مر على
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
عشرون عاما، فقد تأسس سنة 2004م، وقام بتأسيسه العلامة المرحوم الشيخ يوسف
القرضاوي، بعد جهود مضنية للقيام بتأسيسه وإشهاره في لندن في يوليو سنة 2004م، ومر
بظروف صعبة، وميلاد عسير، ولكنه أسس، وقام بجهد طيب وعظيم على مدار سنوات عدة.
وقد عقدت دورته السادسة على مدى أيام،
اختتمت أمس، وأسفر عنها انتخاب رئيس جديد هو العالم الجليل الدكتور علي محيي الدين
القره داغي، ومجلس أمناء جديد، وأمين عام جديد أيضا، هو العالم الجليل الدكتور علي
الصلابي، نسأل الله تعالى لهم جميعا التوفيق والسداد، وسوف نتحدث عما ننصح به
للمرحلة القادمة، فإن الاتحاد في المرحلة الحالية والمقبلة يحتاج لعدة إصلاحات
مهمة، نعتبرها بمثابة إعادة ضبط بوصلته، ومنها:
أولا ـ إحياء ثقافة الترشح:
كانت انتخابات الرئاسة السابقة تجري بتزكية
المؤسس الشيخ القرضاوي رحمه الله، وكنت دائم النقد لهذا في حياته في حضور تلامذة
أحياء، بأنه ينبغي أن ينتهي زمن التزكية، ويكون هناك مرشح ومرشح آخر، ولو كان الحظ
الأوفر للقرضاوي، ولكن كان الناس يتهيبون ذلك، وحق لهم وله، وكنت أمازحه بأنني
سأترشح ضده حتى يكون هناك انتخابات، وأنا ضامن لرسوبي، لكن يكفيني شرفا أني سأرسب
أمام القرضاوي، فيضحك رحمه الله.
ولم أكن محبا للطريقة التي رشح بها شيخنا
القرضاوي العالم الجليل الدكتور أحمد الريسوني، ليكون استفتاء وليس انتخابا، وكان
ذلك له حكم ربما كان من باب عدم رد طلب الشيخ، ومضت هذه الدورة بالتوافق بانتخاب
القره داعي، ونتمنى في الدورة القادمة إن شاء الله أن تكون انتخابات الاتحاد كلها - ومنها الرئاسة - بين أكثر من
مرشح.
وهو نفس الأمر الذي تم في انتخابات الأمين
العام، فقد جرت بين عالمين جليلين، لهما فضلهما ومكانتهما، بين الصديق العزيز
الدكتور جمال عبد الستار، وصديقنا العزيز الدكتور علي الصلابي، وقد كانت نموذجا
طيبا للترشح والانتخاب، وانتهت بفوز الصلابي بمنصب الأمين العام، المعروف بنشاطه
التأليفي والدعوي، ولديه طاقة كبيرة نتمنى ترجمتها لعمل في المرحلة القادمة في
الأمانة.
ثانيا ـ التخفف من البيانات السياسية:
ينبغي في المرحلة القادمة: الحد من طغيان
لغة وبيانات السياسة التي كثرت، وأخرجت الاتحاد عن أساس رسالته، فليس مقبولا في كل
حدث صغر أم كبر، يصدر الاتحاد بيانا، فالاتحاد مؤسسة علمائية كبرى، وينبغي أن يتم
ترشيد خطابه في هذا الجانب، ومضمون البيانات كذلك، ينبغي أن يكون معبرا عن
استراتيجية الاتحاد القادمة.
على الاتحاد والإخوة القائمين على الرئاسة والأمانة، السعي نحو فتح أبواب ومسارات، مع الاتحادات والروابط العلمائية التي في دول تأخذ موقفا متشددا من الاتحاد، والوصول إلى مرحلة تخفف الضغط عن عدد كبير من العلماء والأعضاء بالاتحاد خلف السجون في هذه البلدان
وأقترح لضبط أداء بيانات الاتحاد وأدائه:
تشكيل هيئة مستشارين، تجمع بين سياسيين وإعلاميين، لضبط المضمون الإعلامي والخطابي
للاتحاد، فإن بعض البيانات يغلب عليها الطابع الخطابي، والاتحاد لم يعد مؤسسة
بسيطة، بل لا بد أن يكون خطابها على مستوى تاريخه.
ثالثا ـ الوساطة بين الأنظمة والشعوب:
لا بد من العودة بالاتحاد إلى فلسفة تأسيسه،
بأنه كيان شعبي، لكنه لا يصطدم مع الحكومات والأنظمة، فقد كانت من نتيجة مرحلة
الربيع العربي، والانقلابات، دخول الاتحاد طرفا في بعض الأمور، كانت أداء منه
للواجب المنوط به، لكن ربما كان يمكن القيام بها بشكل أهدأ، أو أحكم، وليس ذلك
ندما على ما مضى، بل استدراك لما هو آت.
فعلى الاتحاد والإخوة القائمين على الرئاسة
والأمانة، السعي نحو فتح أبواب ومسارات، مع الاتحادات والروابط العلمائية التي في
دول تأخذ موقفا متشددا من الاتحاد، والوصول إلى مرحلة تخفف الضغط عن عدد كبير من
العلماء والأعضاء بالاتحاد خلف السجون في هذه البلدان، وهو أمر ممكن، لو تم التحرك
في هذا الملف بعقلانية، وعلى رأس هذه الدول، دول ثلاث كبرى: مصر، والسعودية،
والإمارات، وتأثير هذه الدول على الاتحاد وأعضائه غير منكور، وليس المقصود التخلي
عن الثوابت، بل التحرك في إطار المواءمات، وبخاصة أن الرئيس والأمين ليست هناك مواقف
شخصية منهما في بعض هذه الدول، أو مع الروابط العلمائية فيها، وكذلك عدد من علماء
الاتحاد.
وبخاصة أن القره داغي الرئيس الحالي للاتحاد
له تجارب سابقة، عندما كان شيخنا القرضاوي ممنوعا من دول معينة خليجية وعربية، فقد
كانت لديه مساحة من التحرك، فكان ينيبه شيخنا في متابعة المشاريع المتعلقة
بالاتحاد وغيره، مما فيه نفع للأمة، ليكون بديلا له في إدارتها، ومتابعة ملفاتها،
فليس معنى منع القرضاوي أن نعمم المنع، أو نتنازل عما يفيد الأمة مما يجريه الله
على أيدي غيره.
وللصلابي الأمين العام الحالي الجديد تجربة
سابقة في الحوار مع بعض أنظمة عربية، لمنع صدام مع دعاة في السجون، ويمكنه البناء
على هذه الخبرة السابقة في هذا الملف، في تكوين لجنة مع الرئيس والنواب، بتخير
مجموعة من العلماء كل في بلد معين، ممن له صلة طيبة بسلطة هذا البلد، للتحرك في
ملف العلماء المعتقلين، وملف المسجونين بوجه عام إن أمكن ذلك، والتوصل لتخفيف
الاحتقان بين الشعوب والأنظمة، وهذا دور منصوص عليه في وثيقة تكوين الاتحاد منذ
عشرين عاما.
رابعا ـ السعي نحو المؤسسية الكاملة:
يجب التحول إلى العمل المؤسسي بالمعنى
الكامل للمؤسسية، وليس مجرد الشكل، ولا يزال الاتحاد يخطو نحو المؤسسية، ولما يصل
بعد لها، ولا لتفعيل طاقات أعضائه، فطاقة العمل في الاتحاد الآن تصل لخمسة في
المائة من قوة أعضائه الحقيقية، ولو تم تفعيلها كلها أو جلها سيخطو خطوات هائلة
نحو أهدافه، وعلى جميع المسؤولين فيه أن يخرجوا به إلى حالة نشاط دؤوب، تستنفر فيه
الطاقات، عن طريق اللجان المختلفة، التي يجب أن تفعل تفعيلا حقيقيا، بناءعلى
الكفاءة المتوفرة في كثير من أعضائه، وذلك يتم أولا بحصر واستقراء الكفاءات،
وتنوعها الكمي والكيفي، والجغرافي كذلك.
Essamt74@hotmail.com