بقدر ما كشفت
المقاومة في
غزة عن هشاشة الكيان
الصهيوني وجيشه الذي تحطمت أسطورته في أحياء الشجاعية وخان يونس وغيرهما، بقدر ما
كشفت أيضا عن حقيقة مهمة ربما كانت معروفة للبعض، مجهولة لآخرين، وهي أن الأذرع
الإيرانية في سوريا والعراق واليمن ولبنان، إنما هي لخدمة المشروع الإيراني أولا
وأخيرا، وليس لخدمة المقاومة ولا أدلّ على ذلك من الانخراط على خجل في مشروع
المقاومة على الرغم من دخول الصمود الأسطوري الغزّي يومه السابع والثمانين، بينما يمارس المحور الإيراني سياسة التضييق حتى على كل من يريد
أن ينصر غزة إن كان في المناطق السورية المحاذية للجولان، أو في المناطق اللبنانية
التي يتواجد فيها حزب الله والمحاذية للأراضي المحتلة.
البداية من التخبط الإيراني وعلى أعلى المستويات من
قيادة الحرس الثوري إلى ما هو دونه بشأنه مقتل قائد فيلق القدس في سوريا، العميد
رضى موسوي، مع عدد من مرافقيه في قصف صهيوني على حي السيدة زينب؛ الذي بات أشبه ما
يكون بالضاحية الجنوبية لبيروت. وبينما صمتت القيادات الإيرانية في البداية، اكتفى
بعضها بأن ما يجري في غزة هو انتقام لمقتل قاسم سليماني ونحو ذلك، وهو ما يخالف
تماما ما كانت القيادة الإيرانية وعلى أعلى المستويات تعلنه منذ اليوم الأول بأن
عملية طوفان الأقصى
فلسطينية التخطيط والتنفيذ ولا علاقة لإيران بها، وهو ما حرص
على تأكيده زعيم حزب الله حسن نصر الله. وحين أصدرت قيادة حماس تنفي ما أعلنه
قيادي في الحرس الثوري، اعتذر المسؤول في الحرس الثوري واعتبر أن كلامه قد أسيء
فهمه.
في اليمن كان الحرص الحوثي على ضرب السفن وخط التجارة
البحري وهو الأمر الذي يهدد الأمن البحري للمنطقة العربية، ويدفع بإيران إلى هذه
المنطقة الحيوية، الأمر الذي لطالما سال دعاب إيران له، ولذا نرى حرصا مصريا على
وقف الحرب لأن الإطالة قد تعزز وجود إيران في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مما
سيخنق مصر تجاريا، كون قناة السويس هي أحد المدخولات المصرية المهمة. وفي هذا
الصدد يشار إلى أن عددا من العمليات التي نفذت مستهدفة المصالح الصهيونية إنما
نفذتها مجموعات يمنية سنية، ولكن تعذر الإعلان عنها لأسباب أمنية، ولربما يتم
الكشف عن عمليات قادمة من هذه القوى المقاومة، مما سيربك الحوثي ومن خلفه القوات
الإيرانية.
ويتوقف مراقبون ومحللون على تحرك الحوثي مقابل صمت حزب
الله، وهو الأولى بتحريك قواته وجبهاته نصرة لغزة نظرا لقربه الجغرافي، وعميق
تأثير عملياته، إن كان الهدف بالفعل هو نصرة للمقاومة، لكن الواضح والجلي أن
التحرك الحوثي مرتبط بالمشروع الإيراني أكثر من علاقته بخدمة مشروع المقاومة،
ولكنه بهذا يتلطى خلف المقاومة ودعم غزة، مما يبرر له تحركه في جعل البحر الأحمر
بحيرة إيرانية، وبالمقابل يغسل جرائمه ضد الشعب اليمني المتواصلة منذ سنوات، والتي
كان أساسها في الانقلاب على ثورته وخطفها من خلال الثورة المضادة التي نفذها منذ
البداية بدعم ومشاركة الرئيس اليمني علي عبد الله الصالح، والذي تخلص منه لاحقا.
وفي العراق كانت الفصائل الشيعية العراقية أكثر فجاجة
حين أطلقت مسيراتها من داخل العراق لتمر في أجواء سوريا والأردن وربما أجواء أخرى،
أملا أيضا في غسل نفسها أولا من الجرائم التي ارتكبتها ضد الشعب العراقي طوال
العقدين الماضيين، إضافة إلى إحراج الأنظمة العربية المتواطئة أو الصامتة على
العدوان الصهيوني، كون هذه المسيّرات تمرّ في أجوائها، ووصل الأمر إلى اندفاع هذه
المليشيات إلى الحدود الأردنية للمشاركة كما تدعي في تخفيف الضغوط العدوانية
الصهيونية عن أهلنا في غزة، بينما الكل يعلم بأن طريق دمشق وحدودها مع الصهاينة
أقرب إلى هذه المليشيات من الأردن، وهي المتواجدة فيها لسنوات تقاتل الشعب السوري،
ولكن هدف تحركها أبعد من ذلك، وهو خلق الفوضى في الأردن لا سيما وقد ترافق مع
تكثيف تهريب المخدرات والأسلحة المتوسطة إلى الأردن، مما قرع ناقوس الخطر في عمان،
إذ بدأت تبتعد عن التطبيع مع النظام السوري، ودعت نخبها إلى إقامة منطقة عازلة مع
سوريا يصل عمقها إلى 30 كم.
أما عمليات القصف شبه اليومية التي تقوم بها هذه
المليشيات بحق القواعد الأمريكية، إنما تهدف بشكل أساسي لطرد واشنطن من سوريا
والاستفراد الإيراني بها، لا سيما فيما يتعلق بمصادر النفط والغاز فضلا عن سلة
الغذاء الذي تحظى بها المنطقة الشرقية حيث تتواجد القوات الأمريكية. ومثل هذا
القصف شبه اليومي موجود ومتواصل حتى قبل أحداث غزة، ويخدم المشروع الإيراني، وما تعلنه
من التعلق بغزة، فهي تغسل جرائمها أولا، وتكسب شعبيا وتأثيرا على حساب المقاومة.
في سوريا فقد التزم رأس النظام السوري بشار الأسد
الصمت كعادته إزاء العدوان على غزة، وهو الذي وصف قبل العدوان بأسابيع حركة حماس
بالنفاق، كما أسكت كل الجبهات التي يمكن أن تتحرك للتخفيف عن غزة. وبخصوص الصواريخ
التي أُطلقت من الأراضي السورية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة كانت من شخصيات
فلسطينية سورية مقيمة على الحدود، وحين أرادت هذه الجهات الفلسطينية قصف الأراضي
المحتلة من مناطق يسيطر عليها حزب الله فقد منعها، مما دفعها للذهاب لمناطق أخرى،
وبعد عملية الإطلاق تم التضييق عليها، وحرمانها من أي تحرك مستقبلي في هذا
الاتجاه، خصوصا وأن رأس النظام السوري قد تلقى تهديدات صهيونية مع بداية العدوان
فالتزم حدوده، على الرغم من القصف شبه اليومي لمطاراته في دمشق وحلب وغيرهما، وهو
ما دفع موسكو لأن تعرض على طهران أن تستخدم مطار حميميم في تحركاتها بين سوريا
وإيران عوضا عن المطارات السورية الأخرى.
في الجنوب اللبناني حاولت قوات الفجر السنية التابعة
للجماعة الإسلامية القيام بعمليات شبه يومية في بداية العدوان، ولكن سريعا ما صمتت
أو تراجعت عملياتها، وهو أمر لا نعرف تفاصيله، ولكن بعض المعلومات تعزوه إلى تضييق
الحزب على أصحاب العمليات.
الواضح أن ثمة مراجعات كبيرة بانتظار المقاومة في غزة
بعد توقف العدوان، وعلى رأسها خذلان محور المقاومة الذي تشدق طويلا بدعمها، وأحرز
مكاسبه الإقليمية على مدى سنوات تحت شعار الانتصار للمقاومة في فلسطين وغزة،
ليتبين خذلانه لها علنا وعلى الهواء مباشرة وعلى امتداد 87 يوما من العدوان
الصهيوني على غزة.