نشر موقع "
كونسبيراسي ووتش" تقريرا، تحدث فيه عن استخدام الرئيس
التونسي، قيس سعيّد، نظرية المؤامرة بشكل منهجي، حيث أصبحت تهمة "التآمر على أمن الدولة جاهزةً في كل وقت، لمواجهة المعارضين"، وذلك منذ ما وصفه بـ"التحول الاستبدادي عام 2021".
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن "تونس شهدت خلال عام 2023 سلسلة من الاعتقالات، التي طالت المعارضين السياسيين للرئيس التونسي بتهم غامضة. ومنذ عام 2021، أدى التحول الاستبدادي للرئيس، إلى خلط الأوراق، لدرجة إبراز العنصر التآمري في خطابه السياسي، على غرار نظرية "الاستبدال العظيم"".
"روبوكوب تونس"
واستفسر التقرير نفسه: "هل كان من الممكن توقّع مثل هذا الانجراف للوهلة الأولى؟ لا شيء كان يوحي بذلك. ففي عام 2019، انتُخِب الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري، بشكل خاص، بفضل بروزه كشخص نزيه. وفي
الحملة الانتخابية، بدت صرامته الأكاديمية بمثابة درع قويّ ضد الفساد الذي ابتُليت به الحكومات المتعاقبة، لا سيما منذ سقوط زين العابدين بن علي خلال عام 2011".
وأشار الموقع إلى أن "قيس سعيّد، يدين بسمعته إلى الربيع العربي الذي ساعده على فرض نفسه ضمن الشخصيات المهمة في تونس. لكن وإن جعل مكافحة الفساد جوهر التزامه ووضعها في قلب برنامجه الانتخابي، إلا أن رجل القانون فضّل الأسلوب الشعبوي الذي أثار منذ ذلك الحين التساؤلات".
وتابع: "في عام 2013، بعد اغتيال محمد البراهمي، النائب المنتخب خلال أول انتخابات حرة في تونس منذ الاستقلال في عام 1956، ذهب
قيس سعيد إلى المستشفى حيث يرقد رفات السياسي، وكانت الصحافة حاضرة فقال أمام الكاميرا: ليرحلوا كلهم بمعارضتهم، بأغلبيّتهم!؛ لينتشر المقطع بسرعة مثل النار في الهشيم".
وذكر
الموقع، أن "قيس سعيّد، عمل بصبرٍ على بناء شهرته عبر مختلف المنابر الإعلامية. بدعوته بانتظام للتعليق على الأحداث الجارية، حيث اكتسب شعبيةً من خلال عرض صورة الأكاديميّ المقرّب من "الشعب" الذي يريد، وذلك بحسب تعبيره، من أجل إعادة السلطة إليه".
وفي عام 2016، زار رفقة تنسيقيات شبابية تُعرف باسم حركة "مؤسّسون" مختلف مناطق تونس للقاء الطبقات العاملة وخاصة في الريف. وبعد ثلاث سنوات، فاز قيس سعيّد، بالانتخابات الرئاسية، فيما كان منافسه نبيل القروي، مسجونًا بتهمة تبييض الأموال والتهرب الضريبي، ما جعل أستاذ القانون مدافعًا عن صورة الأب، من خلفيّة متواضعة، وصل إلى قمة السلطة بجدارة.
وأورد الموقع أن "قيس سعيّد، الملقب بـ "روبوكوب" بسبب أسلوب حديثه الرتيب، الذي فاز بنسبة 72 بالمئة من الأصوات، يحظى بشعبيّة خاصة بين الخريجين الشباب، فهو يتحدّث اللغة العربية الفصحى التي لا تشوبها شائبة، كما أنه رمز ثقافي مهم من حيث تصوّره للدول الأجنبية. وتأكيدًا لتمسّكه بالقيم المحافظة والإسلام؛ حتى لو كان يعارض إدراج الشريعة في الدستور".
وأشار الموقع نفسه، إلى أن "قيس سعيد، ينتقد القومية العربية، ما يعتبرها إمبريالية القوى الغربية على المجتمع. وفي مقابلة أجرِيَت معه عام 2019 في مجلة "الشارع المغاربي"، أكد على سبيل المثال دون مزيد من التفاصيل أن: التعبير العلني عن المثلية الجنسية يتم تشجيعه من قبل الأطراف الأجنبية التي تموّله".
"تغيير التركيبة الديموغرافية لتونس"
أوضح الموقع أن هذا التوجه لاستهداف العدو دون تسميته، هو أمر متكرر لدى قيس سعيّد، ويتزايد طوال فترة ولايته التي تخللتها اضطرابات وتعديلات وزاريّة متواصلة. في هذا السياق، يحافظ الرئيس، على مناخ من عدم الثقة بينما يثبت نفسه باعتباره الرجل الوحيد القادر على مواجهة التهديدات التي تواجه تونس".
وأردف: "خير دليل على ذلك، إدارته للأزمة الصحية في تموز/ يوليو 2021 التي تؤكد تحوله الاستبدادي. ففي 20 تموز/ يوليو، تحوّل يوم مفتوح للتطعيم ضد كوفيد-19 إلى أعمال شغب، ورد قيس سعيّد في اليوم التالي لقناة العربية السعودية بالقول إن هذا التجمع هو عملية مدبرة من قبل أشخاص نافذين داخل النظام السياسي هدفهم ليس تلقي التطعيم بل نشر العدوى".
وذكر الموقع أن "الفوضى الناجمة عن جائحة كوفيد-19 والوضع الاقتصادي المقلق في البلاد، حيث يثقل الدين بشكل كبير كاهل الحسابات العامة، ساهما في خلق سياق مناسب للتحول الاستبدادي. في أيام قليلة توالت الأحداث: في 25 تموز/ يوليو 2021، الموافق لعيد الجمهورية، استحضر قيس سعيّد الفصل 80 من دستور 2014 الذي يقول إنه يسمح له بإقالة رئيس وزرائه وتجميد أنشطة البرلمان التونسي، ومنح الرئيس كل الصلاحيات لنفسه".
وأصدر دستورًا جديدًا، يضع حدًّا لعشر سنوات من الركود الديمقراطي الذي أعقب سقوط بن علي. ومنذ ما لا يتردد خصومه في تسميته بـ "الانقلاب"، سيطر قيس سعيد بشكل كامل على المؤسسات التونسية، بما في ذلك القضاء، وتزايدت الاعتقالات بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، لتصبح تونس تحت سيطرته في أقل من سنتين.
وأكد الموقع، أن "استخدام قيس سعيّد المتكرر لِلخطاب التآمري هو جزء كامل من هذه الإدارة الاستبدادية للبلاد، كما لو كان الأمر يتعلق بالحفاظ على مناخ من التوتر الدائم. ففي شباط/ فبراير 2023، قال فيما يتعلق بموجات الهجرة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إن: الخونة الذين يعملون لصالح الدول الأجنبية والمصالح الخفية يستهدفون الدولة".
وأشار: "أما بالنسبة لمسألة الأفارقة فهم يريدون تغيير التركيبة الديمغرافية لتونس. كل هذا مدبّر ودفعوا ثمنه كما دفعوا في مناطق أخرى للاعتداء على الدولة والشعب التونسي وهويته. وفي الصيف التالي، تركت قوات الأمن التونسية مئات المهاجرين في الصحراء الليبية. وبعد إعلان فزاعة "الاستبدال الكبير"، يطبق سعيّد السياسة الناتجة على أرض الواقع".
وأكد أنه: "باعتباره رئيس دولة لا تعترف بإسرائيل، من الواضح أن قيس سعيّد لا يتردد في التغني بالنغمة القديمة المبتذلة لـ"المؤامرة الصهيونية". ففي أيلول/ سبتمبر 2023، ومع ضرب العاصفة "دانيال" ليبيا المجاورة، اعتبر الرئيس التونسي أن إطلاق اسم نبيّ يهوديّ على العاصفة يوضح حجم اختراق الحركة الصهيونية للعقول بشكل كامل".
وحسب صحيفة "لوفيغارو"، لم تكن هذه المرة الأولى التي يَزل فيها لسانه فقد سبق أن قال في مقطع فيديو نُشر على فيسبوك إن: اليهود هم سبب عدم استقرار البلاد. لكن في أيار/ مايو 2023، وبعد الهجوم الذي استهدف الحج اليهودي السنوي في الغريبة في جربة، الذي خلّف 5 قتلى منهم اثنان يهود ونحو عشرة جرحى رفض سعيّد بقوة الطبيعة المعادية للسامية للهجوم، دون أن يتردد في اتهام "الأطراف الأجنبية التي تطلق الاتهامات بمعاداة السامية بتزوير الحقائق ونشر الأكاذيب والتآمر على الدولة وتعريض السّلم الاجتماعي للخطر".
وشدّد الموقع على أن استراتيجية "المؤامرة" مربحة إذا أردنا أن نصدق استطلاعات الرأي. ففي حزيران/ يونيو 2023، كشف استطلاع أجرته شركة "إيمرود كونسلتنغ" عن آراء إيجابية عن قيس سعيّد بأكثر من 50 بالمئة. وهذا يعني أنه في حال إجراء انتخابات رئاسية، قد يحصل على 70 بالمئة من نوايا التصويت في الجولة الأولى حيث سيدعى التونسيون للتوجّه إلى صناديق الاقتراع في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.