ينتهي العام 2023، بكل ما فيه من أحداث اقتصادية محلية وعربية ودولية أثرت على حياة أكثر من 105 ملايين
مصري، ما يستدعي معه النظر إلى الحصاد الاقتصادي لأكبر بلد عربي سكانا خلال العام المنصرم، ورصد ما حل بالمصريين من أزمات.
وووفق متحدثين لـ"عربي21"، فقد اتخذ رئيس النظام المصري عبدالفتاح
السيسي، وحكومته برئاسة مصطفى مدبولي، طوال العام المنصرم عشرات الإجراءات التي كانت سببا في إفقار المصريين وزادت من حجم الضغوط عليهم، وفاقمت من أعباء البطالة والتضخم، وعرضتهم للكثير من الأزمات وبينها نقص وغلاء الكثير من السلع وانقطاع التيار الكهربائي يوميا.
وتسبب
سياسات السيسي، وحكومته، في انخفاض العملة المحلية وخسارة قيمتها بأكثر من 50 بالمئة ووجود أكثر من سعر لها بالسوق الرسمي والموازي، مع تفاقم أزمة الديون المحلية وفوائد وأقساط الخارجية، وتغولهما على الموازنة العامة للدولة، ووضع البلاد تحت رحمة المؤسسات المالية العالمية المقرضة.
وأشار متحدثون إلى أن تلك السياسات قادت إلى استمرار نفس سياسات التفريط في الأصول العامة والحكومية وبيع أهم الشركات المصرية والرابحة منها والتي تمس الأمن القومي المصري للمستثمرين العرب والأجانب، ما وضع ممتلكات المصريين تحت سيطرة شركات وصناديق خليجية وأجنبية طامعة في الاستحواذ على العديد من الشركات العامة، وسط ما يشكله ذلك مستقبلا من مخاطر على الأمن القومي المصري، وعلى حياة بلد نحو ثلثي سكانها تحت خط
الفقر المدقع وإما فقراء.
"بذخ يقابله تقتير"
ولفت المتحدثون إلى تضارب توجهات الحكومة المصرية وتناقض قراراتها، مشيرين إلى أنه ورغم أنها أعلنت خلال 2023، عن سياسة ترشيد الإنفاق الحكومي، إلا أنها واصلت عمليات الإنفاق الذي يصفه مراقبون بـ"الباذخ" وفي غير مكانه.
لكنها، وفي المقابل، واصلت قرارات رفع أسعار الوقود بجميع أنواع خلال العام الجاري، مع قرارات متتابعة بتخفيف أحمال الكهرباء وقطعها ساعتين يوميا على منازل أكثر من 105 ملايين مصري.
وفي زيادة هي الثانية للبنزين هذا العام، بعد رفع جرى في آذار/ مارس الماضي، قررت حكومة السيسي، في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رفع أسعار البنزين ما بين جنيه إلى 125 قرشا للتر، وبنسبة 14.3 بالمئة، في زيادة هي الـ15 لسعر الوقود في 4 سنوات.
وتم رفع أسعار "بنزين 80" و"بنزين 92" بواقع 1.25 جنيه، و"بنزين 95" بقيمة جنيه واحد؛ إلى 10 جنيهات (0.3241 دولار) و11.50 و12.50 جنيه لكل لتر على التوالي، ارتفاعا من 8.75 جنيه، و10.25، و11.50 جنيه.
وفي ذات التاريخ أكد مركز التحكم القومي على فصل التيار الكهربائي لتخفيف الأحمال لمدة ساعتين بدلا من ساعة واحدة، بحد أقصى مرة واحدة يوميا.
وفي المقابل، لم تستجب حكومة السيسي لدعوات وقف الانتخابات الرئاسية التي جرت في 10 و11 و12 من كانون الأول/ ديسمبر الجاري، توفيرا للنفقات ولعدم وجود منافس حقيقي، للسيسي، الذي فاز بها بكل سهولة وحصل على ولاية ثالثة لمدة 6 سنوات وحتى العام 2030.
وجرى إنفاق ملايين الجنيهات حيث بلغت تكلفة إعلانات (Outdoor)، وحدها نحو (13 مليون دولار)، إلى جانب باقي التكلفة الإعلانية في الفضائيات والإذاعات والصحف والمواقع وعبر الإنترنت، وما تدفعه الحكومة المصرية لشركات العلاقات العامة في الداخل والخارج لتحسين صورة السيسي، مع تكلفة العملية الانتخابية بكاملها في الداخل والخارج.
"جوع وفقر وتضخم"
وعجزت فيه حكومة السيسي، عن السيطرة على معدلات التضخم، التاريخية التي دفعت ملايين المصريين لتخفيض نفقاتهم من الطعام والشراب والدواء، ودفعت الفقراء منهم إلى أكل أرجل الدجاج ورؤوسه، بحسب رصد سابق لـ"عربي21".
وتراجعت القدرة الشرائية لملايين المصريين مع شكواهم الدائمة من تفاقم الأسعار وتسجيل معدلات التضخم أرقاما قياسية بلغت في تشرين الأول/ أكتوبر نحو 41 بالمئة، مدفوعة بالزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء والتي بلغت 71.4 بالمئة على أساس سنوي، وفقا لأرقام رسمية، كشفت أيضا عن ارتفاع بنسبة 15.2 بالمئة بأسعار النقل، و23.6 بالمئة بأسعار الملابس.
وواجه السوق المحلي أزمات وشح لكثير من البضائع الأساسية منها الأرز الذي تعدى سعر الطن منه 20 ألف جنيه، والبصل الذي صعد سعره إلى 40 جنيها للكيلو، والسكر الذي تعدى سعره الـ50 جنيها، حيث أنه ومنذ العام الماضي وخلال العام المنصرم، ارتفعت أسعار البصل بنسبة 423 بالمئة، وسعر اللحم بـ84 بالمئة، والشاي بـ78 بالمئة.
"تحديات التمويل والديون"
وفي المقابل تواجه مصر الكثير من التحديات والأزمات، بينها عجزها عن الالتزام ببرنامج الإصلاح الاقتصادي وتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، التي تشمل تخفيض سعر صرف العملة المحلية مجددا، ومواصلة بيع الأصول العامة، وتقليص حصة الجيش في الاقتصاد، وتوسيع أعمال القطاع الخاص.
ويعاني اقتصاد البلاد من أزمة شح النقد الأجنبي منذ بداية الربع الثاني من العام الماضي، في أزمة فقد فيها الجنيه نحو 50 بالمئة من قيمته، بعد هروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة والاستثمارات غير المباشرة، وهي الأزمة التي استمرت طوال العام 2023، وتسبب في أزمات بملف الاستيراد الخارجي الذي أثر على توافر الخامات وقطع الغيار والسلع الاستراتيجية وتفاقم أسعارها.
بل إن أزمة النقد الأجنبي تشتد تفاقما في بلد يعاني من تبعات إجمالي دين خارجي نحو 164.7 مليار دولار بنهاية حزيران/ يونيو الماضي، خاصة مع ضرورة دفع القاهرة أقساط دين وفوائد بنحو 42.3 مليار دولار في 2024.
كما أن البلد العربي الذي يصنف كأحد الدول الخمس الأكثر تعرضا لخطر التخلف عن سداد ديونها الخارجية، وفقا لوكالة "موديز"، وثاني أكبر مقترض من صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين العاجزة عن سداد ديونها، تنفق حكومتها أكثر من 40 بالمئة من إيراداتها على مدفوعات فوائد الديون فقط، بحسب وكالة "رويترز".
بل إن شركات التصنيف الائتماني الكبرى الثلاثة (ستاندرد أند بورز)، و(فيتش)، و(موديز)، قامت بتخفيض الديون المصرية وأعلنت تصنيفها بأنها "عالية الخطورة".
وتتسع الفجوة بين سعر الدولار في السوق الرسمية الذي يقترب من 31 جنيها وسعره في السوق الموازية الذي يتخطى حاجز الـ50 جنيها للدولار، فيما تتوقع مجلة "الإيكونوميست"، أن يقوم السيسي بعد فوزه بولاية رئاسية ثالثة حتى العام 2030، أن يقوم بتعويم العملة، وتخفيض قيمتها للمرة الرابعة في عامين.
وفي ظل تلك الأزمات، تراجعت خلال 2023، تحويلات المصريين من الخارج، التي تعد أكبر مصدر للعملة الصعبة، وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، انخفضت التحويلات بنسبة 26.1 بالمئة في الفترة بين تموز/ يوليو 2022، وآذار/ مارس 2023.
ولا يبدو في الأفق أن حكومة السيسي، ستغير توجهاتها نحو بيع الأصول العامة، والاقتراض الخارجي، خاصة وأنها ومع قرب نهاية العام تقترب من التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي لتوسيع برنامج الإنقاذ إلى حوالي 6 مليار دولار من 3 مليارات، بحسب ما نقلته وكالة "بلومبرغ"، في 20 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
"سيل مؤشرات سلبية"
وقدم الأكاديمي المصري والخبير الاقتصادي الدكتور على عبدالعزيز، قراءة للحصاد الاقتصادي لمصر في 2023، مستعينا بأهم الأرقام الصادرة خلال العام، ولافتا إلى تأثير القرارات الاقتصادية التي اتخذها نظام السيسي وأضرت بالمصريين، والإجابة على التساؤل: هل كان نظام السيسي مضطرا لمثل هذه القرارات والإجراءات أم إن الحلول الاقتصادية السليمة كانت غائبة؟
وقال عبدالعزيز، لـ"عربي21": "لقد كان عام 2023، صعبا على المصريين؛ حيث حقق الاقتصاد المصري مؤشرات ونتائج سيئة للغاية أثرت على مستوى معيشة المصريين، وأثرت على تنافسية الاقتصاد المصري وقدرته على الوفاء بالتزاماته".
وأضاف: "فقد ارتفع سعر صرف الدولار من 24.7 جنيه في نهاية 2022 إلى 31 جنيها في البنوك، ومن 35 جنيها إلى 53 جنيه في السوق السوداء، مع صعوبات في توفير الدولار للأسواق".
ونتيجة لذلك، أوضح أنه "وبالتالى تكدست البضائع في الموانئ بقيمة تجاوزت 5 مليارات دولار خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية، فبلغ التضخم الأساسي 36 بالمئة على أساس سنوي خلال تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي".
وواصل الخبير المصري رصد المؤشرات السلبية للاقتصاد المصري في 2023، مشيرا إلى أنه "انخفضت أيضا، توقعات النمو بين 3 بالمئة و4 بالمئة خلال عامي 2023 و2024".
وتابع: "وفوق كل ذلك ازدادت فجوة التمويل الخارجي، وأصبحت مصر في حاجة لـ42.3 مليار دولار للوفاء فقط بخدمة الدين الخارجي خلال 2024، من رقم مقدر خلال 2022 فقط 25 مليار دولار، أي إن الفارق تم اقتراضه خلال عام واحد".
وبين أنه "في نفس الوقت خفضت وكالات التصنيف الائتماني العالمية الكبرى قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها، فوكالة (ستاندرد أند بورز) خفضت التصنيف من B إلى –B، ونفس التصنيف من وكالتي (فيتش) و(موديز)، حيث خفضت التصنيف من B3 إلى CAA1".
وأكد عبدالعزيز، أن "كل هذا له أثره على تكلفة الاقتراض، وأصبحت مصر في حاجة ملحة لإعادة هيكلة ديونها الخارجية لتخفيف الضغط على السيولة الدولارية المحدودة".
ولفت إلى أنه "جرت هنا مفاوضات لتعديل برنامج الإنقاذ من صندوق النقد ليصبح 6 مليارات دولار بدلا من 3 مليارات دولار، مع شروط جديدة تعزز مرونة سعر الصرف، وسرعة تنفيذ الطروحات الحكومية، لجذب 6 مليارات دولار أخرى خلال الـ2024".
"أخطر القرارات"
وقال: "بلا شك أن أخطر القرارات الاقتصادية خلال 2023، هو تأجيل تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي، حيث تأجلت مراجعتين خلال آذار/ مارس وأيلول/ سبتمبر الماضيين، وذلك خوفا من تنفيذ مرونة سعر الصرف قبل الانتخابات الرئاسية والتي انتهت منذ أيام".
وألمح إلى أنه "في الوقت نفسه برزت زيادة إنفاقات النظام الدولارية على مشروعات وصفقات على أقل تقدير بنحو 30 مليار دولار، مع السعي الحثيث للاقتراض من جهات كثيرة، كطرح سندات الساموراي اليابانية، والباندا الصينية، وبالروبية الهندية، لجمع 1.5 مليار دولار".
وأكد أنه مع ذلك "لا يزال النظام بحاجة لاقتراض نحو 25 مليار دولار، لتمويل احتياجاته لتغطية خدمة الدين الخارجي خلال 2024، والتي وصلت فقط خلال النصف الأول من 2024 إلى 26 مليارات دولار، وأكثر من 16 مليار دولار خلال النصف الثاني من العام".
وخلص الخبير والأكاديمي المصري للقول: "حتما كل ذلك له انعكاسات على سعر الصرف حيث مضاعفة السعر الحالي، واستمرار ارتفاع التضخم، وزيادة هشاشة الاقتصاد المصري، وجعله أكثر ضعفا أمام أي صدمات خارجية".
وختم مؤكدا على أنه "حتما لم تكن مصر في حاجة للكثير من قرارات السيسي، السيئة، والتي تسير في إطار نفس سياسات إهدار الثروة، وتجويع الشعب، وتخريب الاقتصاد".
"أكبر 4 أزمات في 2023"
وفي رؤيته قال الخبير الاقتصادي المصري عبدالحافظ الصاوي، لـ"عربي21"، إن "حصاد 2023 بالنسبة لمصر اقتصاديا لا يحتاج لشرح حيث عانى من أزمات مزمنة على رأسها تراجع صافي احتياطي النقد الأجنبي لدى البنوك حتى وصل قرابة 24 مليار دولار".
الكاتب والباحث الاقتصادي، أكد أن "هذه إحدى مظاهر الأزمة الرئيسية لعجز النقد الأجنبي وتدفقاته إلى مصر، بسبب السياسة التي انتهجتها الحكومة أو نظام السيسي، والخاصة بالتوسع في الاستيراد للعدد والآلات ومستلزمات العاصمة الإدارية الجديدة، وباقي الأمور الأخرى خلال السنوات الماضية".
ولفت إلى أن ذلك يأتي "في حين أن مصر تعتمد على مصادر النقد الأجنبي من خلال مصادر هشة وريعية وتعتمد على الخارج بشكل كبير جدا، مثل عوائد السياحة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، ودخل قناة السويس".
وأشار إلى أن "هذه الأزمة ظهرت خلال 2023، بشكل كبير من خلال شح النقد الأجنبي بالسوق المصرية، وانتعاش السوق السوداء بشكل كبير حتى زاد سعر صرف الدولار مقابل الجنيه عن 50 جنيها في بعض الفترات".
وفي قضية ثانية تحدث الصاوي، عن "مشكلة الديون وارتفاع تكلفتها وأعبائها من فوائد وأقساط، وأيضا استلزم هذا الأمر حدوث أزمة الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي في ما يتعلق بتطبيق مجموعة إجراءات على رأسها تحرير سعر صرف الجنيه".
وأضاف: "لكن، على ما يبدو أن لحكومة مصر دور ما في أزمة الحرب الإسرائيلية الدموية الجاري على سكان قطاع غزة، حيث أنها تقوم بدور المساند لإسرائيل من خلال إحكام الإغلاق لمعبر رفح الدولي، ولذا تغيرت لغة صندوق النقد الدولي عن مصر وعن القرض المفروض أن تحصل عليه، مع ثناء مديرة صندوق النقد الدولي على ما تقوم به الحكومة من إجراءات".
وأكد الخبير المصري، أنه "بشكل عام فإن قضية ديون مصر لصندوق النقد الدولي وشروطه كانت إحدى القضايا الاقتصادية البارزة في عام 2023".
وأضاف: "هناك قضايا أخرى وأزمات في العام المنصرم مثل ارتفاع معدلات التضخم بالبلاد وزيادة أعباء المعيشة على المواطن بشكل كبير، وارتفاع هوامش الفقر في الأسر المصرية".
وألمح إلى أنه "كان من المفترض أن يعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن نتائج مسح الدخل والإنفاق للأسرة المصرية الذي كان مقررا له أن يظهر كل عامين ولكنه منذ العام 2019 و2020، وتحدث بعض المسؤولين الحكوميين عن أن نتائج هذا المسح ستصدر خلال النصف الثاني من 2023، ولكنها لم تصدر".
وبين الصاوي، أن "هذه البيانات من المفترض أن تتحدث عن نسب الفقر في المجتمع وشرائح الفقراء به"، مؤكدا أن "هذه البيانات كانت مهمة لمعرفة ما وصل إليه الوضع الاجتماعي في مصر".
الأمر الأخير وفق الباحث المصري، "يتعلق بالاستمرار في سيطرة الجيش على موارد الاقتصاد المصري وعلى النشاط الاقتصادي بشكل عام، ما أدى إلى نتيجة ثابتة منذ ثلاثة أعوام أو يزيد؛ وهي حالة الركود التي يعاني منها القطاع الخاص غير النفطي في مصر".