عدوان التدمير الشامل عليه في غزة والضفة والقدس، بينما
العجز لم يزل مسيطرا على اتخاذ قرار منصف بحق هذا الصمود الفلسطيني، كأن تقول
للشعب الفلسطيني مجددا إن منظمة التحرير الفلسطينية ستبقى هي الممثل الشرعي الوحيد
له، ببرامج استعادتها لألقٍ يستعاد الآن في غزة ومدن الضفة والقدس وفي الداخل
الفلسطيني المحتل عام 48، وأن الدم الفلسطيني المُراق على أرضها يجب أن يكون أثره
مثل فعل الهزات الكُبرى التي ترمي إلى سطح الأرض ما تختزنه بداخلها، في الوقت الذي
يتوحد فيه الفلسطيني مع ذاته وأرضه، ويظهر من باطنها ليضرب عدوه فوقها، يظهر رهط
الموهومين بأمريكا وإسرائيل وسلامهما، ليبحثوا عن زوايا يختبئون فيها ريثما تمر العاصفة
الفلسطينية.
واليوم تبدو المعادلة أكثر وضوحا من أي وقت مضى على
القضية الفلسطينية وشعبها بالنسبة لـ"السلام" وللدولة والسلطة، وبالنسبة
أيضا للكلام العربي الرسمي عنهما. كل وهم مستمر مع القتل والإرهاب الصهيوني على
الأرض تم تبديده، وكل قيادة سياسية فلسطينية لا ترتبط بالشعب وبإنجازاته الكفاحية
على الأرض وبوعيه الفطري الذي لم تُدركه سياسة بائدة وعاجزة منهارة سيتم تجاوزها، ما يعني أننا
بحاجة لخطوات سريعة تلبي ظروف القضية والشعب مجتمعين.
الذهنية والسلوك الدمويان للمؤسسة الصهيونية بعد 100 يوم
من العدوان على غزة، وحصادهما "الوفير" الأكثر وحشية من الدم الفلسطيني
الذي غطى وجه حضارة غربية بسقوطها الأخلاقي والإنساني، لا يدعان المجال للبقاء في
دائرة مفرغة من التجريب السابق والمستمر، بالتعاطي الذاتي مع القضية الفلسطينية
بشكلها وديكورها المحصور بأداء فلسطيني رسمي فاشل وعاجز مع ملفات كثيرة، ولعل
أبرزها مسألة إعادة الاعتبار والمسؤولية للمؤسسات الفلسطينية من منظمة التحرير إلى
بقية المؤسسات فيها.
ومسألة تشكيل قيادة فلسطينية موحدة الآن هي الأكثر
إلحاحا بمواجهة حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، لأنها تشكل طوق نجاة
للمقيدين في الروتين الفارغ المضمون بالعمل والسياسة والتصريحات وقيادة شعب، فإذا
كانت الحكومة الإسرائيلية الحالية الأكثر تحمسا لإبادة الفلسطينيين، فإنه تقع على
قيادة الشعب الفلسطيني مسؤولية تاريخية بأن تكون له حكومة وقيادة، أكثر إقداما
وشجاعة على السير نحو إصلاح كل التصدع الداخلي لوقف قرابين الدم الفلسطيني وأن لا
تتركه يذهب سُدى.
فالعودة مجددا لخطاب التوسل والاستجداء الفلسطيني لا
يناسب ما راكم عليه الشعب الفلسطيني، ودون الانتباه لأبعاد الإنجازات المحققة
والاجتهاد بحثا عما يُحافظ عليها من جنوب أفريقيا إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية
وآسيا، من خلال إعادة البنية الفلسطينية لمتانتها الداخلية وبالمشاركة الواسعة لها
بالانتصار للحق الفلسطيني المسفوح، وبتقديم هدية للروح الفلسطينية المتعبة من
القهر والإذلال والاحتلال، ما يُبلسم هذا الشقاء بمنجز ينتظره منذ ثلاثة عقود.
أخيرا، لا بد من الخروج من عملية الدوران في حلقة الذات
الفلسطينية، والمبادرة لإعادة النظر بشكل جذري وعميق في كافة الأسباب والظروف التي
أبقت حالة الشرذمة والتفتت، ومنعت من توحيد الفلسطينيين، فالقيادة الفلسطينية
الموحدة هذا وقتها وأوانها.
twitter.com/nizar_sahli