المقصود بالطبع هنا، هو
العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، التي تؤكد الكثير من المؤشرات أنها في أدنى درجاتها، بعد التدهور الكبير الذي وصلت إليه، كما عبرت عنه الصحافة
الجزائرية في أكثر من مناسبة، وتعليقات الكثير من المسؤولين الجزائريين، بقيت لحد الساعة ضمن دوائر مغلقة، رغم أن العلاقات الرسمية والشعبية كانت دائما في أحسن أحوالها، شكليا على الأقل، منذ استقلال دولة
الإمارات، التي ربط رئيسها الشيخ زايد علاقات متميزة مع الرئيس بومدين في فترة السبعينيات، كما كان الحال مع الملك السعودي فيصل، الذي قربته مواقفه العربية والدولية من الجزائر، لتعرف العلاقات بين دولة الإمارات والجزائر تدهورا في المدة الأخيرة، وصلت إلى حد كيل الصحافة الجزائرية اتهامات خطيرة لهذا البلد، عما قيل إنه تجنيد جواسيس لضرب استقرار الجزائر، كما أكدته زعيمة حزب العمال الجزائري، بعد استقبالها من قبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
العلاقات بين البلدين بقيت من دون عمق شعبي، رغم بعض النشاط السياحي، من قبل الجزائريين – وليس الإماراتيين كما كان يفترض – في علاقاتهم بإمارة دبي تحديدا، التي استقطبت جزءا من رجال أعمال جزائريين، حديثي النعمة، من النوع الذي ظهر خلال فترة حكم الرئيس بوتفليقة، الذي زاد فيه منسوب الفساد بشكل كبير، تحولت على أثره دولة الإمارات إلى ملجأ آمن للأموال الجزائرية المنهوبة، لتصبح قبلة مقصودة للأوليغارشية الجزائرية، التي وجدت ما كانت تصبو إليه من تسهيلات مالية غير شفافة، ونمط حياة يومية استهلاكية لم تجدها في الجزائر.
في حين بقيت العلاقات من قبل الطرف الإماراتي محصورة في رجال أعمال -جزء كبير منهم لبناني وغير إماراتي عموما –. بعد الاستثمارات الشحيحة المنجزة على أرض الواقع، انتظرها بوتفليقة طويلا، هو الذي عوّل على علاقاته الشخصية والعائلية مع أبناء زايد، الذين ربط معهم علاقات شخصية، حين كان مقيما في أبوظبي عندما كان مغضوبا عليه في الجزائر. استثمارات لم تكن لترضي بوتفليقة، الذي توفاه الله وهو غير راضٍ على الإماراتيين، الذين خذلوه وهم يسوّفون في المجيء للجزائر، ولا يستثمرون إلا النزر القليل في ميدان الخدمات، كانت في الغالب لصالحهم. موانئ دبي وبعض العقار والصناعات الميكانيكية الألمانية، احتكرها الجيش الجزائري. استثمارات كان قد عول عليها بوتفليقة عند وصوله للحكم كدليل على قوة علاقاته الدولية، التي جاء لوضعها تحت تصرف الجزائر كرئيس جمهورية.
استمرت الأحوال على ما هي عليه وربما أكثر خلال فترة الاضطراب التي عاشها النظام السياسي الجزائري، في أثناء حكم قائد الأركان السابق قايد صالح، الذي انتشر الكثير من الشائعات، في حينها عن علاقات متميزة يكون قد نسجها هو وبعض رجاله المقربين مع الإماراتيين، على خلفية صفقات مالية تكون مرتبطة، حسب هذه القراءة بشراء الأسلحة، التي تميزت الإمارات بتنظيم الكثير من معارضها الدولية، ما أثار الكثير من المواقف المعارضة، التي تم التعبير عنها داخل مسيرات الحراك الشعبي، الذي وجه سهام نقده لدولة الإمارات ولدورها في الجزائر خلال هذه الفترة الحساسة، التي بدت فيها في حالة ضعف وقابلة للاختراق، كما حاولت أن تنجزه السفارة الإماراتية مع بعض الأوساط الإعلامية والجامعية المعربة، اعتمادا على الإعلام الإماراتي الحاضر بقوة، عكس الإعلام الجزائري، الذي لم ينجح حتى الآن في إنجاز أي حضور دولي أو عربي، رغم الإمكانيات البشرية القابلة للتجنيد، لو وجد وضوح الرؤية لدى صاحب القرار السياسي والدبلوماسي.
عدم نجاح الاختراق الإماراتي للنظام السياسي الجزائري، بعد وفاة قايد صالح المفاجئ، هو الذي دفع الإمارات لتعود بقوة إلى علاقتها القديمة مع المغرب، حيث ترتبط النخب السياسية الحاكمة في البلدين بعلاقات شخصية وعائلية وطيدة، بدأت منذ مرحلة دراسة أبناء زايد في المغرب مع جيل الملك محمد السادس، في فترة حكم الملك الحسن الثاني في المدرسة المولوية. زيادة بالطبع على الخيارات السياسية الوطنية والدولية القريبة، التي وطدها المناخ الدولي الجديد، بعد الإعلان عن اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، على خلفية أزمة الصحراء، التي اتخذت فيها الإمارات مواقف مؤيدة للمغرب، بشكل لا لبس فيه، كما أشار إلى ذلك فتح قنصلية في الداخلة، التي سكتت الجزائر عنه رسميا ولم يتحدث عنه إعلامها. الإمارات التي تتميز سياستها الخارجية بتنمر واضح في الملفات التي تهم الجزائر مباشرة، كما هو الحال في دول الساحل وليبيا وتونس لاحقا، زيادة على القضية الفلسطينية بالطبع، التي يتخذ فيها البلدان مواقف في غاية التعارض.
في وقت لم تعد فيه الجزائر لاحتلال مكانتها التي كانت تحتلها على المستوى الدولي، بعد موجة الاضطراب التي عاشتها خلال التسعينيات، والضعف الذي اعترى القوى الدولية الداعمة لها، وشلّ دبلوماسيتها والهوان الذي عاشته في ملف الدخول إلى البريكس. الإمارات التي تكون بعد هذا التقارب مع المغرب قد حلت الإشكال الأساسي الذي كان يعاني منه هذا البلد المتمثل في الموارد المالية، التي يمكن بواسطتها منافسة الجزائر عسكريا، ورصد الدعم الخليجي له في ملف الصحراء، الذي لم تنجح الجزائر في تسويقه عربيا، ما جعلها تلجأ إلى الفضاء الأفريقي الذي تملك فيه أوراقا أحسن، تحاول الإمارات اللعب داخله لصالح المغرب كذلك، إذا صدقنا الصحافة الجزائرية، التي تكلمت عن حضور أوروبي ـ استثمارات مالية – لهذه الدولة الخليجية، تحاول أن تجنده لصالح المغرب في ملف الصحراء، المهم جدا بالنسبة للجزائر، ما جعل الجزائريين يخرجون بانطباع غاية في السوء، وهم يعاينون هذا التحرش الإماراتي بهم على صعيد أكثر من ملف، في غياب شبه كلي للعلاقات بين البلدين منذ مدة، بما فيها الشخصي، بين المسؤولين، كان يمكن أن تضع الملفات على الطاولة لإيجاد نقاط التقاء، قبل استفحال الأمور ووصولها إلى نقطة القطيعة، كما تشير إلى ذلك بعض المعلومات الإعلامية المسربة، التي تتكلم عن تخفيض في التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى حده الأدنى. قد يكون التمهيد العملي للخطوة المقبلة التي لن تفاجئ أحدا، إذا تم الإعلان عنها، لتبقى العلاقات بين البلدين في حالة جمود كأحسن الفرضيات الممكنة.
(القدس العربي)