منذ بداية (طوفان الأقصى)، والخطاب الديني الرسمي الدائر في الفلك
الرسمي أو السلطة في مصر، يمر بعدة أحوال وأطوار، فقد بدأوا صامتين، لأن النظام
الذي يدورون في فلكه لم يعلن بعد عن
رأيه، حتى أتت الإشارة بالتحرك والتكلم،
مؤيدين لأهل
غزة، والوقوف بجانبهم، والحديث عن حقهم، وعن وقف العدوان عليهم.
على خلاف الأزهر ممثلا في شيخه الدكتور أحمد الطيب، الذي كان منذ أول
لحظة واضحا وثابتا في موقفه، حتى شكا من موقفه الاحتلال، ونشرت مواقع على ألسنة
مسؤولين فيه حثهم السيسي على عزله، أو إسكاته عن الحديث عن أهل غزة، وما يجري
فيها، وبخاصة أن خطابه منذ أول لحظة كان قويا، بل يزداد قوة، كلما ازدادت بشاعة
وجرم العدوان.
بينما مشايخ السلطة، أو الخطاب الرسمي الذي انتظر حتى تتضح له رؤية
السلطة ذاتها، وكان على رأس هؤلاء المفتي السابق الدكتور علي جمعة، الذي فجأة
ارتدى الكوفية
الفلسطينية، وتكلم في مجلس النواب المصري، ولكن حديثه كان واضحا أنه
مدفوع إليه دفعا، فبعد حديثه عن العدوان، فجأة وجدناه يطلب تفويضا للسيسي، بالدفاع
عن سيناء، رغم أن السيسي هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهذه وظيفته، فكيف يفوض
لأداء وظيفة هو منتخب حسب اعترافهم لها؟!
لكن هذا الكلام الثوري على لسان جمعة وإخوانه، لم يدم طويلا، ففجأة
جاءت الأوامر باسكريبت إعلامي آخر، فجأة وجدنا الإعلام في مصر يقسم الأدوار، ما
بين من يدافع كمصطفى بكري، وبين من يهاجم المقاومة، فخرج إبراهيم عيسى، ثم تلاه
إسلام البحيري، وكلامهم كان واضحا في الوقيعة بين أهل غزة وبين مقاومتها، في عمل
مكشوف ومفضوح.
لكن إذ بعلي جمعة ينحو نحوا آخر، فأصبح يهاجم بشكل فج، ولكنه يلبسه
لباس الخطاب الديني، والتصنيف، فيقوم أحد تلامذته المحسوبين عليه، بسؤاله عن الفرق
بين اليهودية والصهيونية، وهل المقاومة فيها أفكار مخالفة؟ فيجيب جمعة بأن
اليهودية ديانة سماوية، نؤمن بها، وهو كلام لا غبار عليه، ثم يعرف الصهيونية بأنها
جماعة سياسية تخلط الدين بالسياسة، مثل الإخوان!! ثم ينتقل بعدها مباشرة، للحديث
عن المقاومة، بأن فيها مجموعة تتبع فكر الخوارج، قاصدا بذلك من تنتمي فكريا
للإخوان. هكذا أجاب جمعة.
ورغم أن كلام جمعة هراء في هراء، ولا يستقيم علميا عند أصغر طالب علم
في الأزهر، أو في الدراسات الشرعية، فخلط الدين بالسياسة كما يزعم، هو أول من قام
به، حين قام بتأييد الانقلاب العسكري، وحين قام في كل محفل سياسي مؤيد للسيسي،
متكلما باسم الدين، فلو كانت الصهيونية هي خلط الدين بالسياسة كما قال، لكان بذلك
التعريف والفعل ممن ينتمون إليها.
ثم إن الخوارج لا يمكن أن تلتقي مع الإخوان، ولا مع المقاومة التي
تنتمي فكريا للإخوان، فبنظرة سريعة على مبادئ الخوارج التي ندرسها في الأزهر،
ويعرفها علي جمعة علم اليقين، لا تتوفر أي صفة منها فيهم، فهم لا يكفرون مرتكب
الكبيرة، بل إن جمعة نفسه نشأ تكفيريا كما ذكر بعض من عرفوه من قبل، في بداية
تدينه.
وهم كذلك لا يؤمنون بالخروج المسلح على الحاكم، بل إن جمعة نفسه
وأنصار الانقلاب، هم الخوارج بهذا المعنى، فالذي خرج على الحاكم الشرعي المنتخب،
هم أنصار الثالث من يوليو من السيسي وحتى آخر متظاهر أيد هذا الانقلاب، فمصطلح
الخوارج ينطبق عليهم تماما، وعلى جمعة.
الشعوب العربية والإسلامية لم تعد تهتم بخطاب وحديث من يتبع أنظمة، ترى الأطفال والنساء والبيوت والمستشفيات تهدم فوق رؤوس المرضى والمدنيين، دون فعل شيء، فما بالنا والحديث يتجه اتجاها آخر، يخدم الاحتلال، ولا يخدم أصحاب الحق، فهو لا يزيدهم في نظر سامعيهم سوى تأكيدا لما تأكد من قبل، من أنهم خدام أي سلطة، ولم تعد الأمة تبحث عن الخدام، بل تبحث عن الأحرار لتسمع كلامهم، وتقتدي بأفعالهم.
ولا أدري كيف توصف المقاومة بالخوارج، وهي التي جاءت بالانتخاب أيضا،
وفي أرض محتلة، فلو حكم عليها بأنها ترفض المحتل بأنها خوارج، لحكم بذلك على كل
حركات التحرر في مصر بأنهم خوارج، ومنه الجيش المصري في
حربه في السادس من أكتوبر
سنة 1973م.
ما أن انتهى علي جمعة من هرائه عن المقاومة ونسبتها للخوارج، حتى خرج
سعد الدين الهلالي في اليوم الذي يليه مباشرة، ليتحدث أيضا حديثا يسير في نفس
الطريق، وفي مسارات أخرى تلتقي مع كلام البحيري وجمعة، مما يشعرك بأنه اسكريبت
إعلامي مكتوب ويوزع عليهم، وهو غير مستغرب على إعلام أطلق عليه: إعلام السامسونج.
المفاجأة الكبرى هنا، أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي
منذ عشرة أيام، أي قبل حديث جمعة والهلالي، قام ببث فيديو على قناته على اليوتيوب،
يقول نفس الكلام، بأن المقاومة خوارج، ويستدل بالأحاديث التي في الخوارج، ويسقطها
بكذب مكشوف عليهم، وهو ما كان يبثه من قبل أدرعي، ويلح عليه منذ فترة، منذ بداية
(طوفان الأقصى).
هذه موافقات لا تأتي عبثا، فصعب على خطاب يسير بهذا الشكل، أن يكون
كل منهم يقدح من رأسه، ومن يعود لفيديو أفيخاي سيجد نفس النفس في الكلام، مما
جعلنا نشعر بأن أفيخاي كان المايسترو الذي يقود جمعة والهلالي وإخوانه، أو هناك
مايسترو يقود الجميع، ليقوموا جميعا بنفس الغرض، ولخدمة نفس الجهة التي لصالحها هي
فقط الإساءة للمقاومة، وهي إساءة دائما ترتد في وجه صاحبها، وقد رأى الجميع ما حدث
مع الفنان بيومي فؤاد، ومع الناشط وائل غنيم، وردود الأفعال معهما، مما اضطر وائل
للاعتذار لأهل غزة.
ينسى هؤلاء ومن انتدبوهم لهذه المهمة، أن الشعوب العربية والإسلامية
لم تعد تهتم بخطاب وحديث من يتبع أنظمة، ترى الأطفال والنساء والبيوت والمستشفيات
تهدم فوق رؤوس المرضى والمدنيين، دون فعل شيء، فما بالنا والحديث يتجه اتجاها آخر،
يخدم الاحتلال، ولا يخدم أصحاب الحق، فهو لا يزيدهم في نظر سامعيهم سوى تأكيد لما
تأكد من قبل، من أنهم خدام أي سلطة، ولم تعد الأمة تبحث عن الخدام، بل تبحث عن
الأحرار لتسمع كلامهم، وتقتدي بأفعالهم.