نشر موقع "
ميدل إيست آي" البريطاني، مقال رأي للكاتب ماجد مندور، تحدث فيه عن الوضع في
مصر تحت حكم رئيس النظام عبد الفتاح
السيسي.
وقال الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"؛ إنه كان في أواخر العشرينيات من عمره عندما أطاح الانقلاب بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر، وأثارت المذابح التي أعقبت ذلك هوسه بالنظام العسكري الجديد، وأدى هوسه الذي دام عقدا من الزمن في النهاية إلى تأليف كتاب بعنوان "مصر في عهد السيسي: أمة على الحافة"، الذي قدم تحليلا لنظام لا يشبه أي شيء رأيناه في التاريخ المصري الحديث.
وذكر الكاتب في كتابه أن حكومة عبد الفتاح السيسي، على عكس سابقاتها من الأنظمة الاستبدادية، فريدة من نوعها من ناحيتين. فمن ناحية، هذه المرة الأولى في تاريخ مصر الحديث الذي تخضع فيه البلاد للحكم العسكري المباشر، مع عدم وجود حزب مدني لتحقيق التوازن في المؤسسة العسكرية، أو العمل كواجهة مدنيّة لقوة المؤسسة العسكرية المتوسعة. ومن ناحية أخرى، يرتبط نظام السيسي بشكل كبير بالعنف الجماعي الذي تمارسه الدولة، ليس كمسألة اختيار، بل كمسألة ضرورة أيديولوجية، ما يجعل القمع راسخا بعمق في الصرح الأيديولوجي للنظام.
وهذه السمات مستمدة من الهوس العسكري بترسيخ السلطة، وضمان عدم تكرار الاحتجاجات الحاشدة التي وقعت سنة 2011 مجددا، وهو الهوس الذي أدى إلى ظهور نظام عسكري وحشي، مع احتمالات محدودة للإصلاح الداخلي، وفقا للمقال.
العسكريون كأوصياء على الدولة
سلط الكتاب في البداية الضوء على انقلاب 2013 وصيف المجازر الذي أعقبه، ويُعدّ ذلك الصيف بمنزلة اللحظة التأسيسية للنظام، حيث تمكّن من حشد الدعم الشعبي الجماهيري لموجة عارمة من القمع، استهدفت في البداية جماعة الإخوان المسلمين، ثم امتدت لاحقا إلى المعارضة العلمانية. ولم يكن هذا ممكنا إلا بسبب عدم كفاءة جماعة الإخوان المسلمين وتواطؤ المعارضة العلمانية، مع خطّها الاستبدادي الصريح، الذي سمح للجيش بالتدخل وبناء خطاب يفضي إلى هستيريا جماعية.
وأضاف أنه تم تبرير أعمال العنف الجماعي من خلال نسخة شوفينية من القومية المصرية، التي رأت الأمة كعضوية كاملة، والجيش كوصي على الأمة والدولة، ومساواة معارضة الجيش بالخيانة، والسماح للجيش بإلقاء معارضيه خارج الحظيرة الوطنية. وقد برّر ذلك استخدام العنف الجماعي -بمشاركة شعبية - لقمع معارضي النظام الجديد، وإطلاق المؤسسة العسكرية مشروعا سياسيا كبيرا؛ هو العسكرة الكاملة للدولة والاقتصاد.
وقد شمل ذلك عددا لا يحصى من التغييرات القانونية والدستورية، التي وسعت سلطة الرئاسة على السلطة القضائية، ما أدى إلى تآكل أي مظهر من مظاهر الاستقلال التي لا تزال تحتفظ بها. وكان الدور الدستوري الجديد وغير المسبوق الذي اضطلعت به المؤسسة العسكرية كحارس للطبيعة العلمانية للدولة، والحقوق الديمقراطية، بمنزلة الأساس القانوني لاستمرار التدخّل العسكري في السياسة. كما وسّعت السلطات القمعية للجيش، مع تعزيز دوره في صيانة النظام، وتحويله إلى جهاز أمني داخلي، يهدف بشكل أساسي إلى استقرار النظام وقمع المعارضة، وكل ذلك تحت مسمى محاربة من أسماهم السيسي "أهل الشر" والحفاظ على "الدولة"، بحسب الكاتب.
إعادة هيكلة الرأسمالية المصرية
أشار الكاتب إلى أن أي تحليل للمصاعب التي تعيشها مصر، لن يكون مكتملا من دون الاعتراف بالحصانة القانونية التي يتمتع بها أفراد الأجهزة الأمنية حاليّا، بعد أن أغلقوا المجال العام بالكامل، مما أدى إلى تراجع المكاسب الديمقراطية التي تحققت في سنة 2011.
ولفت إلى أنه ليس من المستغرب أن يؤدي كل هذا إلى مستوى استثنائي من العنف السياسي ضد الناشطين المؤيدين للديمقراطية في البلاد منذ تأسيس الدولة المصرية الحديثة. وقد سُجن الآلاف لفترات طويلة، وأحيانا دون محاكمة، وتزايدت عمليات القتل خارج نطاق القضاء بشكل كبير، وأصبح الاختفاء القسري والتعذيب ممارسات مؤسسية. وبعد سنوات من العنف السادي والاستيلاء على الدولة، تمكن نظام السيسي العسكري من القضاء على جميع مراكز السلطة المدنية المتنافسة، وأصبح المهيمن بلا منازع على السياسة المصرية.
وذكر الكاتب أنه بمجرد أن اخترقت المؤسسة العسكرية أجهزة الدولة كافة، من المستوى المحلي إلى المستوى الوطني، وقامت الأجهزة الأمنية بهندسة الانتخابات البرلمانية، شرعت في تنفيذ مشروعها الأكثر طموحا على الإطلاق، وهو إعادة هيكلة الرأسمالية المصرية. وقد كانت السياسة بسيطة، وهي تقوم على استخدام الدعم السخي من دول الخليج للحصول على المزيد من تدفقات الديون من الأسواق والمنظمات المالية الدولية، من أجل بعث مشاريع ضخمة ــ ذات فوائد اقتصادية مشكوك فيها ــ تديرها وتنفذها المؤسسة العسكرية.
وقد سمح ذلك للجيش بتوسيع بصمته الاقتصادية بشكل كبير، والتغلغل بعمق في قطاعات الاقتصاد حيث كان وجوده ضئيلا، مما أدى إلى مزاحمة القطاع الخاص في هذه العملية، وكانت صناعة الأسمنت مثالا رئيسيّا على ذلك. وطالما تستمر القروض في التدفق، بدا الأمر وكأن مغالطة النمو المستمر القائم على الديون هي السائدة، لكن بمجرد تشديد الائتمان الدولي وعدم رغبة دول الخليج في الاستمرار في تقديم الدعم السخي، انهار النموذج؛ مما أدى إلى أزمة ديون كبيرة لا تزال تتكشف.
فقد انخفضت قيمة الجنيه بشكل كبير، وبلغ التضخم مستويات تاريخية غير مسبوقة، وكاد القطاع الخاص أن يتوقف تماما، وكل هذا ناجم عن رأسمالية الدولة العسكرية المرتبطة عضويا بالنظام السياسي في مصر، التي يدعمها العنف الجماعي الذي تمارسه الدولة، وفقا للكاتب.
السيناريو السوري
حسب الكاتب، فإن متانة هذا النموذج حتى الآن تمثل أيضا نقطة ضعفه؛ فعدم وجود حزب حاكم، في ظل وجود معارضة معتدلة مدمرة، يجعل النظام غير مجهز للتعامل مع الاضطرابات المدنية المحتملة. وتتعقد هذه الصورة بسبب القوة العسكرية المتزايدة، التي لا يستطيع السيسي كبح جماحها؛ لأنه لا يوجد توازن مدني لنهَمها للسلطة والكسب غير المشروع. وهذا لا يقلل من إمكانية الإصلاح بقيادة النخبة فحسب، بل يزيد أيضا من احتمالات القمع الجماعي ردا على الغضب الشعبي، وهو الأمر الذي يتزايد احتمال حدوثه في خضم الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في مصر.
ويرى الكاتب أن تكرر السيناريو الشبيه بسوريا أصبح أكثر احتمالا من أي وقت مضى، وهو احتمال مرعب في بلد يزيد عدد سكانه عن 100 مليون نسمة. ولا تزال هناك إمكانية لتفكك جهاز النظام القمعي في مواجهة انتفاضة جماهيرية عابرة للطبقات. مع ذلك، هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن صغار ضباط الجيش - أي أولئك المسؤولين عن تنفيذ القمع فعليا - قد تم تلقينهم بشكل كامل عقيدة النظام، مما جعلهم أكثر ولاء له.
ولا يستبعد الكاتب إمكانية التغيير على المدى الطويل، من خلال النضال المستمر من أجل فتح المجال العام، الذي يمكن أن يكتسب زخما مع انتقال نموذج الحكم الذي يتبعه النظام من أزمة إلى أخرى، ليصبح من الواضح أن هذا النموذج غير مستدام.