مضت الأربعون الأولى من أيام الحرب
الإسرائيلية على
قطاع
غزة، ما يستدعي الوقوف قليلا للمراجعة والتحليل، لا سيما أن الرقم 40 يحمل في
طياته رمزا ما، فقد قِيل في القرآن الكريم "حتى إذا بلغ أربعين عاما قال ربّ
أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي"، وقرأنا أيضا عن الأربعين النووية،
وكذلك في الدعايات سمعنا: أربعون عاما نزدادُ شبابا، ناهيك عن أقلام الشعراء التي
طالما احتفت بهذا الرقم بعد بلوغ الشاعر سنّ الأربعين، والأموات الذين نقف على
ذكراهم ومناقبهم بعد 40 يوما على رحيلهم، وأكثر..
ولأنه كذلك، فإننا نتساءل اليوم وقد ولجنا إلى اليوم الثاني
والأربعين على حرب غزة، ماذا حقق الاحتلال الإسرائيلي على كافة الصعد أمام 365
كيلومترا مربع في القطاع المحاصر الذي يُمنع عنه كل شيء؟
أولا: جيش الاحتلال المأزوم لم يحقق أي هدف من الأهداف
الثلاثة التي وضعها بنفسه عنوانا عريضا لعملياته العسكرية في قطاع غزة برا وجوا
وبحرا، مدعوما بشكل هائل وغير مسبوق من الولايات المتحدة وكبرى الدول الأوروبية،
التي أصبحنا نترحم على أيام صمتها على جرائم الاحتلال، بعدما تحول ذلك الصمت إلى
دعم عسكري واستخباراتي ومادي منقطع النظير.
جيش الاحتلال المأزوم لم يحقق أي هدف من الأهداف الثلاثة التي وضعها بنفسه عنوانا عريضا لعملياته العسكرية في قطاع غزة برا وجوا وبحرا، مدعوما بشكل هائل وغير مسبوق من الولايات المتحدة وكبرى الدول الأوروبية، التي أصبحنا نترحم على أيام صمتها على جرائم الاحتلال، بعدما تحول ذلك الصمت إلى دعم عسكري واستخباراتي ومادي منقطع النظير
فقد حدد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين
نتنياهو ثلاثة
أهداف لعمليات الجيش الإسرائيلي هناك، وهي: السيطرة على قطاع غزة، وسحق حماس،
وإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى
المقاومة. ولكن تلك الأهداف تحولت حتى اللحظة
إلى أمنيات وأحلام يقظة، ينشدها الجيش الإسرائيلي في مجازره المروّعة بحق الشهداء
والمستشفيات والطواقم الطبية وكوادر الدفاع المدني، وطواقم الصحافة، ولم يتمكن ليس
فقط من إطلاق المحتجزين، بل إنه عجز كذلك حتى عن تحديد أماكن تواجدهم، وذلك بعد
الفضيحة المدوّية التي مُنِيَ بها خلال اقتحامه مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة،
والمسرحية التي ما انطلت حتى على أصغر مراهق في هذا الكوكب.
فالسُّبحة التي وضعها فوق القرآن الكريم في تمثيليته،
أوحت لنا كم يبدو الجو للمقاتلين
الفلسطينيين صافيا هادئا حتى يستخدموا سُبحاتهم
في ذكر الله، وكم تبدو غرفة عملياتهم الأهم في القطاع، مُرتبة ونظيفة أكثر من غرفة
نومي، وكم يبدو التمر طازجا شهيا، والكتبُ جديدة وكأنها تُسلّم لتلاميذ الصف
الثامن في طليعة العام الدراسي. ولهذا راح هذا الجيش يبحث عن صورة نصر يُعزّي بها
عناصره وأهالي قتلاه الذين يتساقطون تِباعا بمواجهات ضارية مع المقاومة
الفلسطينية.
ولم يتمكن كذلك من تحقيق الهدفين الآخرين، فلا قضى على
حماس، ولا سيطر على قطاع غزة، وإن خارطة سيطرته تكاد تكون ضئيلة جدا، قياسا مع عدم
تكافؤ القوى بين الطرفين، وحجم الدعم الهائل الذي أُهدِيَ له من قبل حلفائه
الشركاء في جريمة الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة.
ثانيا: لم يعد تخفى على مُتابع للشأن الإسرائيلي أزمة
الاحتلال الداخلية، وذلك الصراع المكوكي بين مكونات الاحتلال، فأزمة الثقة بين
نتنياهو والجيش تحدثت عنها الصحف العبرية، حيث ذكرت صحيفتا "هآرتس" و"يديعوت
أحرونوت" أن نتنياهو فشل بالتنبؤ المُسبق بالهجوم المفاجئ والكبير للمقاومة
الفلسطينية، صبيحة 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وبدأ يتنصل من مسؤولياته.
لم يعد تخفى على مُتابع للشأن الإسرائيلي أزمة الاحتلال الداخلية، وذلك الصراع المكوكي بين مكونات الاحتلال، فأزمة الثقة بين نتنياهو والجيش تحدثت عنها الصحف العبرية
وذكر موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي أن
حماس تعمدت نشر معلومات وفيديوهات عن تدريبات عناصرها، إلى حد اعتقاد أجهزة
المخابرات الإسرائيلية، أن ما يجري هو تدريبات روتينية، حيث أكد الموقع أن حماس
مارست الخداع على مدى 18 شهرا، استعدادا للهجوم الواسع على حين غرة، وأن التدريبات
أصبحت روتينية، وتضمنت إعلانات في وسائل الإعلام الفلسطينية كجزء من عملية التعود،
بهدف تثبيط حواس أجهزة الاستخبارات بشكل خاص، والجيش الإسرائيلي بشكل عام، من أجل
الإضرار بيقظة كبار القادة.
وبالتالي، يبدو نتنياهو مهددا اليوم بالغياب عن المشهد
السياسي الإسرائيلي، في ظل إصرار عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة، على ضرورة
السعي لإطلاق سراح أبنائهم، بعدما اتهموا مجلس الحرب (الكابينت) بأنه يتجاهل
مطالبهم وليس لديه الوقت حتى لمقابلتهم والإصغاء إلى مطالبهم، ما جعلهم يصعّدون في
حراكهم، بالإضافة إلى عدّاد القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي وحلفائه،
الذي يتصاعد بشكل مستمر، والذي يشي بأن الاحتلال تورط في مستنقع غزة رغم توغله في
بعض مناطق القطاع واقتحامه لأجزاء منه.
ثالثا: الخسارة الأهم التي أجهزت على الاحتلال
الإسرائيلي تتجلى في نقطتين اثنتين؛ الأولى هي اهتزاز صورة جهاز الاستخبارات الذي
كان يقدم نفسه على أنه الأقوى في العالم، بعدما حصل على أهم التقنيات العسكرية
وأجهزة التنصت والمراقبة، وبأن أذرعه العظيمة لم تعمل داخل فلسطين فحسب، بل إنها
تجاوزت الجغرافية لتصل إلى دول الجوار وأبعد من دول الجوار، حيث كثّف الموساد
الإسرائيلي في الشهور الأخيرة نشاطه في تركيا على سبيل المثال. واعتقلت المخابرات
التركية عدة أشخاص ولأكثر من مرة، يعملون ضمن شبكات تجسس لصالح الموساد ضد شخصيات
فلسطينية وعربية وتركية اعتبارية.
وكذلك توسع نشاط الموساد في أوروبا حيث نقيم، وراح
يمارس سياسة التضييق على النشطاء الفلسطينيين ويلاحقهم ويتجسس عليهم، ويبعث لهم
رسائل بأنه على دراية بكل ما يقومون به، ويضغط على بعض الحكومات الأوروبية لاعتقال
النشطاء البارزين العاملين في مجال الدعم الإغاثي لصالح مخيمات الشتات في لبنان
وسوريا وجنوب تركيا وفلسطين، كما حدث في هولندا مؤخرا، حيث تواصل السلطات
الهولندية حتى اليوم، اعتقال الناشط الفلسطيني البارز أمين أبو راشد، بناء على
تقارير كيدية ومعلومات كاذبة من الموساد الإسرائيلي الذي ألصق تهما باطلة بحقه،
والتي تحدث عنها المحامي الهولندي الخاص بالقضية.
صورته التي اهتزت أمام شعوب العالم، وقد تجلى ذلك في المظاهرات الجماهيرية الحاشدة التي اجتاحت كبرى العواصم والمدن حول العالم. فمن الدول العربية والإسلامية، إلى أوروبا وأمريكا وسائر بقاع الجغرافية، يطالعك الآلاف والملايين بمختلف أديانهم وأعراقهم ولغاتهم وثقافاتهم، يهتفون ضد الاحتلال، ويطالبون بوقف المجازر في غزة ومحاسبة قادته ومحاكمتهم في محكمة الجنايات الدولية. وقد وصلت التظاهرات إلى المطارات ومحطات القطارات، والمباني الحكومية والبرلمانات
أما الخسارة الثانية التي يكابدها الاحتلال بعد جلاء
الأربعين يوما، فهي صورته التي اهتزت أمام شعوب العالم، وقد تجلى ذلك في المظاهرات
الجماهيرية الحاشدة التي اجتاحت كبرى العواصم والمدن حول العالم. فمن الدول
العربية والإسلامية، إلى أوروبا وأمريكا وسائر بقاع الجغرافية، يطالعك الآلاف
والملايين بمختلف أديانهم وأعراقهم ولغاتهم وثقافاتهم، يهتفون ضد الاحتلال، ويطالبون
بوقف المجازر في غزة ومحاسبة قادته ومحاكمتهم في محكمة الجنايات الدولية. وقد وصلت
التظاهرات إلى المطارات ومحطات القطارات، والمباني الحكومية والبرلمانات، وهي
تقول: آن الأوان لوضع حد لهؤلاء المجرمين الذين يستقوون على الأطفال والمستشفيات.
أما في الدول العربية والإسلامية، فقد اضطر الاحتلال
إلى سحب سفرائه أمام الضغط الشعبي والغضب المتصاعد، بعدما أدرك حجم الخطر، لأنه
يعلم أن تلك الشعوب لن ترحمه ولن تغفر جرائمه حتى وإنْ غفرتها الأنظمة التي لم
تحرك ساكنا، بل عجزت عن إدخال ليتر واحد من الوقود إلى قطاع غزة.
وقد ذكرت وكالة الأناضول للأنباء أن العلم الفلسطيني
في تونس الخضراء، أصبح أكثر رواجا من العلم التونسي نفسه، بعدما تبنى التونسيون
القضية الفلسطينية عنوانا عريضا وإلى الأبد كسائر الشعوب العربية.
خسائر الاحتلال تلاحقه في كافة المحافل، حتى لو توغل
في قطاع غزة، فمقاومته أصبحت فكرة، والفكرة لا تموت، وهو يعيش اليوم أياما ثقالا.