تنتهي إجراءات
الانتخابات الرئاسية في
مصر الثلاثاء، وسط توقعات بفوز كاسح لرئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، بفترة رئاسية ثالثة لمدة 6 سنوات بعد أن قضى في حكم أكبر بلد عربي وبإقليم الشرق الأوسط، سكانا، مدة 10 سنوات.
ولأن السيسي كرئيس، وكمرشح رئاسي، لم يقدم كشف حساب عن عقد كامل حكم فيه البلاد، ولم يقدم برنامجاً يكشف خططه لفترة حكمه الثالثة والممتدة حتى 2030، فقد قدّم خبراء كشف حساب بدلاً عنه في مجالات الاقتصاد والسياسة والعلاقات الخارجية وحقوق الإنسان، كما أنهم عرضوا توقعاتهم لما يُنتظر منه في 6 سنوات قادمة.
وأجمع المتحدثون لـ"عربي21"، على أن فترتي حكم السيسي، منذ العام 2014، وما سبقهما من عام انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي في 2013، وحتى الآن، من أسوأ ما شهده المصريون في العصر الحديث في جميع المجالات، متوقعين لفترة حكمه الثالثة أن تكون الأسوأ من سابقتيها.
وهي الحالة التي عبر عنها الباحث المصري في الشؤون الأمنية والاستراتيجية محمود جمال، عبر صفحته بموقع "إكس"، بقوله: "من وصل للحكم على جثث أبناء وطنه، ويقبع في سجونه عشرات الآلاف وغادر مثلهم خارج البلاد خوفاً من البطش والتنكيل وبسبب سوء الأوضاع الإقتصادية، وضيق على الناس معيشتهم في شتى النواحي، وفقدت مصر سيادتها على تيران وصنافير والنيل؛ أصبح مهدد في عهده، سيستمر 6 سنوات أخرى ليستكمل إنجازاته".
"حصيلة الاقتصاد"
وفي رصده لحصيلة الاقتصاد، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور علي عبدالعزيز، لـ"عربي21"، إنه "يمكن تقييم 10 سنوات من حكم السيسي وفق مؤشرات أساسية، هي حجم الدين، وخدمة الدين الخارجي، ومدفوعات فوائد الديون، وسعر صرف العملة المحلية"، مكتفيا بهذه النقاط الأربعة فقط.
أولا: وحول حجم الدين الخارجي، أضاف عبدالعزيز: "اعتمد السيسي وفقا له على ما يسميه مشروعات قومية حيث أصبح 165 مليار دولار في 2023، وهو رقم ضخم يمثل أكثر من ضعفين ونصف رقم الأساس في 2014، حيث كان الدين الخارجي فقط 46 مليار دولار".
وأوضح أن "الدين الخارجي الآن يمثل 40.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالى، أي أقل من حاجز الـ 50 بالمئة المقدر من جانب صندوق النقد الدولي لمستويات الديون التي يمكن السيطرة عليها".
وثانيا، أكد أن "خدمة الدين الخارجي كانت 5.6 مليار دولار في 2014، وخلال 2024 تتجاوز الـ46 مليار دولار، أي زيادة تقدر بـ7 أضعاف، وهو ما تسبب بجانب عوامل أخرى في أزمة نقص الدولار، والتي يعاني منها الشعب المصري كله الآن".
وأشار إلى أن "مصر أصبحت أقرب للدول غير القادرة على دفع خدمة الدين الخارجي، وقد يجبرها ذلك على التفاوض على إعادة هيكلة الدين مع الدائنين بهدف مد آجال الدين أو تخفيض سعر الفائدة أو تقليص حجم الدين والفائدة".
وبين أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن "أمرا كهذا سيعطى فرصة أوسع لصندوق النقد الدولي ليضمن مصر عند الدائنين بشروط جديدة، بهدف سد فجوة التمويل، وفي نفس الوقت ستضعف الثقة في الاقتصاد المصري أكثر مما هو الآن".
وثالثا، قال إن "سعر صرف الدولار ارتفع من 7 جنيهات في 2014 إلى أكثر من 50 جنيه خلال 2023، أي انخفضت قيمة الجنيه بنحو 86 بالمئة، والسبب في ذلك سياسات السيسي".
ووصفها بأنها "أنهكت الدولة بهيكل اقتصاد قائم فقط على البناء وإسناد المشروعات للجيش، وعدم الاهتمام بالإنتاج، والاقتراض بشراهة دون رقيب".
وأكد أن "ذلك انعكس على حياة الناس، حيث الفقر المدقع، والتضخم الذي يتراوح بين 36 بالمئة و40 بالمئة خلال الشهور الأخيرة، ومتوقع زيارتها بعد تخفيض الجنيه المتوقع".
ورابعا، تحدث الأكاديمي المصري عن "زيادة مدفوعات فوائد الديون خلال الربع الأول من العام المالي الجاري لتصل إلى 477.5 مليار جنيه، مقارنة بنحو 216.9 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي، بنسبة زيادة 120.1 بالمئة".
وأضاف: "كما تزيد بنحو 142.4 مليار جنيه بنسبة 42.5 بالمئة عن الإيرادات الحكومية خلال نفس الفترة، والتي بلغت 335.1 مليار جنيه، أي أن الفوائد تمثل زيادة بنحو 142.5 بالمئة من الإيرادات".
وختم بقوله: "وكل ذلك في مقابل اللا تنمية، حيث ينفق السيسي كل هذه القروض في أوجه غير مدروسة ويشويها الفساد وفوضى التنفيذ والرقابة".
"حالة غير مسبوقة"
من جانبه، يرى الإعلامي والحقوقي المصري هيثم أبوخليل، أن "الوضع المصري خلال 10 سنوات مضت في حالة كبيرة من السوء"، مؤكدا في حديثه لـ"عربي21"، أن "السيسي كان حالة غير مسبوقة في العالم بالاستهتار بنحو 105 ملايين مصري في الداخل".
وأعرب عن تعجبه من أنه "لم يخرج عليهم، ولم يخاطبهم، لم يقدم لهم برنامجه الانتخابي، في حالة من حالات اللامبالاة غير المسبوقة، ولكنه في المقابل اعتمد على حشد الجهات الأمنية وبعض الأحزاب الكرتونية الموجهة، مثل (مستقبل وطن)، وكذلك التصويت القسري، والحشد بالمال الحرام من دم المصريين، وبالكراتين مع تفاقم الأزمة الاقتصادية".
وأكد أبوخليل، أن "كشف الحساب خلال 10 سنوات واضح تماما، مع انهيار العملة المحلية من 7 جنيهات إلى أكثر من 50 جنيها بالسوق الموازية، وهو السعر لأي مستورد يضطر للحصول عليها من السوق السوداء".
"وذلك إلى جانب ما نراه من بيع للأصول العامة ومقدرات البلاد من مصانع وشركات ومشروعات يتم التفريط فيها رغم تحقيق بعضها مكاسب وأرباح، وعلى سبيل المثال شركة أبو قير للأسمدة، وغيرها"، وفق قوله.
وأشار إلى أنه "أيضا وعلى المستوى السياسي وباعتراف وزير الخارجية المصري سامح شكري مع فضائية (سي إن إن)، وحوارات قبلها، أكد خلالها عدم وجود سيادة لمصر، حتى باستعادة من 30 إلى 40 ألف مصري من غزة إلا باعتماد سلطات الاحتلال بتل أبيب كشوف المغادرين لمعبر رفح".
ولفت كذلك إلى "جرائم اعتداء الاحتلال على الأراضي المصرية وقتل مصريين وقصف معبر رفح باعتراف الخارجية المصرية، ودون وجود ردة فعل معتبرة تليق بمصر ودورها، وعدم تحكمها في معبر رفح، وكأن غزة ليست أمن قومي، بل إن كل فلسطين أمن قومي لمصر، وما يحدث عبر المعبر عبث ما بعده عبث".
ولذلك يعتقد أبو خليل، أن "مصر ستدخل على فترة سوداء"، متوقعا أنه "بعد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية 18 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أو مع بداية العام الجديد سوف تكون هناك حزمة من الغلاء والتعويم والبيع أكثر وأكثر".
وختم بالقول: "ربما ستشهد الفترة القادمة مفاجآت في ملف غزة، ربما تكون غير مسبوقة، لأن ترك إخواننا في غزة للنزوح على الحدود في رفح الفلسطينية أعتقد أنه لن يمر مرور الكرام، وربما تكون هناك مفاجأة وحدوث ما كنا نتخوف منه جميعا".
"مصريون بلا حقوق"
وعن ملف حقوق الإنسان، قال عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري سابقا الدكتور عز الدين الكومي، إنه "ملف لا يعيره النظام أدنى اهتمام نظرا لحصوله على تأكيدات بغض الطرف الأمريكي والغربي على انتهاكات الحقوق والحريات مقابل حماية النظام للاحتلال ومنع الهجرة غير الشرعية لأوروبا".
ولذلك لا يتوقع الكومي، في حديثه لـ"عربي21"، "أي تحسن بهذا الملف، ولعل (طوفان الأقصى) كشفت لنا بجلاء كيف يتعامل النظام مع هذا الملف، كمؤشر على القبضة الأمنية، وإرهاب كل من يتكلم أو يتظاهر أو يعبر عن غضبه تجاه ما يحدث في غزة".
وأضاف: "لعل إقدام النظام على إلغاء حملة (قافلة ضمير العالم)، التى أطلقها نقيب الصحفيين خالد البلشي، للزحف إلى معبر رفح خير دليل على استمراره بتكميم الأفواه وقمع أي حراك مهما كان سلميا وضعيفا".
ويعتقد الكومي، أن "ما ينتظره الشعب من ولاية جديدة فقط وعود، وانتظار، وصبر، دون تحقيق تطور أو نجاح بأي ملف سواء الاقتصادي المتردي والمتضخم والمتزايد مع غلاء الأسعار وتدهور العملة المحلية".
وتوقع أن "يحدث تعويم جديد للجنيه، بانتهاء زفة الانتخابات، وضغوط أقساط وفوائد الديون والمطالبة بدفع أكثر من 20 مليار دولار، وذلك في ظل توقف عجلة الإنتاج، وبيع الأصول، وسيل الاقتراض، وانتظار الهبات والمساعدات والودائع، وتمديد دول الخليج لها".
وعن الوضع الاجتماعي، يرى أنه "مأساوى مع تفاقم نسب البطالة ومعدلات الفقر دون أدنى تحسن للوضع المعيشي"، ملمحا إلى أنه "على مستوى الأمن القومي فالبلاد على المحك في ظل تهديدات الاحتلال بتهجير أهل غزة إلى سيناء، وضرب معبر رفح عدة مرات دون تحريك ساكن".
"انحدار بكل الملفات"
وفي رؤيته أشار الباحث، في العلوم السياسية والعلاقات الدولية سيف الإسلام عيد، في حديثه لـ"عربي21"، إلى" انحدار شديد يعيشه المصريون خلال 10 سنوات على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي".
الباحث بـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، أكد أنه "اقتصاديا إذا ما قارنا بعام 2013، وفقا للمنهج المقارن فالمؤشرات خيالية منها مستوى الديون الخارجية والخارجية والدين العام، وكذلك حجم الصادرات أو الميزان التجاري وحجم العجز فيه، وكذلك شح وندرة العملة الأجنبية".
وعلى المستوى السياسي، قال: "حدث ولا حرج؛ فلا توجد حياة سياسية بالبلاد، ولا دور لأحزاب وحركات سياسية ولا معارضة، ولا هامش حرية، وفي المقابل في 2013 كانت هناك أجواء كبيرة من الحرية".
ولفت إلى أن "مصر على المستوى الإقليمي فقدت مكانتها، وهناك تقزم شديد في السياسة الخارجية نتيجة لاعتماد النظام الحالي على فواعل إقليمية ودولية لمساندة شرعيته، ولذا فإنه قدم كثيرا من التنازلات، ومنها فقدان مصر لدورها الخارجي ولا سيما بالقضية الفلسطينية".
وأكد أن "هذا واضح من الاختبارات التي تمر بها السياسة الخارجية المصرية منذ 2014، حيث وقعت 3 حروب على غزة، ومصر لم تبد الدور المنوط بها، ولو ركزنا على الحرب الحالية فليس هناك دور أضعف من دور القاهرة في مناصرة غزة، بل إنه يصل لمرحلة من الخذلان والتآمر والمشاركة في الحصار".
ويرى الباحث المصري، أنه "على المستوى الثقافي فالوضع بائس، والمثقفون المصريون مقسمون فمنهم تابع للنظام وغير قادر على التفكير وطرح أطروحات لا يقبلها الضباط، فأصبحت العملية مؤمنة".
وأضاف: "وأصبح قسم كبير من المثقفين يتبع دولا كالإمارات والسعودية ويغرد باسمها ويسبح بحمدها ويروج لها، وهناك من هاجر ليظلوا مثقفين بحق، وهم يواجهون التضييق على الأقل منه الأوراق الثبوتية وبينهم أنا".
وعلى المستوى الاجتماعي يختم عيد، بقوله: "ازدادت الجرائم بشكل غير مسبوق وتفسخ النسيج الاجتماعي، ولم يبق لدينا حتى طبقة وسطى تحمل الهم المصري بعد اختفائها".