تتمزق
قلوبنا حين نستمع كمصريين لصرخات جرحى ومصابين فلسطينيين في مشافي
غزة راجية
السلطات
المصرية التدخل لنقلهم إلى مستشفيات مصرية لإنقاذ حياتهم، بعد تعذر ذلك في
مشافي غزة التي أحالها العدو إلى مقابر لدفن الموتى. لم تجد تلك الاستغاثات
والصرخات استجابة في الوقت الممكن للإنقاذ، كانت السلطات المصرية تنتظر إذنا من
الكيان الصهيوني لقبول دخولهم إلى مصر، صحيح أن مصر قبلت عددا من الحالات ولكنها
تركت مئات الحالات الأخرى تنزف حتى الموت على بوابتها الشرقية، وما زاد الطين بلة
تصريحات وزير الصحة المصري لمحطة "سي إن إن" التي قال فيها إن قرار دخول
المصابين الفلسطينيين إلى مصر ليس بيد مصر ولكنه بيد جهة أخرى لم يسمها!!
لم
يكن المطلوب من مصر الشقيقة الكبرى أن تفتح
معبر رفح لإدخال
المساعدات إلى غزة،
وإخراج المصابين للعلاج في مصر أو غيرها من الدول فقط، بل كان المطلوب أن تتصدى
للعدوان، فتمنعه، وتمنع وقوع الشهداء والمصابين، أو تقلل منهم إلى أدنى حد ممكن.
لا توجد مبررات لغير ذلك، فقد فعلتها مصر نفسها من قبل حين تدخلت بشكل قوي في
2012، وأوقفت العدوان على غزة، ومنعت بالتالي مذابح محتملة.
كما
أن مصر الحالية بغض النظر عن شرعية من يحكمها إلا أنها تمتلك الأدوات الكفيلة بردع
العدوان وإيقافه، والأمر لا يحتاج إلى حرب قد لا تكون مستعدة لها أو راغبة فيها،
ولكن يكفي إظهار "العين الحمراء" عبر بعض الإجراءات الجادة من قبيل وقف
بعض مسارات التعاون، أو حتى سحب السفير كما فعلت دول عربية وغير عربية أخرى، ولم
يتسبب ذلك في اندلاع حرب بينها وبين الكيان، فالأردن الملاصق للكيان مثلا سحب
سفيره، وألغى القمة التي كان من المفترض أن يشارك فيها بايدن، ولم يتعرض لأذى بل إنه
تمكن من إنزال مساعدات جوا إلى غزة (بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي).
تمتلك الأدوات الكفيلة بردع العدوان وإيقافه، والأمر لا يحتاج إلى حرب قد لا تكون مستعدة لها أو راغبة فيها، ولكن يكفي إظهار "العين الحمراء" عبر بعض الإجراءات الجادة من قبيل وقف بعض مسارات التعاون، أو حتى سحب السفير كما فعلت دول عربية وغير عربية أخرى، ولم يتسبب ذلك في اندلاع حرب بينها وبين الكيان
الإعلام
الرسمي وشبه الرسمي في مصر يهلل لما يعتبره دورا كبيرا لمصر لمساعدة غزة، هذا
إعلام لا يعرف قدر مصر التي كانت من قبل قائدة لأمتها العربية، وكانت تسارع فورا
للدعم والإنقاذ دون رفع شعار "مسافة السكة"، هذا الإعلام يعتبر أن مجرد
دخول شاحنات مساعدات بعد الحصول على إذن إسرائيلي هو قمة الدعم والمساندة، ولا
يعرف أن دور مصر أكبر كثيرا من ذلك.. الشكوى من قلة المساعدات التي لا تكفي معشار
الحد الأدنى من الاحتياجات الحياتية والمعيشية في غزة لا تقتصر على أهل غزة،
ولكنها تنطلق أيضا من المنظمات الدولية المعنية بالإغاثة، والتي تتهم مصر بمنع
دخول الشاحنات التي ترابض على أرض ميناء العريش أو في باحة المعبر.
تضمنت
قرارات القمة العربية والإسلامية قرارا بـ"كسر الحصار على غزة وفرض إدخال
قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى
القطاع بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية، وتأكيد
ضرورة دخول هذه المنظمات إلى القطاع، وحماية طواقمها وتمكينها من القيام بدورها
بشكل كامل". وقد مر أسبوع على تلك القمة ولم يوضع هذا القرار موضع التنفيذ،
وتم ترك أهل غزة يواجهون التهجير القسري، والإبادة التي انتقلت إلى المرضى
والمصابين والأطفال الخدج في المستشفيات، صحيح أن بعض شاحنات الوقود دخلت إلى
القطاع، لكن من الواضح أنها جزء من اتفاق يجري طبخه لصفقة تبادل الأسرى، وفوق أنها
لا تلبي الاحتياجات الأساسية فقد تأخر دخولها حتى خرجت المستشفيات من الخدمة عمليا
بسبب توقف المولدات قبل اقتحام تلك المستشفيات من جيش الاحتلال، لقد كان بإمكان
مصر أن تدخل شاحنات الوقود وتنقذ ما يمكن إنقاذه.
يتحجج
البعض بأن السبب في المنع هو السلطات الإسرائيلية التي تسيطر على الجهة الشرقية
للمعبر الواقعة تحت احتلالها، ولكن كان من الممكن لمصر أن تنسق مع الأمم المتحدة،
أو المنظمات الإنسانية الدولية الأخرى مثل الصليب الأحمر، أو في الحد الأدنى تسمح
بدخول شاحنات الإغاثة لبعض الجهات مع تحمّل تلك الجهات المسئولية عن نفسها بعد
عبورها المعبر المصري.
لو كانت السلطات المصرية راغبة في تنفيذ قرار كسر الحصار الذي شاركت في صياغته في القمة العربية لمنحت هذه القافلة الإذن بالتحرك ولوفرت لها كل سبل الحماية والتسويق، لكنها تحرص أن يكون الدعم في حدود دنيا تتحكم بها
في
السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري أطلقت نقابة الصحفيين على لسان نقيبها خالد
البلشي دعوة لتسيير قافلة الضمير العالمي إلى غزة، بهدف كسر الحصار عن القطاع،
ودعت إلى أوسع مشاركة عربية وعالمية فيها، وحددت لها موعدا خلال الفترة من 17 إلى 24
تشرين الثاني/ نوفمبر في انتظار الموافقة الرسمية، وقد تجاوب مع الدعوة العديد من
النشطاء والساسة عبر العالم، وقدم الكثيرون منهم إلى مصر أملا في اللحاق بهذه
القافلة، لكن السلطات المصرية كانت أمام اختبار حقيقي لجديتها، وفشلت في هذه
الاختبار حيث رفضت منح القافلة الإذن حتى هذه اللحظة، واعترضت على أسماء عدد من
المشاركين المصريين فيها، وطلبت أن تكون مجرد قافلة محدودة لنقابة الصحفيين فقط،
بمصاحبة أعضاء مجلس النقابة ورؤساء تحرير الصحف دون مشاركة غير مصرية.
لو
كانت السلطات المصرية راغبة في تنفيذ قرار كسر الحصار الذي شاركت في صياغته في
القمة العربية لمنحت هذه القافلة الإذن بالتحرك ولوفرت لها كل سبل الحماية
والتسويق، لكنها تحرص أن يكون الدعم في حدود دنيا تتحكم بها، ومن ذلك مثلا دعوتها
للتظاهر يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ثم منعها التظاهر تماما بعد ذلك وحتى
الآن. وهذا اختبار آخر لجدية الدعم لغزة، فتلك المظاهرات هي تعبير عن الصوت
الشعبي، وهي تسند ظهر النظام نفسه في مواجهة أي ضغوط لو كان صادقا في نواياه.
أطاحت النكبة الفلسطينية عام 1948 بالعديد من العروش العربية، التي اتهمتها شعوبها بالتسبب في تلك النكبة رغم أن الدول العربية في ذلك الوقت شكّلت جيشا لمحاربة الصهاينة إلى جانب الفلسطينيين، وهو ما لم تفعله هذه الدول ضد العدوان الحالي الذي قد يتحول إلى نكبة -لا قدر الله- وحينها ستدفع العديد من الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام المصري ثمن هذه النكبة
إعلان
الاتحاد الأوروبي اعتزامه تقديم مساعدات بقيمة 10 مليارات دولار لمصر لمساعدة
اقتصادها في مواجهة آثار حرب غزة، وإعلان مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا
جورجيفا، أن الصندوق "يدرس بجدية" زيادة برنامج القروض لمصر البالغ
ثلاثة مليارات دولار نتيجة الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن الحرب؛ يثير شكوكا في
الثمن الحقيقي لهذه "الحنيّة المفاجئة" والدعم المفاجئ، صحيح أن السيسي
كرر أمام مسئولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي موقف مصر الرافض لتهجير
الفلسطينيين، ولكن هذا الموقف قد ينهار عندما لا يجد الفلسطينيون المكتظون أمام
المعبر هربا من القتل بدا من العبور غربا ولو اقتضى الأمر تحطيم الحواجز كما حدث
في 2008. كما أن الغرب عموما يحتاج لمصر في تمرير بعض الإجراءات الأخرى غير
التهجير معتمدا على نوايا النظام المصري الحقيقية تجاه حركة حماس، وربما كانت تلك
المليارات لتمرير بعض تلك السياسات.
أطاحت
النكبة الفلسطينية عام 1948 بالعديد من العروش العربية، التي اتهمتها شعوبها
بالتسبب في تلك النكبة رغم أن الدول العربية في ذلك الوقت شكّلت جيشا لمحاربة
الصهاينة إلى جانب الفلسطينيين، وهو ما لم تفعله هذه الدول ضد العدوان الحالي الذي
قد يتحول إلى نكبة -لا قدر الله- وحينها ستدفع العديد من الأنظمة العربية وعلى
رأسها النظام المصري ثمن هذه النكبة.
twitter.com/kotbelaraby