فشل الاجتماع الرابع والأخير من مفاوضات
سد النهضة بين
مصر والسودان وإثيوبيا التي بدأت صيف العام الجاري في إطار توافق الدول الثلاث على الإسراع في الانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد قبل نهاية العام الحالي.
يأتي ذلك بالتزامن مع تخلف أديس أبابا عن دفع 33 مليون دولار هي عبارة عن قسيمة على سنداتها الدولية المستحقة بقيمة مليار دولار التي كان من المقرر استحقاقها في 11 كانون الأول/ ديسمبر، وخفضت وكالة "فيتش" العالمية التصنيف الائتماني لإثيوبيا إلى مستوى عالي المخاطر.
وأعلنت وزارة الموارد المائية والري، مساء الثلاثاء، أن "المسارات التفاوضية مع إثيوبيا قد انتهت"، مؤكدة أن "مصر سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وأن مصر تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر".
وأوضح البيان أن "الاجتماع لم يسفر عن أي نتيجة نظرا لاستمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتمادي إثيوبيا في النكوص عن ما تم التوصل له من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة".
واتهمت القاهرة أديس أبابا "في استغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، والتفاوض بغرض استخلاص صك موافقة من دولتي المصب على التحكم الإثيوبي المطلق في النيل الأزرق بمعزل عن القانون الدولي".
وكانت الجولة الأخيرة من المفاوضات انطلقت في آب/ أغسطس الماضي بعد اتفاق رئيس النظام عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد على هامش قمة اجتماع دول جوار السودان في 13 تموز/ يوليو 2023، من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي في غضون 4 أشهر بعد أكثر من عامين من إعلان الفشل في التوصل إلى اتفاق ملزم بين دولتي المصب ودولة المنبع في نيسان/ أبريل 2021.
هل تدفع الديون إثيوبيا لبيع المياه؟
وأثار توجه إثيوبيا نحو التخلف عن سداد فوائد سندات دولارية مستحقة إلى جانب خفض تصنيفها الائتماني إلى مستوى عالي المخاطر إلى "C" من "CC" مع تزايد احتمال التخلف عن السداد، مخاوف من طرح حصص من سد النهضة الأثيوبي الذي تبلغ تكلفته نحو 4.5 مليار دولار، للبيع وبالتالي بيع المياه لمصر.
وهو ما أعرب عنه وزير خارجية مصر، سامح شكري، في أيلول/ سبتمبر الماضي في كلمته أمام الجمعية العامة الـ 79 للأمم المتحدة، إن مصر تعاني من عجز مائي يزيد على الـ50% من احتياجاتها المائية؛ ما يفرض عليها إعادة استخدام المياه المحدودة المتاحة لعدة مرات، واستيراد مياه افتراضية في صورة واردات غذائية بقيمة تقترب من 15 مليار دولار سنويا.
بحسب شكري، فإن مصر تأتي على رأس قائمة الدول القاحلة وتواجه ندرة حادة في المياه، فهي الأقل في معدل هطول الأمطار بين دول العالم، في حين يتجاوز عدد سكانها الـ105 ملايين نسمة، مشيرا إلى اعتماد مصر على نهر النيل بنسبة 98%.
ويحتجز سد النهضة المياه على النيل الأزرق، الفرع الرئيسي لنهر النيل، في منطقة "بني شنقول-قمز" على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود مع السودان، ويبلغ طوله 1800 متر وارتفاعه 145 مترا، ومن المقرر أن يخزن 74 مليار متر مكعب.
وتفيد تقديرات الأمم المتحدة بأن "المياه قد تنفد في مصر بحلول عام 2025" وأن مناطق في السودان حيث كان النزاع في دارفور مرتبطا بشكل أساسي بإمدادات المياه، معرضة بشكل متزايد للجفاف بسبب تغير المناخ.
صفعة جديدة من آبي أحمد للسيسي
اعتبر خبير السدود والأمن المائي، الدكتور محمد حافظ، أن فشل المفاوضات يعد بمثابة صفعة جديدة من أبي أحمد للسيسي، وقال: "كان هناك أمل كبير لدى النظام المصري أن تكون هناك نتيجة للمفاوضات والوصول إلى حل وسط بين الدول الثلاث حتى لو على المدى القصير، لكن بعد 4 جولات من المفاوضات لم تسفر عن جديد بل وصلت إلى طريق مسدود مجددا".
وانتقد في تصريحات لـ"عربي21": "غياب الشفافية عن تصريحات المسؤولين حول أسباب الخلاف غير تكرار أن إثيوبيا وضعت العراقيل في عم التوصل إلى حل ملزم، وكلمات من قبيل تماطل وتراوغ، الأزمة تتمحور حول حصة إثيوبيا من المياه وهي نقطة الخلاف، وليست الملء ولا التشغيل إنما الحصة التي تعتبرها إثيوبيا حق من حقوقها المكتسبة، وهذا هو السبب الأساسي لفشل المفاوضات".
وقلل حافظ من قيمة الرد المصري، وأوضح أنه "كان من المتوقع أن تخرج مصر من اتفاقية 2015 وتكون هناك نافذة جديدة لمسار جديد في الساحات الدولية ولكن حتى الآن لا يوجد رد فعل مناسب، وأي خطوة غير ذلك لا قيمة لها، لا بد من وقفة جادة يمكن ترجمتها بالانسحاب من الاتفاقية السابقة على أقل تقدير".
وفي ما يتعلق بتعثر إثيوبيا وعدم قدرتها على سداد فوائد الديون، رجح الخبير المائي أن "يساهم ذلك في تسريع وتيرة وحجم الملء الخامس البالغ 33 مليار متر مكعب من أجل تشغيل السد والحصول على كهرباء وتسديد الفوائد المستحقة عليها، وقد تتدخل الإمارات بشراء أسهم في سد النهضة وقد يكون هذا لأمر تمهيدا لبيع السد بشكل جزئي في السوق العالمي وجعل مصر تحت رحمة الإمارات".
إضعاف تحكم إثيوبيا في السد
الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور ياسر محجوب الحسين، قال: "نظرا للدعم الكبير الذي تجده إثيوبيا في مشروعها وهو دعم دولي وإقليمي قائم على استراتيجيات بعيدة المدى، فإنه من المستبعد أن يؤدي هذا التعثر إلى بيع السد لشركة أو حتى دولة وستقف هذه القوى الدولية والإقليمية بقوة لمعالجة الأمر".
لكنه أضاف في حديثه لـ"عربي21": "غير أن هذا الأمر لاشك سيزيد الضغوط على إثيوبيا ويجعلها أقل قدرة على التحكم الكامل في إدارة السد مما يعرض قرارها السياسي للاختطاف".
ورأى أن "احتمال بيع المياه سواء من جانب إثيوبيا أو أي جهة قد تتحكم في السد، إلى مصر والسودان أمر ليس واردا من ناحية فنية إذ يبلغ ارتفاع بحيرة تانا التي ينبع منها النيل الأزرق 1890 مترا فوق سطح البحر وهذا الانحدار الشديد يجعل هناك مخاطر جمة عبر حبس أي كميات مياه تزيد عن سعة السد وهي 74 مليار متر مكعب والتي ستبلغ مداها في الملء الأخير فهي مضطرة لتصريف المياه أول بأول".
واستدرك الحسين بالقول: "وقد يكون ذلك ممكنا في حالة حدوث جفاف غير مسبوق بيد أن التاريخ في مداه الطويل لم يسجل جفافا أو عجزا في أمطار الهضبة الإثيوبية بهذه الدرجة، كما أن استهلاك إثيوبيا للمياه يقدر فقط 1.5 مليار متر مكعب من النيل الأزرق خلال 25 عاما".