الكتاب: "المعرفة.. هل المعرفة قوة؟"
المؤلفان: ماريان أدولف، نيقو شتير
المترجم: سعود المولى
الناشر: دار جامعة حمد بن خليفة للنشر
يتناول الباحثان الألمانيان ماريان أدولف، أستاذ ثقافة الإعلام،
ونيقو شتير، أستاذ الدراسات الثقافية، في هذا الكتاب موضوع المعرفة من منظور
سوسيولوجي، في محاولة لاستكشاف الطرق المتعددة التي تتداخل فيها المعرفة في نسيج
المجتمع الحديث. ويقدمان دراسة هي تلخيص وتوسيع للخطاب عن المعرفة الذي يوجد فيما
نشر في مواضع وأوقات مختلفة، وكلها تدور حول دور المعرفة والإدراك المعرفي في
العلاقات الاجتماعية. ويحمل الكتاب تساؤلات أساسية حول: كيف تنتج المعرفة وأين
تكمن ومن يمتلكها؟ وهل المعرفة دائما مفيدة؟ وهل سنتمكن من معرفة كل ما يمكن
معرفته في يوم ما في المستقبل؟ وهل صحيح أن المعرفة تساوي السلطة/القوة؟.
الكتاب في نسخته الأنجليزية أضاف إليه الباحثان خمسة فصول جديدة لم
تحتويها النسخة الأصلية الألمانية حول الفكرة المزعومة عن اللامعرفة، وتوكيد ظاهرة
المعرفة الكونية ، وخواطر حول العوالم الرقمية والمعرفة/المعلومات، ومناقشة حول
سعر المعرفة، وتعليقات حول معرفة الأقوياء. ويقرر الباحثان ابتداء أن التعريف
السوسيولوجي للمعرفة بوصفها شكلا من "الوعي الجمعي" والقدرة على الفعل،
هو التعريف الذي لايزال سائدا بتعارض حاد مع التصور الفلسفي واليومي العادي
للمعرفة، باعتبار أن غايتها الوقائع أو المعلومة أو الخبر الموثق.
ويؤكدان على وصف المعرفة باعتبارها قدرة معممة للفعل في العالم، أي
نموذجا يقاس عليه الواقع، أو أنها القدرة على تشغيل شيء ما وتحريكه، أو القدرة على
الفعل. وهي قدرة تتزايد أهميتها كثيرا في المجتمعات الحديثة. ويقولان أنه مع
الاعتراف بأن المعرفة هي نتاج الماضي وعامل يحدد المستقبل، فإن التمسك بالتصور
الذي يحددها بالقدرة على الفعل يهدف إلى توكيد أهمية الدور الاجتماعي للمعرفة. وفي
هذا السياق يتوقف الباحثان عند بعض الكتابات التي نفت أصلا إمكانية الفحص
السوسيولوجي للمعرفة، أو شكلت خطوات أولى باتجاه هذا التحليل السوسيولوجي، وهي
كتابات لماكس فيبر، وكارل ماركس، وماكس شيلر، وكارل مانهايم، وجورج زيمل.
المعرفة والمعلومات
يقول الباحثان إن المعرفة تمكننا من إطلاق حركة شيء ما وتشغيله، أو
منع شيء ما من الحدوث، وتعريف مصطلح المعرفة بهذا الشكل يستند إلى ملاحظة فرانسيس
بيكون بأن المعرفة سلطة/قوة. حيث يرى بيكون أن "المعرفة البشرية والسلطة/
القوة البشرية تلتقيان في كيان واحد؛ إذ
حيثما لا يمكن معرفة السبب لا يمكن حدوث تأثير. ولكي تأمر الطبيعة عليك إطاعتها،
وما يكون في التأمل سببا يصير في العمل قاعدة". فتكتسب المعرفة امتيازا بسبب
قابليتها الظاهرة على تغيير الواقع.
ومن جهة أخرى يلفتان إلى الجهود التي بذلت بين الحين والآخر من قبل
باحثين للتمييز بين المعلومات والمعرفة. فالمعرفة تحيل إلى مخزون من التجربة وليس
إلى دفق المعلومات، فهي تتعلق بالمعلومات كما يتعلق رأس المال أو الممتلكات
بالدخل. . ولا يجوز النظر إليها بوصفها مجرد تراكم للمعلومات. هي الإدراك والدراية
. وهي تتطلب أن ينجز الشيء ضمن سياق ذي معنى يتجاوز كونه الوضع الذي يحصل الفعل
والنشاط فيه، إنها قيادة وسلوك. وصحيح أن المعلومات تستلزم مهارات إدراكية متطورة،
إلا أنها تضع القليل من المتطلبات الفكرية الثقافية على مستخدميها المحتملين.
يناقش الباحثان أيضا وظائف المعرفة الاقتصادية والاجتماعية، التي قد تكون قوى محررة للمجتمعات، أو قد تزيد من لحمة القبضة الحديدية التي تملكها الهيئات والسلطات في المجتمعات الحديثة، وكيف نظر إلى هذه الوظائف عدد من المفكرين، خاصة العلاقة بين السلطة والمعرفة. فيفصلان أكثر في الأسباب الممكنة لقوة / سلطة المعرفة، خاصة المعرفة العلميةالاجتماعية.
ويشير الباحثان إلى خلط شائع بين المعرفة والأقوياء في المجتمع.
فيقدمان فحصا نقديا للارتباط النموذجي بين القوة والمعرفة في الكثير من النظريات
السوسيولوجية، حيث تندر الملاحظات عن المعرفة لدى الضعفاء. فيناقشان دراسة روبرت
ميتشلز الكلاسيكية عن الاتجاهات الأوليغارشية في المنظمات الكبيرة الرسمية والتي
تنزع بشكل علني وتناضل من أجل أهداف ديمقراطية. ثم يناقشات الرابطة المحتومة
ظاهريا بين المعرفة والسلطة / القوة في أعمال ميشال فوكو من خلال النظر في ملاحظات
منتقدي أعماله.
ويرى أدولف وشتير أن ثمة قضيتان مهمتان يجب تسليط الضوء عليهما جوابا
على الافتراض الشائع بأن المعرفة يقودها بصورة ثابتة الأقوياء في المجتمع. أولا:
لماذا الأقوياء سياسيا هم الذين يستحوذون على المعرفة وليس الضعفاء؟ ثانيا: لماذا
تكون هذه المعرفة قوية وفاعلة جدا على الرغم من أنها لا تمثل الواقع؟ ويجيبان عن
السؤال الأول بالقول أن الأمر يستلزم قوة/سلطة لكي يتحقق احتكار المعرفة
واستخدامها بفاعلية. وكلفت هذه الصفقة لتحصيل المعرفة، وبغض النظر عن الموارد
المطلوبة لاستخدامها هي ببساطة عالية جدا، بحيث يصعب على الناس من الضعفاء الوصول
إليها وهم غير قادرين على تحمل ثمار المعرفة.
والجواب عن السؤال الثاني عن الشروط المحققة لقوة المعرفةفيحيل إلى
نمط من الحجة ذي صلة، يدل على أن المعنى الاجتماعي الخصوصي للاكتشافات العلمية هو
وظيفة للصدقية الفريدة والموضوعية، ولحقيقة تجانس مطلوبات المعرفة التي لا جدال
حولها داخل جماعة العلماء. باختصار كما يقول أدولف وشتير،المسألة تتعلق بعملية
المعرفة العلمية.
ويضيفان مستدركان أنه مع ذلك فإن الاختلافات بين المعرفة اليومية
والاكتشافات العلمية ليست ضخمة بقدر ما يعتقد البعض غالبا، والاكتشافات العلمية هي
نفسها أساسا مصادقات متنازع عليها في أغلب الأحيان. وتطور وتفسير هذه الاكتشافات
يتأثر بأحكام سياسية غير علمية.. باختصار فإن المعرفة العلمية هشة، ويمكن وصف هذه
الهشاشة من وجهة نظر الحوكمة الديمقراطية بأنها واحدة من فضائل مطلوبات المعرفة
العلمية. وفي كل الأحوال صار واضحا أنه مهما كانت الظروف مسؤولة عن قوة المعرفة،
فإن قيودا اجتماعية مختلفة تؤثر في عملية انتشار المعرفة في المجتمع، وتعرقل أو
تساعد في تحقق الدور الذي تؤديه المعرفة في بلد ديمقراطي.
ظاهرة مزعومة
في مناقشة مفهوم "اللامعرفة" التي يصفها الباحثان، ابتداء،
بالظاهرة المزعومة، يستشهدان بجملة وردت عند عالم الاقتصاد جوزيف ستيغلتز في حديثه
عن "اليد الخفية" التي يقال أنها تعمل عملها في الأسواق: لماذا هذه اليد
الخفية خفية؟ لأنها غير موجودة. لماذا اللامعرفة صعبة الإدراك؟ لأنه لا يوجد شيء
هو اللامعرفة. يقول الباحثان أدولف وشتير إنه قد يبدو بدهيا أنه لا يمكن أن يوجد
شيء اسمه لا معرفة، وهو تصريح يوافق عليه منظرون كبار. لكن حتى هؤلاء المنظرين،
مثل سيغموند فرويد، وفريدريك أوغست فون هايك، سبق لهم الاندهاش بالظاهرة المسماة
اللامعرفة، حتى أنهم غالطوا تصريحاتهم نفسها، على الرغم من كل البناءات المنطقية التي
قامت عليها.
ويضيفان إن الفرق بين المعرفة واللامعرفة هو انفصام ثنائي أوروبي
قديم يرجع إلى الثقافات ما قبل الحديثة. حيث نرى التراث ظاهرا بالأخص في تنسيب
أشخاص أو مجموعات إلى واحد من هذين الصنفين. فالأشخاص الذين لا يعرفون، أو
طبقة/فئة الذين لا يعرفون، ليسوا فقط تابعين، من دون دفاع، لسلطة معرفة الآخرين عن
الشروط القائمة، ولكنهم أيضا يوصمون بأنهم طبقة اجتماعية متخلفة تعيسة. وخلاصة
موقف شتير وأدولف هو رفض هذا الانفصام الثنائي الزائف بين المعرفة واللامعرفة.
فثمة ،فقط، معرفة تنقص أو تزيد، ثمة عارفون يعرفون شيئا، وعارفون يعرفون شيئا آخر
مختلفا. فالمرء يكون لديه معرفة أكثر في ظروف ما، ومعرفة أقل في ظروف أخرى. فيمكن
أن يعرف المرء الشيء الكثير عن الإجراءات الضريبية ولا يعرف أي شيء عن لعبة
الغولف. والأسئلة التي يجب أن تكون مثيرة للاهتمام حقا هي تلك المتعلقة بالآثار
والنتائج الواقعة على المجتمع بسبب توزيع المعرفة.
في سياق متصل وفي فصل آخر من فصول الكتاب خصص لمناقشة مصطلح
"المعرفة الكونية" يصل الباحثان إلى استنتاج مفاده أنه لا يمكن أن يوجد
شيء اسمه التوزيع المتساوي للمعرفة، وذلك على الرغم من السيرورات المجتمعية التي
قد تشير إلى هذا الاتجاه، أو التي تفسر على أنها عوامل عولمة، ولا يمكن أن يوجد
توزيع أفقي أو عامودي للمعرفة متساو عالميا في مجتمعات ذات تقسيم شديد التطور
للعمل، أو بسبب واقع ديمغرافي تتفاعل فيه الكثير من العناصر الداخلة والخارجة من
المجتمع وإليه.وبالتالي لا يمكن تقديم جواب نهائي عن الأسئلة المطروحة حول الوجود
الراهن أو المحتمل مستقبلا لمعرفة معولمة.
إلى ذلك يناقش الباحثان أيضا وظائف المعرفة الاقتصادية والاجتماعية،
التي قد تكون قوى محررة للمجتمعات، أو قد تزيد من لحمة القبضة الحديدية التي
تملكها الهيئات والسلطات في المجتمعات الحديثة، وكيف نظر إلى هذه الوظائف عدد من
المفكرين، خاصة العلاقة بين السلطة والمعرفة. فيفصلان أكثر في الأسباب الممكنة
لـ قوة/سلطة المعرفة، خاصة المعرفة العلميةالاجتماعية.
ويحاول الباحثان توضيح العلاقات
البينية المهمة بين النظرية والفعل، ومن ثم تبيان قوة الأفكار، بالرجوع إلى أبحاث
علمية اجتماعية ذات تأثير هائل، وذات نتائج علمية كبيرة، مثل نظرية جون ماينارد
كينز العامة التي ظهرت في العام 1936، بعد سنوات قليلة من مبحث هوكهايمر ونظرية
ماكس فيبر عن البيروقراطية الحديثة.