من غير المرجح،
في ظل المؤشرات الحالية للحرب في
غزة، أن يجري تغيير المعادلات التي كانت قائمة
قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إذ رغم حجم الدمار الكبير الذي أنزلته
إسرائيل، وخاصة
في مناطق شمال غزة، وآلاف الشهداء من الأطفال والنساء، لا يبدو أن حكومة نتنياهو
قادرة على تحقيق نصر حاسم يمكن أن يؤدي إلى تغيير خريطة الفاعلين في غزة، والقضاء -كما
تدعي- على المقاومة التي تقودها حماس.
ومع الفارق
الهائل في القوّة بين الطرفين، وهو عنصر لم يتم اكتشافه حديثا، إلا أن الطرف
المقاوم في غزة يملك نقاط قوّة ليس بمقدور جيش إسرائيل بتركيبته الحالية، عناصر
وقيادات، تحقيق نصر حاسم في غزة، كما أن إمكانيات المقاومة يصعب تدميرها مرّة
واحدة وإلى الأبد، وخاصة وأن هذه الإمكانيات ليست هياكل وقوى صلبة وحسب، بقدر ما
هي تراكم خبرات وأجيال، الجزء الأكبر منها غير منظم ومؤطر لكن يمكن تفعيله في أي
وقت بحيث يستطيع صناعة قوى توازي قوّة حماس، هو قوى احتياطية عند الطلب
الفلسطيني
وعند حاجة المجتمع الغزاوي، وهو أمر يدركه الكثير من السياسيين حول العالم؛ الذين
حذروا من أن القضاء على حماس قد ينتج دينامية متشظية تنتج عشرات التنظيمات القاتلة
لكن بدون رأس وإدارة وقيادة.
ستكون العودة إلى الوضع ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر أحد الخيارات القليلة المطروحة للنقاش والتطبيق، وربما تنتهي جولة الصراع عند حدود المطالبة بإعادة الأسرى لدى كل من الطرفين، إذ إن فترة الهدنة التي قبلت بها حكومة اليمين المتطرف، والتي من المتوقع أن يجري تمديدها بطريقة ما، ستؤثر بشكل كبير على الزخم العملياتي الإسرائيلي
وحدها حكومة
نتنياهو المتطرفة ترفض الاعتراف بهذه المعادلة المعقّدة، أقله حتى اللحظة، وقد
تكون في طورها إلى الإقرار بها لكن عبر تشريبها شيئا فشيئا للمجتمع الإسرائيلي بعد
أن سيطر التطرف عليه، وهو التطرف الذي غذّته نخبة الحكم الإسرائيلية لضمان وصولها
للحكم واستمرارها به، وهي تدرك أن تراجعها عن الأهداف الكبيرة التي وضعتها في
بداية الحرب يعني القضاء عليها، وربما عبر الدوس بالأحذية من جماهير متطرفة وأخرى
غاضبة من حكم اليمين.
في إطار المعطيات
الراهنة والحاكمة، ستكون العودة إلى الوضع ما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر أحد
الخيارات القليلة المطروحة للنقاش والتطبيق، وربما تنتهي جولة الصراع عند حدود
المطالبة بإعادة الأسرى لدى كل من الطرفين، إذ إن
فترة
الهدنة التي قبلت بها حكومة اليمين المتطرف، والتي من المتوقع أن يجري
تمديدها بطريقة ما، ستؤثر بشكل كبير على الزخم العملياتي الإسرائيلي، الذي وصل إلى
مرحلة لم يعد يحقق نتائج استراتيجية مهمة، بعد أن تكيفت فصائل المقاومة في غزة مع
الغارات الإسرائيلية، كما أنه لم يعد ممكنا إنتاج حجم الكثافة النيرانية التي
استخدمتها إسرائيل في فترة الخمسين يوما الماضية، فالاستمرار بها يعني صرف رصيد
إسرائيل الاستراتيجي من الذخيرة وهو أمر لا يمكن المغامرة به في هذه الظروف.
بالإضافة لذلك،
ستضطر إسرائيل إلى الرضوخ للتيارات الناهضة في الإدارة الأمريكية، التي تطالبها
بتسريع إيجاد مخارج للحرب لعدة أسباب، أهمها تقييم الأمريكيين أن هذه الحرب لن
توصل إلى الأهداف التي تم رفعها في البداية، ومنها تفكيك حماس نهائيا، فهذا الهدف
أثبتت الوقائع والتطورات أنه غير واقعي ولا يمكن استمرار السير به؛ لما قد ينتج
عنه من خسائر ضخمة قد تطال وضع أمريكا ومصالحها في قلب المخاطر، والسبب الآخر أن
استمرار الدعم الأمريكي لإسرائيل، سيكون من رصيد دعم الحرب في أوكرانيا التي تؤثر
على التوازنات الدولية بشكل أكبر وأعمق من الحرب في غزة.
لا مفر إذا من
العودة إلى سياسة إدارة الصراع، من قبل أمريكا وإسرائيل في فلسطين، التي قامت
بدرجة كبيرة على منطق الضغط على الفلسطينيين تارة وترك الباب مواربا أمام مفاوضات
سياسية بصيغة من الصيغ، أو على الأقل الوعد بمفاوضات في مرحلة ما، على ألا تصل إلى
حد تطبيق اتفاقيات أوسلو أو حل الدولتين، مقابل استمرار سياسات إسرائيل في القضم
البطيء للأراضي الفلسطينية، وربما التراجع عن التهديد بتهويد القدس والمسجد
الأقصى.
جزء من هذه
المعادلة ستفرضها التطورات الإسرائيلية في المرحلة المقبلة، إذ من المرجح سقوط
الطبقة الحاكمة الحالية التي بات رصيدها الانتخابي متدنيا في الأوساط الإسرائيلية،
وخاصة وأن المجتمع الإسرائيلي سيشعر بحجم الألم بعد أن تبرد جراحه، نتيجة الأزمة
الاقتصادية التي سترتبها تكاليف الحرب والصراع السياسي داخل النخب الإسرائيلية،
والجزء الآخر سيفرضه الخارج الذي أدرك أنه تورط في السير وراء الجنون الإسرائيلي
ويبحث عن مخارج للأزمة الراهنة.
المرحلة المقبلة، ومهما قيل عن أن ما قبل الحرب لن تكون كما بعدها، لن تكون سوى عودة لسياسات سابقة، ومن خلالها ستحاول الطبقة الحاكمة في إسرائيل إقناع الجمهور بأنها انتقمت لقتلاها، بل وأنهت قدرات حماس، فيما ستصر حماس على أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها
لا يعني ذلك أن
مستقبلا ورديا ينتظر الفلسطينيين وغزة، فالمجتمع الغزاوي سيحتاج وقتا طويلا لتضميد
جراحه من هذه الحرب المجنونة، كما أن حماس ستواجه ضغوطا هائلة من مجتمع مسيس بدرجة
كبيرة، والأهم من كل ذلك، أنه ليس لدى الفاعلين الكبار ولا الأطراف العربية القدرة
على فرض رؤاهم وتصوراتهم، من نوع إيجاد حل شامل للقضية وإجبار إسرائيل على
الاعتراف بحق الفلسطينيين، وستراهن جميع الأطراف على الديناميات التي ستنتجها
الحرب في المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، وإمكانية توظيفها بعد ذلك في إنتاج صيغ
جديدة للحل.
على ذلك، المرحلة
المقبلة، ومهما قيل عن أن ما قبل الحرب لن تكون كما بعدها، لن تكون سوى عودة
لسياسات سابقة، ومن خلالها ستحاول الطبقة الحاكمة في إسرائيل إقناع الجمهور بأنها
انتقمت لقتلاها، بل وأنهت قدرات حماس، فيما ستصر حماس على أن إسرائيل فشلت في
تحقيق أهدافها.. وهكذا.
twitter.com/ghazidahman1