يحاول قادة الاحتلال الحفاظ على زخم الهجوم البري بالحديث المتواصل عن تقدم
مستدام للقوات في مدينة
غزة؛ وتجنب الكشف عن الخسائر الحقيقية في صفوف قواته التي
تفضحها التحذيرات المتكررة من "أثمان باهظة وقاسية" يدفعها الاحتلال،
التي جرت على لسان وزير الحرب يؤاف غالانت؛ والوزير في حكومة الطوارئ بيني غانتس؛ ورئيس
الأركان هرتسي هليفي.
الأثمان القاسية التي تهدد بإفقاد الهجوم البري زخمه، يعوضها الغطاء الأوروبي
والدعم الأمريكي الذي رفض وقف إطلاق النار طوال الساعات القليلة الماضية، سواء جاء
على لسان الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي؛ أو على لسان وزير
الدفاع لويد اوستن؛ ووزير الخارجية أنتوني بلينكن؛ والأهم الرئيس الأمريكي بايدن.
فالهجوم البري جاء لرفع الحرج عن حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية، التي باتت
مطالبة بتحقيق إنجاز عسكري يحفظ ماء وجهها في الإقليم والساحة الدولية، بعد أن رفعت
سقفها ليبلغ عنان السماء؛ لاستعادة صورة القوة القاهرة والنافذة في الإقليم.
تأتي المخاوف من توسع القتال إقليميا وضرورة خفض التصعيد، كمؤشرات ضعف وتراجع في القوة القاهرة والنفوذ الأمريكي، إذ أصبحت الولايات المتحدة عاجزة عن حماية مصالحها في المنطقة، أو وقف الهجمات على قواعدها في العراق وسوريا وتركيا، أو بوارجها في البحر الأحمر وبحر العرب قبالة الخليج العربي.
وفي مفارقة واضحة للهجوم البري وزخمه الأمريكي والأوروبي لاستعادة الهيبة
والمكانة الإقليمية؛ تأتي المخاوف من توسع القتال إقليميا وضرورة خفض التصعيد، كمؤشرات
ضعف وتراجع في القوة القاهرة والنفوذ الأمريكي، إذ أصبحت الولايات المتحدة عاجزة
عن حماية مصالحها في المنطقة، أو وقف الهجمات على قواعدها في العراق وسوريا وتركيا،
أو بوارجها في البحر الأحمر وبحر العرب قبالة الخليج العربي.
الضربات الجوية والصاروخية القادمة من اليمن نحو مفاعل ديمونا وميناء إيلات
في
فلسطين المحتلة عام 48، وتصاعد المواجهات في الجبهة الشمالية بالقرب من الحدود
اللبنانية والسورية؛ ألقى بظلال ثقيلة على كلف مواصلة الهجوم البري والجوي على
قطاع غزة، إذ لم تمنعه الحشود العسكرية الأمريكية شرق المتوسط عبر حاملة الطائرات جيرالد فورد
وحاملة الطائرات أيزنهاور في الخليج العربي من الارتفاع.
التقدم البطيء والمكلف لقوات الاحتلال في محيط مدينة غزة وضواحيها والأثمان
المرتفعة للعملية، يتوقع أن تضاعف الخسائر
الإسرائيلية والأمريكية، إلا أن تدخل "حزب
الله" في لبنان في المعركة سيجعل من الكلف أكبر من أن تحتمل. وسواء أعلن
الحزب تدخله بشكل رسمي وواسع أو في عبر وضعه شروطا وقيودا على قواعد الاشتباك في
قطاع غزة، فإن حسابات صانعي القرار في كل من واشنطن وتل أبيب ستزداد تعقيدا؛ دافعة
بها نحو مناورات عبر هدن إنسانية متكررة، أما لفصل المسارات والجبهات، أو لإيجاد
سلم يساعدها النزول عن شجرة الحرب التي أعلنتها على المقاومة في قطاع غزة.
المعركة في الميدان سواء كان في قطاع غزة أو شمال فلسطين، تتحول إلى نزيف سياسي وعسكري كبير للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، لن يتوقف بمجرد توقف الهجوم الأمريكي والإسرائيلي على قطاع غزة.
اتساع نطاق المواجهة تفتح الباب لأضرار كبيرة لا تقتصر على الجانب العسكري؛
فالضغوط تتزايد على الدول الموقعة اتفاقات السلام الأمريكي مع الكيان المحتل، وعلى
رأسها مصر والأردن، الذي استدعى سفيره لدى الاحتلال، وهدد باتخاذ خطوات أكثر تقدما
بتجميد العلاقات والاتفاقات التجارية، علما أن سلطنة عمان سبقته بوقف العمل باتفاقات
العبور الجوي لطائرات الاحتلال المدنية في أجوائها، فضلا عن اعتراف مسقط بحركة
حماس كحركة تحرر وطني فلسطينية؛ ما يجعل من نشاطها المسلح مشروعا ومقبولا لديها.
الضغوط امتدت نحو مملكة البحرين، التي أعادت سفيرها لدى الاحتلال وأوقفت العمل
بالاتفاقات التجارية والأمنية؛ الأمر الذي يضغط على المملكة المغربية، إحدى حلقات
الاتفاقات الإبراهيمية المهمة بعد الإمارات العربية المتحدة، إذ تواجه الرباط ضغوط
شعبية كبيرة لقطع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي؛ الأمر الذي بات مسألة وقت لا أكثر.
ختاما.. المعركة في الميدان سواء كان في قطاع غزة أو شمال فلسطين، تتحول إلى
نزيف سياسي وعسكري كبير للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، لن يتوقف بمجرد توقف
الهجوم الأمريكي والإسرائيلي على قطاع غزة؛ فالآفاق المتولدة عن عملية طوفان الأقصى
في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر تحولت إلى فرصة ثمينة لا يتوقع أن تفوتها القوى
الإقليمية والدولية لإضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة وفي الساحات الدولية، وهو
ما يجعل النزول عن شجرة الحرب بمنزلة سقوط مؤلم لأمريكا وأوروبا والكيان الإسرائيلي
في آن واحد.