اتهم ماكس بوت الباحث
الأمريكي في مجلس
العلاقات الخارجية رئيس وزراء الاحتلال
الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو بخوض معركة متهورة مع الرئيس الأكثر صهيونية في التاريخ الأمريكي؛
جو
بايدن.
وقال
بوت في مقال في صحيفة "
واشنطن بوست" ترجمتها "عربي21" إنه إذا
كان نتنياهو يريد الوقت لكي تستمر القوات الإسرائيلية في تدمير حماس فهو يحتاج إلى
الحفاظ على دعم الولايات المتحدة.
ويشير بوت إلى أن
بايدن تجاهل حتى اللحظة كل الضغوط، سواء من داخل حزبه أو ضغوط الرأي العام
الأمريكي، وظل داعما وبلا حدود لـ"إسرائيل"، لكنه أشار في ذات الوقت إلى
أنه يملك خيارات كثيرة لمعاقبة نتنياهو؛ حيث يمكنه أن يطلب من "إسرائيل"
وقف هجومها، سواء حقق الجيش الإسرائيلي أهدافه العسكرية أم لا. ويمكنه التوقف عن استخدام
حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن. ويمكنه حجب المساعدات الأمريكية. ويمكنه عدم بذل جهد
كبير لتطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والسعودية.
وفيما يلي نص المقال:
أصبح
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الأطول خدمة في "إسرائيل" منذ عام 2019. وفي
العام الماضي، منذ توليه أعلى منصب في بلاده للمرة الثالثة، عزز سمعته باعتباره أسوأ
رئيس وزراء لـ"إسرائيل". والآن، من خلال خوض معركة متهورة لا داعي لها مع
الرئيس بايدن، الحليف الوثيق لـ"إسرائيل"، فإنه لا يؤدي إلا إلى تفاقم الضرر
الذي يلحقه ببلاده.
خلاصة
سريعة لأولئك الذين لم يشاهدوا عن كثب مسلسل "بيبي" الذي استمر لفترة طويلة:
عاد نتنياهو إلى مكتب رئيس الوزراء في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بينما كان يواجه
تهم الفساد. وفي الواقع فإن القضية المرفوعة ضده مستمرة حتى اليوم. ومن أجل الفوز بالسلطة،
تحالف مع الأحزاب اليمينية المتطرفة التي يقودها أمثال إيتمار بن غفير، الذي أدين في
السابق بدعم منظمة إرهابية، وبتسلئيل سموتريش، الذي يصف نفسه بأنه "فاشي كاره
للمثليين".
بمجرد
وصوله إلى منصبه، أطلق نتنياهو على الفور جهدا لتحييد المحكمة العليا في "إسرائيل"،
وهو ما كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه محاولة منه للهروب من قضيته الجنائية
ومن قبل حلفائه اليمينيين المتطرفين لتوسيع مستوطنات الضفة الغربية وفرض أجندتهم الدينية
على الإسرائيليين العلمانيين. وكانت النتيجة احتجاجات حاشدة ورفض العديد من جنود الاحتياط
العسكريين الخدمة، مما دفع المخابرات الإسرائيلية إلى تحذير نتنياهو في الصيف الماضي
من أن قدرة الردع الإسرائيلية ضد أعدائها تتآكل.
تجاهل
نتنياهو تلك التحذيرات العامة، بالإضافة إلى معلومات أكثر تحديدا حصلت عليها المخابرات
الإسرائيلية حول خطة حماس الطموحة لمهاجمة "إسرائيل". وبدلا من ذلك، واصل
سياسته الساخرة المتمثلة في دعم المدفوعات القطرية لحماس من أجل "شراء الهدوء"
وتعزيز الانقسامات بين الفلسطينيين لإحباط ظهور دولة فلسطينية.
لقد
تم الكشف بشكل مؤلم عن إفلاس سياسة بيبي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عندما تعرضت
"إسرائيل" لأسوأ هجوم في يوم واحد في تاريخها. سمح نتنياهو بحدوث هذه الكارثة
وكان بطيئا في الاستجابة حتى عندما كان مقاتلو حماس يقتلون 1200 إسرائيلي ويختطفون
مئات آخرين. والآن يبدو أنه عازم على مضاعفة الضرر من خلال خوض معركة مع الرئيس الأمريكي
المؤيد بشدة للصهيونية.
وقد
قاوم بايدن الانتقادات المتزايدة لـ"إسرائيل" بين الديمقراطيين (في أحد الاستطلاعات
الأخيرة، قال 18% فقط من الديمقراطيين والمستجيبين ذوي الميول الديمقراطية إن "إسرائيل"
تتبع النهج الصحيح في
غزة) لدعم الدولة اليهودية بقوة. وقاوم بايدن دعوات كبار الديمقراطيين
لربط شروط مثل خفض الضحايا المدنيين في غزة وإنهاء توسيع مستوطنات الضفة الغربية بالمساعدات
المقدمة لـ"إسرائيل". لقد تجاوزت الإدارة للتو الكونغرس لترسل إلى "إسرائيل"
14 ألف طلقة من ذخيرة الدبابات، واستخدمت للتو حق النقض ضد قرار اتخذه مجلس الأمن التابع
للأمم المتحدة (بدعم من 13 من أصل 15 عضوا في مجلس الأمن) يطالب بوقف إسرائيلي فوري
لإطلاق النار.
وبينما
يدعم بايدن "إسرائيل" علنا، حاول العمل خلف الكواليس لإقناع نتنياهو بأن
يكون أكثر تمييزا في استخدام القوة النارية في غزة، وأن يحد من عنف المستوطنين في الضفة
الغربية والتخطيط لتولي السلطة الفلسطينية المسؤولية عن "إسرائيل" في غزة
بعد هزيمة حماس. ومع ذلك، لا يبدو أن نتنياهو يستمع.
وفي
الأسبوع الماضي، ظهر إحباط بايدن إلى الرأي العام. وفي حديثه خلال حملة لجمع التبرعات
لحملته الانتخابية، شدد الرئيس على أنه سيوفر "لإسرائيل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها
ولإنهاء المهمة" ضد حماس، لكنه أشار أيضا، بدقة، إلى أن "إسرائيل بدأت تفقد"
الدعم الدولي بسبب "عمليات القصف العشوائية". ثم قال إن نتنياهو بحاجة إلى
"تقوية" السلطة الفلسطينية. "لا يمكنك القول إنه لا توجد دولة فلسطينية
على الإطلاق في المستقبل".
وبدلا
من قبول هذا النقد البناء من أحد الأصدقاء، اختار نتنياهو الرد علنا على بايدن. ونشر
مقطع فيديو يرفض فيه دعوة بايدن للسلطة الفلسطينية للحكم في غزة. وقال: "لن أسمح
لإسرائيل بتكرار خطأ أوسلو"، في إشارة إلى اتفاقيات أوسلو لعام 1993 التي أدت
إلى إنشاء السلطة الفلسطينية. وأضاف "غزة لن تكون حماستان ولا فتحستان".
وكما
هو الحال مع الكثير مما يقوله نتنياهو، فإن هذا التصريح لا علاقة له بالواقع. فتح
–الحزب الحاكم في السلطة الفلسطينية– لا يمكن مقارنتها بأي حال من الأحوال بحماس. تعمل
قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية يوميا مع قوات الأمن الإسرائيلية لمنع الهجمات
على "إسرائيل". والمشكلة هي أن نتنياهو، رغم اضطراره لقبول عملية أوسلو،
بذل كل ما في وسعه لتقويض السلطة الفلسطينية ومنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
ولا
عجب أن ما يقرب من نصف الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية يؤيدون حماس: فقد رأوا آمالهم
في إقامة دولة تتبدد مع استمرار الحكومات الإسرائيلية اليمينية في توسيع المستوطنات
في الضفة الغربية ومقاومة تقديم أي تنازلات للفلسطينيين. وإذا أنهت "إسرائيل"
حربها ضد حماس بمجرد إعادة احتلال غزة، كما يبدو مرجحا الآن، فإنها بذلك تكون قد ولدت
جيلا جديدا من المقاتلين المناهضين لـ"إسرائيل". وهذا ما يحذر منه بايدن.
وكما أوضح، لا يوجد بديل واقعي لحل الدولتين.
يتجاهل
نتنياهو كلمات بايدن الحكيمة لأن حلفاءه في الائتلاف حريصون على ضم الضفة الغربية ويعارضون
إنشاء دولة فلسطينية. ومن الواضح أن بيبي يأمل في البقاء في منصبه من خلال الوعد بعرقلة
حل الدولتين، بغض النظر عن حجم الضرر الذي يلحق بمصالح "إسرائيل" الأمنية
طويلة المدى أو بتحالفها مع الولايات المتحدة.
وبحسب
روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "خلال الحرب
العالمية الثانية، كان تشرشل في كثير من الأحيان يتذمر بسبب الخلافات السياسية مع روزفلت
ولكن لم يكن ذلك علنا أبدا. إن نتنياهو ليس تشرشل. وقد يكون بايدن الرئيس الأكثر صهيونية
في التاريخ الأمريكي ويجب على نتنياهو أن يُقبّل مؤخرته، لا أن يركلها".
وقد
يتعلم نتنياهو قريبا تكلفة تنفير أفضل صديق لـ"إسرائيل" في العالم. إذا كان
بيبي يريد الوقت لكي تستمر القوات الإسرائيلية في تدمير حماس -وهي العملية التي من
المرجح أن تستغرق أشهرا- فهو يحتاج إلى الحفاظ على دعم الولايات المتحدة. وكما فعل
الرؤساء السابقون في العقود الأخيرة، يمكن لبايدن أن يطلب من "إسرائيل" وقف
هجومها، سواء حقق الجيش الإسرائيلي أهدافه العسكرية أم لا. ويمكنه التوقف عن استخدام
حق النقض ضد قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التي تنتقد "إسرائيل"
أو تقديم قرار أمريكي يوازن بين انتقاد حماس وانتقاد "إسرائيل". ويمكنه حجب
المساعدات الأمريكية كما فعل بالفعل مع 20 ألف بندقية هجومية، تخشى الإدارة أن يستخدمها
المستوطنون العنيفون في الضفة الغربية. ويمكن لبايدن أيضا أن يعبر عن استيائه من خلال
عدم بذل جهد كبير لتطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والسعودية، مع العلم أن
ثمن الرياض للصفقة هو ضمانة أمنية أمريكية.
ومن
المؤسف أن نتنياهو يواصل وضع مصالحه السياسية فوق المصالح الأمنية لـ"إسرائيل".
لقد أحرقت سنته الماضية في منصبه السمعة التي حاول بناءها على مدار العقود السابقة
في السياسة كزعيم قوي حافظ على أمن "إسرائيل". وهو الآن لا يحظى بشعبية كبيرة،
لكنه لا يزال متمسكا بشدة بالسلطة حتى مع استمرار تكاليف سوء حكمه في التراكم.