ما يمكن ملاحظته باستئناف العدوان الصهيوني على
غزة، بنفس الوتيرة
المتصاعدة من الهمجية والوحشية التي تمسك بها
إسرائيل وتتحكم بها بطريقة انتقامية
من الفلسطينيين في غزة، هو غياب الإسناد الفعلي للضحايا الفلسطينيين من جهة، والوقوف
بجانبهم في التصدي لحرب الإبادة التي يتعرضون لها، ومن جهة أخرى حضور الدعم
الأمريكي المستمر لهذه الجريمة ودعم مبرراتها الكاذبة، صحيح أن هناك مواقف دولية
بعضها تراجع خطوة للوراء أثناء فترة الهدنة التي فرضتها
المقاومة وإيقاع المواجهة
وتبادل الأسرى، لكن تبقى الأهمية للموقف الأمريكي الذي وظّف كل قدراته لدعم
الأهداف الإسرائيلية الرامية للقضاء على حركة "حماس" أو القضاء على
البنية الاجتماعية للمقاومة في غزة من خلال فرض التدمير الهائل والتهجير.
الموقف الأمريكي من العدوان الإسرائيلي، يقوم على تمكين الاحتلال الإسرائيلي
من التحرك المستمر باتجاه تنفيذ مخططات العدوان. وهذه مواقف ليست جديدة بقدر ما
تشكل ركيزة أساسية في التحالف بين الولايات المتحدة والمؤسسة الصهيونية، ووضوحها
بالشكل السافر الذي عبر عنه الرئيس بايدن وكل من وزراء الخارجية والدفاع للولايات
المتحدة، يلغي أي بعد عربي ينظر للدبلوماسية الأمريكية كوسيط في قضية الصراع
العربي الإسرائيلي، ويفسر كل المواقف المرتبطة من القضية الفلسطينية وما سمي
بعملية "السلام" التي انقضّت من خلالها المؤسسة الصهيونية على ما تبقى
من الأرض الفلسطينية.
ما يبدو بين حين وآخر على أنه تناقض بين السياسة الأمريكية والاحتلال، فهو ليس تباينا في الجوهر والأساس، بل تباينا مقصودا يُمكّن الإدارة الأمريكية من اتخاذ مواقف ظاهريا تبدو مرنة أمام العالم العربي
وبالتالي، فإن ما يبدو بين حين وآخر على أنه تناقض بين السياسة الأمريكية والاحتلال،
فهو ليس تباينا في الجوهر والأساس، بل تباينا مقصودا يُمكّن الإدارة الأمريكية من
اتخاذ مواقف ظاهريا تبدو مرنة أمام
العالم العربي، وهذا ما ظهر فعليا من تصريحات
الوزير أنتوني بلينكن والبيت الأبيض بالحديث عن الضغط الأمريكي على إسرائيل لتجنب
وقوع ضحايا من المدنيين.
واللعب بأكبر قدر ممكن على العبارات لم يخف الحقيقة الأمريكية التي تأخذ
المصلحة الإسرائيلية في المقام الأول، وهو موقف مفقود للآن بشكل موازٍ ومقترض
للضحايا الفلسطينيين من أشقائهم في النظام الرسمي العربي؛ الذي يراقب بدوله وجيوشه
ومنظومته العسكرية والأمنية والإعلامية، ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في غزة من
جرائم إبادة وضد الإنسانية بكل مستوياتها وصنوفها، ويقف عاجزا عن إدخال قارورة ماء
واحدة تسد عطش الجرحى والمصابين والمكلومين، والعجز عن رفع مئات الجثث من الشوارع
والأزقة أو من تحت ركام الأبنية لغياب الآليات والمعدات الغير مسموح للفلسطيني أن
يقتنيها بموجب الالتزام المصري والعربي بالشروط الإسرائيلية لحصار غزة، ويسمع
العالم العربي بالوقت نفسه أخبار تزويد واشنطن لجيش الاحتلال بمئات أو آلاف
القنابل الضخمة التي تلقى على غزة، والأهم أن النظام العربي أيضا راقب الجلسة
الأخيرة لمجلس الحرب الصهيوني بحضور وزير بلينكن، والتي أعطت الاحتلال الدفع
باستئناف الوحشية المُدمرة على غزة مقابل انهمار بيانات الأسف العربي أمام هذا
الاستئناف للعدوان دون فعل أي شيء على الإطلاق.
وإذا أخذنا ما اتفق عليه العرب في القمة العربية الاسلامية في الرياض،
بتشكيل وفدٍ ليتواصل مع العالم لبحث تداعيات العدوان ووقفه، ومراقبة الأداء
السياسي والدبلوماسي الذي "تكثّف" في أبو ظبي أثناء انعقاد قمة الأرض
بمشاركة رئيس كيان الاحتلال، في الوقت الذي استؤنف فيه العدوان بشكله الأكثر وحشية
ودموية، ليسفر عن تدمير هائل في مناطق شمال وجنوب القطاع، وارتكاب الاحتلال لمجازر
عديدة.. نجد أن حلفاء الشعب الفلسطيني بالمعنى الأخلاقي غائبون بشكل مخزٍ؛ إذا ما
استحضرنا مقارنات من قبيل أن الفلسطينيين لا يريدون قنابل بأوزان طن على الطريقة
الأمريكية لإسرائيل أو فتح مستودعات الأسلحة لها وتجنيد كل الإدارة الأمريكية
والبيت الأبيض لدعم "الحرب" التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ولا
يريدون قاعدة عسكرية وطائرات سو35 على الطريقة الروسية في سوريا، مع أنهما -أي الولايات
المتحدة وروسيا- قدّما درسا كبيرا في كيفية دعم وإنقاذ الحليف.
البحث عن سبل إنقاذ غزة من المذابح والتدمير الممنهج وإنقاذ القضية الفلسطينية بشكل عام، بحاجة لوسائل مختلفة عن التي اعتاد عليها العرب ودبلوماسيتهم السابقة بميوعة المقاييس التي فرضها خطاب وموقف عربي رسمي، مع غياب رقعة المشاركة الشعبية العربية، ما جعل من كل السياسة العربية غير قابلة للتصديق من قبل الشارع العربي ولا تحظى أصلا باحترام المجتمع الدولي، ولا من العدو نفسه
المفترض أن هناك أولوية عربية مفترضة، تعمل على وقف إطلاق النار، أي تضغط لوقف
المذبحة التي تتعرض لها غزة، والعمل على إنقاذها فورا، وهو ما لم يحصل، ولن يحصل
في الأيام المقبلة، لاقتصار الدور العربي على ترتيب دخول شاحنات المساعدات إن سمحت
إسرائيل بذلك، وهو السقف الذي تعمل تحته منظومة الدبلوماسية العربية، بغض النظر عن
التحطيم الحاصل لهذا السقف فوق رؤوس الدبلوماسيين العرب بمناقشة اليوم التالي من انتهاء
العدوان، وإحكام قفل القضية الفلسطينية بإسقاط أهلية الشعب الفلسطيني عن إدارة
شؤونه وتمثيل نفسه، ومحاولة فرض معادلة أن المقاومة الفلسطينية إن كانت في الضفة
أو غزة ليست طرفا يمثل تطلعات الشعب الفلسطيني، مع أنها أثبتت قدرتها في تلبية
الحاجات الملحة لصد العدوان، وكانت وستبقى أداة ذات جدوى، وأرست قواعد جديدة
تجعلها ركيزة من ركائز المستقبل لصون الحقوق الفلسطينية.
في مطلق الأحوال، البحث عن سبل إنقاذ غزة من المذابح والتدمير الممنهج
وإنقاذ القضية الفلسطينية بشكل عام، بحاجة لوسائل مختلفة عن التي اعتاد عليها
العرب ودبلوماسيتهم السابقة بميوعة المقاييس التي فرضها خطاب وموقف عربي رسمي، مع
غياب رقعة المشاركة الشعبية العربية، ما جعل من كل السياسة العربية غير قابلة
للتصديق من قبل الشارع العربي ولا تحظى أصلا باحترام المجتمع الدولي، ولا من العدو
نفسه غير الآبه بقلق واستهجان ورفض عربي للعدوان.
twitter.com/nizar_sahli