لم يسلم الفلسطينيون الغزيون من مختلف أنواع القمع والإبادة الجماعية، وفضلا عن استشهاد أكثر من 15 ألف وإصابة الآلاف، فإنه جرى قمع وتعذيب آلاف العمال أثناء عملهم داخل الأراضي المحتلة عام 1948.
وعمل الاحتلال في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على إلغاء تصاريح العمال واعتقالهم، ثم التحقيق معهم وتعذيبهم لأيام طويلة.
وترصد "عربي21" شهادات لعمال تعرضوا لتعذيب نفسي وجسدي شديد في ظروف اعتقال مأساوية.
يقول فادي (53 عاما) لـ"عربي21"، إنه عندما سمع عن إلغاء تصاريح العمال قام بتسليم نفسه لأقرب مركز شرطة تابع للاحتلال في المنطقة التي تواجد فيها، وقال: "قمت بذلك بسبب بطش المستوطنين الذين حملوا الأسلحة وقتلوا الفلسطينيين دون حساب".
اظهار أخبار متعلقة
وأضاف فادي: "أعرف أن الشرطة لم تكن أفضل، لكن هذا أقل الخيارات سوءا، وفعلا قاموا بتغطية أعيننا وتقييدنا ونقلنا إلى مكان لا أعرفه، ثم وجدنا أنفسنا في ساحة سجن على أرضية رملية صحراوية.. إذ أحرقتنا شمس النهار، وارتعشنا من البرد في الليل".
ويتابع: "بدأوا بالتحقيق معنا، عن أماكن سكننا والمناطق المحيطة بها، وهل يوجد أنفاق فيها، وماذا يوجد تحت المستشفى القريب منا.. أجبتهم لا أعرف وكيف لي أن أعرف"، مبينا أن التحقيق "كان في البداية مرعبا".
اظهار أخبار متعلقة
وأكمل حديثه: "ذات مرة وخلال عملية النقل من مكان الاحتجاز إلى مكان التحقيق، حيث جرت كالعادة تغطية رؤوسنا، وأثناء رفع الغطاء وجدت كلبا ضخما أمامي وبحركة لاإرادية ركلته من الخوف.. خلال التحقيق قال لي الضابط كيف تضرب الكلب إنه يعادل عندنا 10 فلسطينيين ويحمل رتبة عسكرية، ثم أشار إلى العسكري بأن يشبحني (يعلقني بالسقف) من قدمي التي ركلت بها الكلب، وبقيت على ارتفاع 3 أمتار لأكثر من 3 ساعات".
بدوره، يقول محمد (35 عاما) إن المحققين كانوا يعتمدون على أساليب التعذيب النفسي عندما يسأل العامل عن عائلته في
غزة أو حتى عندما يطرح الضابط الخبر بنفسه من أجل كسر شعور الذي يحقق معه، مضيفا أنه "قال لي المحقق: تريد أن تعرف أخبار عائلتك؟ لقد وقع المنزل فوق رؤوسهم، لكنهم بخير.. إلا امرأة واحدة خرجت أشلاء واسمها عبير، وهو يقصد زوجتي".
وأضاف: "قلت له أنت كذاب". ورفعت يدي لأشير إليه.. رد مهددا لا ترفع يدك ولا تقول كذاب، لأرد مرة أخرى وأنا أكتف يدي: أنت غير صادق، أعرف أن زوجتي بخير، لأن أذني تصدر طنينا وبذلك أعرف أنها تدعو لي".
ويكشف محمد لـ"عربي21" أن "المتعب بالتحقيق هو طول الجلسات، إذ أصبح الذهاب إليها والعودة منها متعبا أكثر من التحقيق نفسه"، قائلا: "رحلة الذهاب من مكان الاحتجاز وحتى الدخول تستغرق 5 ساعات وكذلك العودة وخلالها يطلب منا الجلوس في وضعية القرفصاء".
ويردف: "خلال الاحتجاز تنقلنا إلى أكثر من مكان، الأول كان في ساحة أحد السجون في منطقة حارة في النهار وباردة في الليل، وفي إحدى الليالي أمطرت علينا لساعات".
ويقول "بعد ذلك انتقلنا إلى مكان بسقف كبير يشبه حظائر الطائرات، لم نعرف الوقت أو حتى أيام الأسبوع، كنا ننتظر أي وافد جديد لنسأله ثم ندون اليوم والتاريخ على الأرضية، لكن عندما نعود من التحقيق يتم نقلنا إلى مردوان آخر (مكان احتجاز) وننسى التاريخ مرة أخرى وتفقد شعورنا بالوقت، حتى الصلاة كانت بالتقدير".
وعن إطلاق سراحه، يقول محمد: "وصلت إلى مدينة رفح بدون أي أموال أو هاتف. كان الجنود قد ألقوا بنا في منطقة قريبة من الحدود وقالوا لنا: "هناك غزة اذهبوا إليها".
ويكشف أن رحلة الوصول كانت بذاتها عذابا: "حاولت حينها الاتصال بأهلي أكثر من مرة دون جدوى لضعف الشبكة، خاصة أني عرفت أن بيتنا تم تدميره، تذكرت كلام المحقق وتساءلت: هل كان يقول الحقيقة؟ بعد لحظات عاد إلي الشخص الذي استخدمت جواله وقال لي إن زوجتك على الخط، وصلتها رسالة إثر محاولة الاتصال على رقمي".
من جهته، يقول عمرو (اسم مستعار) إنه هرب من الأراضي المحتلة عام 1948 عندما سمع باعتقال العمال وإرهاب المستوطنين، باتجاه إحدى مدن الضفة الغربية، وقال: "كنت في منطقة مليئة بالمستوطنين المتطرفين، هربت ولجأت إلى بعض المعارف".
ويضيف عمرو: "بعد الإقدام على هذه الخطوة شعرت بالقلق إزاء عدم القدرة على العودة إلى عائلتي، ثم بعد ذلك عرفت أنهم رفضوا مع باقي أفراد العائلة الخروج من شمال إلى جنوب قطاع غزة إلى جنوبه.. وقتها قلت الحمد لله، لو عدت كنت سأعود إلى الجنوب وكنت سأحرم من الاجتماع بهم".
ومضى يقول: "خلال الأيام الأخيرة تمكنت من الاطمئنان عليهم، هم جميعا بخير، نأمل انتهاء الحرب واللقاء مرة أخرى".