بدأ، الجمعة، تصويت
المصريين المقيمين في
الخارج في 137 سفارة وقنصلية مصرية في
الانتخابات الرئاسية التي يخوضها رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، بمواجهة ثلاثة من السياسيين المغمورين.
وكشف استطلاع رأي، هو الأحدث في مصر، عن نسبة تأييد
متدنية جدا للسيسي في الشارع المصري، ففي الدراسة التي قام بها المركز المصري لدراسات
الإعلام والرأي العام" تكامل مصر" وخص "عربي21"، بنشر نتائجها،
بلغت نسبة مؤيدي السيسي من المصريين نحو 1.9 بالمئة.
"أجواء ما قبل الاقتراع"
وبجانب السيسي، حصل رسميا ثلاثة آخرون على لقب مرشح
رسمي لرئاسيات 2024، هم رئيس الحزب المصري الديمقراطي فريد زهران، ورئيس حزب الوفد
عبد السند يمامة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، بينما لا يعرف كثير من المصريين
أسماء المرشحين الثلاثة ولا انتماءاتهم السياسية، وفق مراقبين.
ونجحت السلطات المصرية في فرض قيود واسعة
على حملة السياسي المعارض أحمد الطنطاوي، صاحب القاعدة الشعبية المقبولة في أوساط المعارضة
المصرية بالداخل، ما أعجزه عن الحصول على العدد المطلوب من التوكيلات الشعبية اللازمة
لقبول ترشحه والبالغة نحو 25 ألف توكيل.
ذلك الوضع، ورغم انخفاض شعبية السيسي وحالة
من الإعراض الشعبي عن المشاركة، وهي الحالة التي رصدتها "عربي21"، في أحاديث
مصريين في الشارع والأسواق والمواصلات العامة، سيجعله يغرد منفردا داخل صناديق الانتخابات
التي تبدأ في الداخل أيام 10 و11 و12 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، والتي يحق لنحو
65 مليون مصري، الإدلاء بأصواتهم فيها.
"إصرار على حشد"
المثير في أجواء تلك الانتخابات هو إصرار
النظام المصري بكل أذرعه السياسية والإعلامية والدينية وحتى الحكومية على حشد المواطنين
للمشاركة بكل السبل في انتخابات يعتبرها المصريون محسومة ولا داعي لعقدها توفيرا للنفقات،
مطالبين النظام بتوجيه تلك الأموال إلى حل مشاكل المصريين.
وانتشر مقطع فيديو لقي تفاعلا كبيرا لفتاة
أجنبية، مقيمة في مدينة الفيوم جنوب غرب القاهرة، تطالب السيسي بوقف الانتخابات الرئاسية
وإعلان فوزه بها بالتزكية وإنفاق الأموال على تنظيف البلاد من القمامة.
وهي الدعوات التي أطلقها أيضا سياسيون واقتصاديون
بهدف توفير مليارات الجنيهات من الدعاية والإنفاق على العملية الانتخابية في الداخل
والخارج، وعدم تعطيل الدراسة بالمدارس، وتوفير جهد الشرطة والجيش بحماية المقرات الانتخابية
والصناديق وغيرها، ومنع توقف الوزارات والشركات والمصانع التي تحشد للانتخابات.
ومع ذلك تتواصل عمليات حشد المصريين من
قبل أحزاب "مستقبل وطن" و"حماة" وغيرهما، والشركة "المتحدة
للخدمات الإعلامية" التابعة لجهات سيادية بكل ما تملك من فضائيات وإذاعات وصحف
ومواقع إلكترونية، مع فتاوى وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، وكذلك الاستنفار الحكومي بوزارات
التعليم والإدارة المحلية، لحشد الموظفين.
وأثارت دعاوى وزير الأوقاف مختار جمعة بإذاعة
القرآن الكريم، المصريين بالمشاركة في الانتخابات، الجدل، كما أحدثت فتوى لدار الإفتاء
عبر صفحتها بمواقع التواصل الاجتماعي تقول إنه يأثم من لا يشارك بالانتخابات، انتقادات
مصريين.
"2 بالمئة يؤيدون السيسي"
كما أن شعبية السيسي، في تراجع كبير، عنها
في انتخابات أعوام 2014، و2018، بل إن حالة الغضب من سياساته تتزايد بشكل مطرد في الشارع
المصري، وهو ما كشف عنه أحدث استطلاع رأي جرى في البلاد، قام به "المركز المصري
لدراسات الإعلام والرأي العام" (تكامل مصر).
رئيس المركز، والخبير في التحليل المعلوماتي
وقياس الرأي العام، الباحث مصطفى خضري، خص "عربي21"، بنشر نتائج الدراسة
الميدانية التي قام بها "تكامل مصر" عن الانتخابات الرئاسية القادمة.
وأكد أن تلك الدراسة "أجريت أيام 21
و22 و23 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، على عينة عشوائية طبقية ممثلة للمجتمع المصري
قدرها 3421، مفردة تحت نسبة خطأ 5 بالمئة".
وأوضح أن نتائجها بينت أن "نسبة مؤيدي
الجنرال السيسي قد بلغت أقل من 2 بالمئة (تحديدا 1.9 بالمئة)".
وفي تعليقه على تلك النتيجة أكد خضري، أنها
"نسبة لم تحدث لرئيس مصري قبل ذلك، وتدل على أن جميع المصريين لا يريدونه، حتى
الفئات الآمنة التي تعيش على الامتيازات التي منحها لها، فهذه الامتيازات أصبحت غير
ذات قيمة في ظل الانهيار الاقتصادي الحالي".
أما عن النسب المحتملة للمشاركة في الانتخابات؛
فقد أوضحت الدراسة أن "أكبر نسبة يمكن أن تذهب لصناديق الانتخاب بنفسها وبدون
ضغط أو ابتزاز هي 3.2 بالمئة، ونسبة مؤيديه منها لا تزيد عن النصف"، بحسب الدراسة.
وأظهرت الدراسة أيضا أن "نسبة المشاركين
المحتملين في الانتخابات القادمة من النساء أكبر من الرجال بنسبة 57 بالمئة إلى 43
بالمئة، من نسبة المشاركين المحتملين في الانتخابات".
كما أن نسبة المشاركين من كبار السن جاءت
بحسب النتائج أكبر من غيرهم من الفئات العمرية، حيث أوضحت الدراسة أن "نسبة المشاركين
في المراحل العمرية أكبر من 50 عاما سوف تبلغ 55 بالمئة من نسبة المشاركين المحتملين".
"مسرحية هزلية"
وفي تعليقه على إصرار النظام المصري على
حشد المصريين لانتخابات الرئاسة رغم أنها محسومة للسيسي، قال السياسي والإعلامي المصري
خالد الشريف، إن "هذه مسرحية هزلية وكل الجهات المشاركة فيها يعلمون ذلك".
المستشار الإعلامي السابق لحزب "البناء
والتنمية" المصري، أوضح في حديثه لـ"عربي21" أنه "لا يوجد منافسين
للسيسي"، مؤكدا أن "الموجودين حاليا مجرد كومبارسات صنعها النظام".
وأشار إلى تجريف السيسي الحياة السياسية
في مصر منذ انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي، وقال إن "السيسي هو الحاكم بأمره؛
قتل الحياة السياسية، ومنع المشاركة السياسية، وسجن كل المعارضين، وطارد المخالفين".
الشريف، وصف الحالة السياسية المصرية الآن،
والمناخ السائد بالبلاد بأنه "مناخ استبدادي بامتياز، من يعبر عن رأيه مصيره السجن
وبئس المصير".
وأوضح: "لذلك فإن الناس عازفون عن أي مشاركة
في الانتخابات، خاصة في ظل أوضاع اقتصادية متردية ساعد السيسي في تفاقمها بسياسته وإدارته
الفاشلة".
"رسالة للأصدقاء والأعداء"
ومع تلك النتائج المتدنية التي كشفت عنها
دراسة "تكامل مصر"، والتي قد يكون النظام على علم تام بذلك الواقع على الأرض،
يظل السؤال حاضرا لماذا يصر النظام المصري على حشد المصريين لانتخابات الرئاسة رغم
أنها محسومة للسيسي، ورغم علمه بحالة الغضب الشعبي.
وفي إجابته قال خضري: "منذ بداية العام
الجاري، يعاني السيسي من عدم قدرته على الإمساك بدفة الحكم كما كان في السابق، فأجنحة
الدولة العميقة قد بدأت في تقليم بعض أظافره، وخلع بعض أنيابه، وسحب البساط من تحت رجليه".
وأضاف: "أصبح قراره مترددا، ويده مهتزة،
وأرجله غير ثابتة على الأرض، فالاقتصاد منهار نتيجة سياساته الكارثية، ووضع مصر متأزم
على صعيد السياسة الخارجية، ولم تصبح لمصر قيمتها في وسط عالمها العربي والإسلامي كما
كانت، بسبب تقزيمها على يديه".
وتابع: "أما على مستوى الحلفاء الخارجيين،
فقد تأزمت علاقته بمحمد بن سلمان (ولي العهد السعودي) الداعم المالي الأكبر له منذ
استيلائه على الحكم، وفقد على إثر ذلك مصادر تمويل شطحاته، والخزائن التي كان يغترف
منها".
وواصل الباحث المصري: "وكذا علاقته
مع الأمريكيين، الذين كانوا أكبر داعم سياسي وعسكري له، فقد باتت متوترة جدا، بعد فضيحة
التخابر مع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، (بوب مينينديز) والذي
اتهم بتلقي رشوة من الحكومة المصرية".
ويعتقد خضري، أنه "لولا حرب غزة، التي
جاءت لتنقذه من عثرته، لربما لم يكن هناك انتخابات أصلا، فقبيل الحرب كان الجنرال في
أضعف حالاته، ولكن الحرب أتت ورفعت من قيمته -وقتيا- عند الرئيس الأمريكي جو بايدن،
وأخفتت الأصوات التي كانت تطالب برفع اليد الأمريكية عنه".
وأكد أن "السيسي أراد بهذه البروباغندا
الانتخابية الرخيصة، أن يثبت أقدامه مرة أخرى، ليحاول تحييد خصومه في الداخل، ويقول
للخارج إنه متمكن من الحكم، وإنه منتخب ديمقراطيا".
"توقعات بعزوف تام"
وحول مدى نجاح السيسي، وأجهزته في الحشد
للانتخابات من عدمه وإقناع ملايين المصريين بمشاركة واسعة قال خضري: "حسب ما عندنا
من مؤشرات، فإن هناك عزوفا تاما عند المواطنين عن الاشتراك في هذه المهزلة".
وأشار إلى أن "الجميع غاضب، نتيجة
انهيار الاقتصاد، وزيادة البطالة، وانعدام فرص الاستثمار، وحتى الفئات التي كانت تدعمه
على طول الخط كالكتلة المسيحية؛ فقد أصبح عبئا عليها، وتعالت الأصوات في الشوارع تهاجمه
في غير خوف".
وفي رؤيته كخبير في قياس الرأي العام فإنه يعتقد
أن "السيسي الآن في أضعف حالاته، وقد ظهر ذلك جليا في عدم قدرته على تنفيذ ما
أراده في أثناء العدوان على غزة، فقد انهارت كل خططه لمساعدة حليفه بنيامين نتنياهو
في تهجير أهل غزة إلى سيناء".
ولفت إلى أن خططه، "ذهبت أدراج الرياح،
بعد رفض الجيش والأجهزة السيادية لتلك الخطط، ووقفت في وجهه، حتى تحول السيسي من النقيض
للنقيض، وبدا كأنه هو الذي يعادي هذا التهجير، بعد أن مهد له الطريق سابقا؛ بتهجير
أهل رفح، وبناء أسوار تحدد المنطقة التي كان يخطط لتهجير الفلسطينين إليها".
ولذا فإن الباحث المصري يعتقد أن "عزوف
المصريين عن الانتخابات هذه المرة سيكون تاريخيا، وإن كنت أظن أيضا أن رجال السيسي
سيسعون لحشد موظفي الدولة وبعض عمال المصانع وكذا شراء الناخبين مقابل نقود ووجبات،
لمحاولة إكمال المشهد وتصويره ثم تضخيمه إعلاميا، ولكن مهما يحدث فلن يصلح العطار ما
أفسده الدهر".