نشر موقع "ناشيونال إنترست"، مقالا للكاتبة آن بيرس، أشارت فيه إلى إن قصة الثورة السورية ضد الطغيان ملهمة بقدر ما هي مأساوية. وكانت ردود الفعل الأمريكية والدولية على فظائع بشار
الأسد والحرب الكارثية في
سوريا تفتقر إلى الحكمة بقدر ما كان لها عواقب.
وقالت بيرس في المقال الذي ترجمته "عربي21": "إذا نظرنا إلى الكيفية التي سار بها العقد الماضي بشكل خاطئ للغاية بالنسبة للشعب السوري، مع استمرار معاناة تلو الأخرى، وإلى الانفجار الحالي في الشرق الأوسط، مع تراجع النفوذ الأمريكي والديمقراطي بشكل حاد، فإننا نرى الحاجة الملحة إلى المزيد من السياسة الخارجية الأمريكية الحكيمة القائمة على المبادئ".
وأضافت: "نحن نرى أنه، كما حذرت سوزان مالوني، زميلة معهد بروكينغز في عام 2018، فإن "ما يحدث في سوريا لا يبقى في سوريا"، وأنه حتى في هذا الوقت المتأخر، هناك حاجة لنهج جديد سليم تجاه سوريا والمنطقة".
وفي دعوة الكاتبة لسياسة أمريكية جديدة فإنها تتجاهل موافقة الحكومة الأمريكية على فظائع "إسرائيل" المستمرة في غزة. وتبدو وكأنها تدين الطغيان في سوريا وتتغاضى بل وتبحث عن مبرر لتدمير غزة، عندما تحاول قراءة مسار السياسة الأمريكية من نظام الأسد وحلفائه. فهي تقول إن "حقيقة نجاح الأسد وحلفائه روسيا وإيران وحزب الله في إبقاء النظام السوري البغيض في السلطة من خلال الحرب القاسية والجرائم ضد الإنسانية، وأن العالم لم يفعل الكثير لمنعهم، تشكل سابقة يتردد صداها اليوم".
وتضيف أنه "في فظائع الإبادة الجماعية التي شهدتها حرب روسيا على أوكرانيا، وهجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، هناك أصداء للفظائع التي ارتكبها الأسديون ضد السوريين". دون أن تذكر أي شيء عن قتل الاحتلال أكثر من 22,000 فلسطيني على مدى ثلاثة أشهر.
وتابعت بأنه منذ أن خرج المتظاهرون السلميون السوريون لأول مرة إلى الشوارع للمطالبة بالحقوق الأساسية، ليواجهوا بعنف ووحشية النظام القمعي، نرى الشوق والتلهف للحرية وحماقة وقصر نظر الاسترضاء وسادية وقسوة الحرب الأهلية. والتواطؤ الخبيث بين الأنظمة السورية والإيرانية والروسية، ودعمها للقوى المتطرفة.
وأشارت إلى أنه "عندما اندلعت الاحتجاجات السلمية المؤيدة للديمقراطية في أوائل عام 2011، قام نظام الأسد باعتقال وتعذيب المراهقين، وعندما تزايدت الاحتجاجات، أطلق النظام النار على المتظاهرين. وبينما أدت وحشية الدولة إلى تأجيج الثورة وحمل الثوار السلاح، نشر الأسد الدبابات، والمروحيات الهجومية، والطائرات المقاتلة، وفي نهاية المطاف، "البراميل المتفجرة" و"حصار المجاعة" ضد الثوار والمدنيين على حد سواء".
"بحلول أوائل عام 2012، كانت سوريا في "حرب أهلية". و"كان رد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما على الأعمال العدائية والفظائع المتصاعدة التي يرتكبها الأسد معيبة للغاية" وفقا للتقرير. وقد "لجأت الإدارة إلى مجلس الأمن مع علمها بأنه كان سيتم استخدام حق النقض ضد أي إجراء ذي معنى. كما أنها قامت بعرقلة أو تخفيف المقترحات الموضوعية للكونغرس، بما في ذلك فرض عقوبات قوية ورفض دعوة فرنسا لإنشاء ممر إنساني ونداء تركيا لإقامة "منطقة حظر طيران آمنة"، ثم قبلت خطة الأمم المتحدة المدعومة من روسيا والتي لم تدعُ الأسد إلى التنحي وخذلت القضية الأخلاقية للشعب السوري".
وشددت على أنه "مع إصدار الولايات المتحدة والأمم المتحدة دعوات محايدة أخلاقيا لإنهاء "العنف"، فقد أصبحت الحياة أكثر جحيما بالنسبة للسوريين، إذ فتح ضعف الولايات المتحدة والأمم المتحدة الباب أمام الجماعات المتطرفة الحريصة على اختطاف الثورة السورية أو الدفاع عن النظام السوري".
وقالت الكاتبة إن "تطرف الصراع كان مناسبا للأسد تماما. وبفضل النكسات التي تعرض لها الثوار المعتدلون وفشل الجيش السوري الحر في الحصول على المساعدات الخارجية، فقد عمد الأسد إلى تضخيم حكمه الإرهابي. وعلى الرغم من أن الأسد أطلق سراح الكثير من قادة داعش من السجن، إلا أنه وضع نفسه بذكاء كحصن ضد التطرف الإسلامي. وبقدر ما اعتُبر داعش جزءا من "المعارضة"، فقد أعطى مصداقية لادعاء الأسد بأن أولئك الذين يقاتلون النظام كانوا إرهابيين. وبقدر ما قاتل تنظيم داعش ضد الجيش السوري الحر، فقد عجل بزوال المتمردين المعتدلين. ومن المثير للاهتمام أن قوات النظام ومسلحي تنظيم الدولة الإسلامية عادة ما يتجنبون بعضهم البعض أثناء استهداف الآخرين"، وفقا للمقال.
ولفتت إلى أنه "في حين ساهم النفور من نشر "قوات على الأرض" في مرحلة ما بعد حرب العراق في السلبية الأمريكية، فإن تقاعس الولايات المتحدة وغيرها سمح لتنظيم داعش ببناء معقل له في سوريا والعراق، وهو تطور خطير للغاية لدرجة أنه تطلب ردا عسكريا. وبينما كانت إدارة أوباما تأمل في إمكانية تحقيق تعاون
إيران في القضايا النووية والإقليمية من خلال اتباع نهج الحد الأدنى في التعامل مع سوريا، فقد رأت إيران ضعفا وتصرفت وفقا لذلك".
وما زاد الطين بلة، وفقا للكاتبة، أن "الولايات المتحدة وافقت على "خطط السلام" المزعومة لروسيا في سوريا من خلال "مؤتمرات جنيف"، والتي لم تمنح الأسد سوى الوقت والغطاء لمزيد من العدوان. وفي غياب الانتكاسات العسكرية الكبرى، لم يكن لدى الأسد أي سبب لتقديم تنازلات. علاوة على ذلك، فقد أدرك الثوار أنهم إذا ألقوا أسلحتهم، فإن الأسد سوف يسحقهم".
وذكرت بيرس أن "إسرائيل وفرنسا وبريطانيا وتركيا قدمت في نيسان/ أبريل 2013 أدلة على أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيميائية. ومع ذلك، فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي حينها جون كيري ونظيره الروسي لافروف في شهر أيار/ مايو عن خطط لعقد مؤتمر يستند إلى بيان جنيف، الذي على الرغم من دعوته إلى تشكيل حكومة انتقالية، إلا أنه لم يدعُ على وجه التحديد إلى رحيل الأسد".
وفي آب/ أغسطس 2013، "أطلق الأسد العنان للأسلحة الكيميائية على آلاف المدنيين في دمشق، وهو التطور الذي، وفقا لـ "الخط الأحمر" الذي أعلنه أوباما سابقا، كان ينبغي أن يؤدي إلى شن غارات جوية أمريكية. ومع ذلك، فقد صممت روسيا خطة أخرى لتدمير الأسلحة الكيميائية السورية بحلول عام 2014 بشرط أن تمتنع الولايات المتحدة عن ضرب سوريا. لقد أدى تحرك الأمم المتحدة بناء على الاتفاق إلى إعادة الشرعية لنظام الأسد بشكل فعال من خلال دعوة الجانبين إلى التسوية وتأكيد دور الأسد في المفاوضات المستمرة"، بحسب ما ورد في المقال.
و"مع تراكم الفرص في عام 2015، فقد دخلت روسيا الحرب إلى جانب الأسد، وشنت غارات جوية على الثوار المعتدلين. وبمساعدة روسيا وإيران وحزب الله، استعاد الأسد معظم الأراضي التي كان الجيش السوري الحر قد استولى عليها في ذلك الوقت".
وأشارت الكاتبة إلى أن "ما زاد الأمور سوءا القرارات الأمريكية اللاحقة. وفي خطوة غير مبدئية وغير حكيمة، دعت إدارة أوباما إلى وقف الأعمال العدائية، وبعد ذلك وافقت على تنفيذ طلعات جوية "بالتعاون" مع روسيا ضد داعش. وقد تم تحذير المتمردين من أنهم أيضا سوف يتم استهدافهم إذا لم يقطعوا العلاقات مع متطرفي جبهة النصرة، الذين كان بعضهم قد انحاز إليها في ذلك الوقت على مضض. والجدير بالذكر أنه لم تكن هناك متطلبات لوقف القصف والمجازر والفظائع التي يرتكبها الأسد. وسرعان ما انهار وقف إطلاق النار المعيب بشكل قاتل. وفي هذه الأثناء، أدى العنف المدمر والفظائع الشديدة إلى فرار الملايين من منازلهم، مما يشكل واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدها العالم".
وقالت بيرس إن "أفكار إدارة أوباما، أن روسيا يمكن أن تكون "شريكا" في محاربة داعش، وأن إيران يمكن أن تلعب "دورا بناء" في سوريا والعراق، وأن الشعب السوري يمكن أن "يتعايش" مع النظام الذي سبب لهم كل هذا الرعب والألم، كانت أوهاما. وكانت إيران وروسيا تعملان ضد المصالح الأمريكية ودعما للأسد في كل منعطف".
وأضافت أن "فريق السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، رسم مسارا أفضل في البداية. فرضت الإدارة عقوبات جديدة كبيرة في مجال حقوق الإنسان، وردت بإجراءات عسكرية محدودة عندما استخدمت القوات الموالية للأسد الأسلحة الكيميائية مرة أخرى وهددت عسكريا التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. حتى إن مسؤولي ترامب ذكروا أنه "لا يمكن أن يكون هناك سلام أو استقرار أو عدالة طالما بقي الأسد في السلطة" وأن "روسيا وإيران تدعمان قتله لشعبه". ولكن على نحو متزايد، ركز ترامب بشكل ضيق على التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية والمعركة، جنبا إلى جنب مع الأكراد السوريين، لطرد تنظيم الدولة الإسلامية من سوريا والعراق".
ومرة أخرى وفقا للكاتبة، فقد "استغلت روسيا الوضع حيث نظمت في كانون الثاني/ يناير 2017، مؤتمر أستانا الأول، حيث دفعت باقتراح إنشاء "مناطق خفض الاشتباك" ليتم تنفيذها من قبل روسيا وإيران وتركيا. وأعرب مسؤولو ترامب عن شكوكهم لكنهم وافقوا على الرغم من العلامات التحذيرية: لقد ساعدت مناطق منع الاشتباك الفاشلة الأسد على تحقيق الانتصارات في الجزء الغربي من سوريا. وارتفعت الخسائر في صفوف المدنيين".
وشددت على أنه "بالرغم من أن ترامب كان يعمل على تحسين العلاقات مع الدول السنية التي يمكنها مواجهة إيران، وأعلن عقوبات على الحرس الثوري الإيراني، إلا أنه فشل في تشكيل استراتيجية للتعامل مع تواطؤ الأسد وروسيا وإيران وهجومهم الوحشي على الشعب السوري. في الواقع، عند إعلانه المفاجئ عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا في كانون الأول/ ديسمبر 2018، فإنه غرّد قائلا: "لقد هزمنا داعش في سوريا، وهو السبب الوحيد لوجودنا هناك..." وقد أفادت هذه الدورة روسيا وإيران وفتحت الباب أمام تركيا لشن هجوم مدمر على القوات الكردية التي دخلت في شراكة مع الولايات المتحدة لهزيمة داعش. وجعل ذلك الأكراد يتوجهون بشكل متزايد نحو روسيا والأسد طلبا للحماية"، حسب تعبير الكاتبة.
و"مع معارضة فريق ترامب للسياسة الخارجية والكونغرس، عاد حوالي نصف القوات الأمريكية البالغ عددها 2000 جندي إلى سوريا في غضون عام واحد. لكن ترامب، مثل أوباما، نادرا ما أشار إلى معاناة أولئك الذين يقعون في قبضة الأنظمة التي ترتكب الفظائع، وفي بعض الأحيان، كما فعل أوباما، ذهب إلى حد تملق الطغاة البغيضين".
وقالت بيرس في مقالها، إن "الشعارات التبسيطية مثل "إنهاء الحرب التي لا نهاية لها" و"أمريكا أولا" تهمل السوريين وغيرهم من الشعوب المضطهدة بشدة. علاوة على ذلك، فإن فعل القليل وقول القليل ردا على الأعمال العدائية والفظائع المتصاعدة لتجنب الحرب يزيد من احتمالية اضطرار الولايات المتحدة في النهاية إلى الحرب بسبب الأحداث التي تخرج عن نطاق السيطرة".
وهكذا، فإنه وفقا للمقال، فقد "حققت روسيا نفوذا وقواعد، واختبرت عددا لا يحصى من الأسلحة في سوريا، والتي ستستخدمها بعد ذلك في أوكرانيا. كما اكتسبت المليشيات الإيرانية موطئ قدم بالإضافة إلى العراق، حيث استهدفت القوات الأمريكية بالصواريخ والطائرات المسيرة".
وأشارت إلى "تكثيف الهجوم العسكري الوحشي الذي يشنه الأسد وروسيا ضد السوريين بشكل ملحوظ منذ أن هاجمت حركة حماس "إسرائيل". ومنذ ذلك الحين، شن وكلاء إيران ما يقرب من 100 هجوم على القوات الأمريكية في سوريا والعراق. ومع ذلك، فإن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، التي تحاول تجنب التصعيد بشكل مفهوم ولكنها تظهر بشكل غير مقبول الجمود الأخلاقي والاستراتيجي، لم تستجب إلا بالقليل للغاية وبعد فوات الأوان".
و"قد عارض أعضاء لجنتي الشؤون الخارجية بمجلس النواب والعلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ من كلا الحزبين قبول الرئيس بايدن لجهود تطبيع الدول العربية مع الأسد وضعف تطبيقه للعقوبات على سوريا"، وفقا للكاتبة.
وشددت بيرس على "تخلي الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأوروبا والعالم العربي عن سوريا كان بمثابة ضربة كبيرة للمعايير الدولية والمبادئ الديمقراطية. وقالت إن التحول من منطقة إلى أخرى، مع نسيان الترابط العالمي بين التهديدات الحديثة والمعادلات التبسيطية للقوة الصارمة، أعطى أعداء الحرية فراغا ليملأوه. وفي الشرق الأوسط ومختلف أنحاء العالم، نرى أن الردع الضعيف الذي يمارسه الغرب، والعقوبات الواهية التي يفرضها على المعتدين، واستعداده للتغاضي عن حقوق الإنسان، لم يشترِ الراحة التي طال انتظارها في مرحلة ما بعد الحرب الباردة".
واختتمت مقالها بالقول إن "سياسة جديدة في التعامل مع سوريا تتسم بالوضوح الأخلاقي والاستراتيجي، من شأنها أن يتردد صداها بشكل إيجابي في المنطقة وأن تعمل على تحسين قدرة أمريكا على ردع خصومها".
وفي النهاية، فإن إدانة الكاتبة لسياسات أمريكا من سوريا هي بالضرورة إدانة لدعمها المطلق وغير المشروط لإسرائيل في غزة، لكن الكاتبة تتعامى عن هذه الحقيقة.