تتجه جميع الأنظار إلى قطاع
غزة، ناظرة لما ستؤول إليه الأوضاع بعد أربعة أيام من
الهدنة الإنسانية، التي نزل فيها الاحتلال عند شروط حركة
حماس، فتجاوز بنيامين
نتانياهو وحكومة حربه لاءاتهم المشهورة؛ بأن لا وقف للقتال إلا بالقضاء على حركة
حماس، وأن لا هدنة ولا وقود إلا بالإفراج عن كافة الأسرى لدى كتائب القسام،
فاضطروا مكرهين إلى وقف القتال والهدنة الإنسانية، وإلى التفاوض غير المباشر مع
حركة حماس، في اعتراف منهم بقوة هذه الحركة وتجذّرها، بعد قرابة خمسين يوما من
القتال، وكنتيجة لفشلهم الأمني والعسكري، وضغط الجبهة الداخلية لاستعادة أسراهم،
وضغط الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن الذي يعاني من تراجع شعبيته بسبب دعمه للعدوان
على غزة.
الاحتلال وعلى لسان العديد من مسؤوليه وخاصة الثلاثي، رئيس الوزراء نتنياهو،
ووزير الحرب غالانت، والوزير في حكومة الحرب غانتس، كرّروا قبل وأثناء الهدنة تمسّكهم
بأهداف المعركة المعلنة، حتى أن وزير الحرب صرّح بشكل واضح، باستئناف العمليات العسكرية
في قطاع غزة بعد الهدنة مباشرة، وبأنهم مصرّون على القضاء على حركة حماس وتغيير
الوضع القائم في غزة.
من الصعب البناء على كافة تصريحات وزراء الاحتلال والأخذ بسقوفها العالية، بسبب عدم اتساقها مع الواقع المعايَش، والتي قد تُفسّر في بعض جوانبها على أنها خطابات صقوريّة للتغطية على فشلهم الكبير في هذه المعركة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أو للضغط على الطرف الفلسطيني في قطاع غزة والذي يعاني من كارثة إنسانية بسبب جرائم الحرب والإبادة التي شنّها جيش الاحتلال الصهيوني بدعم أمريكي
من الصعب البناء على كافة تصريحات وزراء الاحتلال والأخذ بسقوفها العالية،
بسبب عدم اتساقها مع الواقع المعايَش، والتي قد تُفسّر في بعض جوانبها على أنها
خطابات صقوريّة للتغطية على فشلهم الكبير في هذه المعركة منذ السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر، أو للضغط على الطرف الفلسطيني في قطاع غزة والذي يعاني من كارثة
إنسانية بسبب جرائم الحرب والإبادة التي شنّها جيش الاحتلال الصهيوني بدعم أمريكي.
وفي سياق النقاش لما ستؤول إليه الأوضاع في قطاع غزة، وفي ظل العديد من
المعطيات المحلية والإقليمية والدولية، يمكن رصد أهم ثلاثة سيناريوات قد يُفضي
إليها المشهد الجاري، وذلك على النحو التالي:
السيناريو الأوّل: تجديد الهدنة أو تمديدها بوساطة قطرية، وبدعم من الإدارة
الأمريكية.
والنقاط المرجِّحة لهذا السيناريو، تكمن في رغبة الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن
في إنزال الاحتلال
الإسرائيلي عن السلّم درجة درجة، بعد فشل رهانها على قيادة
الاحتلال في حسم المعركة، رغم الدعم الأمريكي المطلق والمفتوح على مدار الساعة، وفي
محالة للاستدراك أيضا على شعبية الرئيس بايدن التي بدأت في التراجع نتيجة دعمه
للاحتلال ولمجازره ضد المدنيين والأطفال في غزة. ففي استطلاع للرأي؛ بلغت شعبية
الرئيس بايدن 39 في المئة مقابل 48 في المئة للسيدة نيكي هيلي (مندوبة الولايات
المتحدة في الأمم المتحدة في عهد الرئيس ترامب)، كما كشف استطلاع للرأي أجرته قناة NBC، عن 40 في المئة يؤيدون بايدن، و56 في المئة
يعارضونه، و70 في المئة من الشباب الأمريكي بين سن الـ18 و34 سنة يعارضونه بسبب
سياسته الداعمة للاحتلال في عدوانه على غزة.
وهذا بالإضافة
إلى ضغط الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي تسعى لاستعادة الأسرى لدى حركة حماس،
وهي الجبهة التي باتت تعاني أيضا من التراجع الاقتصادي، وفقدان الأمن نتيجة
استمرار سقوط الصواريخ والاشتباكات جنوب فلسطين وشمالها، ما أدّى لنزوح نحو ربع
مليون مستوطن.
السيناريو
الثاني: استئناف العدوان على غزة للقضاء على حركة حماس، ولإطلاق سراح الجنود
والضباط الأسرى بالقوّة.
والعامل المرجّح
لهذا السيناريو، هو رغبة بنيامين نتنياهو وحكومته في إحراز انتصار يحمي رؤوسهم
ومستقبلهم السياسي من السقوط بعد وقف العدوان، وخشيتهم من تحميلهم الفشل الأمني
والعسكري منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
إضافة إلى ذلك،
النخبة السياسية والأمنية والعسكرية، تريد استعادة هيبة دولة إسرائيل المهدورة في
السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، من خلال الانتصار في المعركة، ومن خلال إنهاء حركة
حماس كتهديد وجودي أو دائم للاحتلال، فإسرائيل لم تتلق هزيمة بهذا المستوى
الاستراتيجي منذ نشأتها.
السيناريو
الثالث: توسّع دائرة الاشتباك في المنطقة بتمدّد المعارك من غزة إلى بيروت.
والفاعل المرجّح
هنا أمران؛ الأول استئناف المعارك البرية في قطاع غزة، وغرق جيش الاحتلال وفشله في
تحقيق أهدافه، ما قد يدفع نتنياهو وغالانت إلى الهروب إلى الأمام باستهداف بيروت/ حزب
الله، لجر واشنطن ولندن وبعض العواصم الغربية الأخرى إلى معركة مباشرة للقضاء على
حركة حماس وحزب الله.
في كل الأحوال ستبقى غزة في بؤرة الصراع، وعلى خط النار في كل الاحتمالات، ما يجعل إدارتها للمعركة على المستوى الشعبي والمقاوِم، عاملا أساسيا في تحديد المستقبل والنتائج التي يسعى كل طرف لتحصيلها بالقوة، وخاصة الخشنة منها
الأمر الثاني،
بعد استئناف العمليات العسكرية في غزة، وعودة التراشق العسكري شمالا بين الاحتلال
وحزب الله، وفقا لقواعد الاشتباك، وقوع حدث غير مقصود من أحد الأطراف يوقِع خسائر
فادحة في الطرف الآخر، ما يجلب ردا قويا يدفع بالمشهد إلى تصعيد كبير متبادل، ككرة
الثلج المتدحرجة، فتتوسّع دائرة الاشتباك في الإقليم.
لا شك أن لكل
سيناريو عوامل أخرى مرجِّحة أو كابحة، لم نأت على ذكرها لضيق مساحة النقاش في هذا
المقال. ولكن مع كثرة الدول والقوى الفاعلة وتعارض مصالحها، وتعقيدات المشهد الذي
يتداخل فيه السياسي بالديني بالأخلاقي، يصبح المستقبل مفتوحا على كل الاحتمالات.
وفي كل الأحوال
ستبقى غزة في بؤرة الصراع، وعلى خط النار في كل الاحتمالات، ما يجعل إدارتها
للمعركة على المستوى الشعبي والمقاوِم، عاملا أساسيا في تحديد المستقبل والنتائج
التي يسعى كل طرف لتحصيلها بالقوة، وخاصة الخشنة منها.