شاعر فذّ نافس بشعره مجموعة شعراء المقاومة في
فلسطين في الستينيات،
غير أنه لم يكن منهم، بل كان لاجئاً منذ عام 1948، من قريته سمخ. كما أنه لم
تحتضنه بيروت في السبعينيات، ولم تُبرزه أُطر منظمة التحرير الفلسطينية لاحقاً..
ورغم مضامينه الثريّة بالمعاني وموسيقاه الغنية بالإيقاع، إلا أنه
فقد كل عناصر البروز والريادة في مجتمع الشعر الفلسطيني، أعني بها العلاقات العامة
والإعلام. حتى أعماله الكاملة لم تُجمع إلا بعد وفاته بمبادرة من أصدقائه.
من هو شاعرنا؟
هو فوّاز قاسم الحاج عيد، ولد في بلدة سمخ قضاء طبريا ونشأ بها.
وعندما حلّت كارثة عام 1948، كان في العاشرة من عمره، فهاجر مع أسرته إلى سوريا،
حيث أقامت العائلة في قرية العال بالجولان، وهناك تابع دراسته الابتدائية، ثم
انتقل إلى مدينة درعا فأكمل تعليمه الإعدادي والثانوي في مدارسها. ثم انتسب إلى
جامعة دمشق عام 1960، وتخرج منها عام 1963 مُجازاً في اللغة العربية وآدابها. ثم
حصل على دبلوم التربية عام 1964، ثم دبلوم التربية الخاصة عام 1965. في كلية
التربية بجامعة دمشق عام 1965، مما سهّل عليه الحصول على وظيفة في التدريس، فعمل
مدرّساً. في الجامعة بدأ بنشر قصائده من على مقاعد الدراسة الثانوية في أواخر
الخمسينيات في مجلة الآداب البيروتية الأدبية الشهيرة.
بدأ يُعيل والدته وشقيقاته بعد طلاق والديه. حمل عبء الأسرة في وقت
مبكر من العمر وأصبح ربّ أسرة في بداية الشباب، يواجه الفقر الشديد والرغبة في
التعلّم الجامعي، والتعليم براتب متواضع يتقاضاه كل 3 أشهر.
تحسنت أحوال فوّاز بعد أن أنهى دراسته الجامعية، مما مكّنه من
الانتقال إلى بيت جديد في دمشق، ومن ثم الانتقال إلى بيت أكثر جمالاً واتساعاً.
عمل بعد تخرّجه في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين
"الأونروا" وفي المدارس وزارة التربية السورية، وذلك لعدة سنوات عمل
خلالها أيضاً في الصحافة والإعلام، كتب خلالها برامج إذاعية وتلفزيونية، وعمل
مراقباً للأفلام في التلفزيون السوري. قبل أن يهاجر للعمل في السعودية في مطلع عام
1967.
في السعودية، عمل نحو خمس عشرة سنة، غاب نسبياً عن الأجواء الشعرية
والأدبية والتفاعل الثقافي وحروبه في بيروت، وانعزل قليلاً لتوفير لقمة العيش
لأسرته وعائلته الكبيرة أيضاً. وهناك عمل في التدريس والصحافة، فكتب في عدد من
الصحف، منها: الشرق الأوسط وعكاظ والرياض، ومجلة اليمامة. وعمل منتجاً للبرامج في
الإذاعة السعودية.
عاد عام 1982 من السعودية إلى دمشق، في ظل نكبة جديدة هي الاجتياح
الإسرائيلي إلى لبنان، حيث تفرق شمل الشعراء والمدارس الشعرية وتفاعل الاحتكاك
الثقافي الحيوي في بيروت.
وشاعرنا الذي كان عضواً في اتحاد الكتاب العرب بدمشق، واتحاد الكتاب
والصحفيين الفلسطينيين، مُنح درع الشهيد غسان كنفاني الذين زيّن بالعبارة التالية:
"هنالك رجال ينبتون في أرض المسؤولية، كما ينبت الشجر في الأرض الطيبة،
حريصون على إعادة المجد للكلمة".
توفي الشاعر فواز عيد في دمشق عن عمر يناهر الستين إثر جلطة دماغية
في 30 كانون الثاني (يناير) عام 1999، وله عشرة أولاد وبنت واحدة.
يقول صديقه رشاد أبو شاور: "ولقد توفي في دمشق وهو مغمس بالعوز
أو بالفقر. مات فقيراً ونُسيَ بسرعة، وأُهمل شعرُه إلى حد بعيد، بل أُهملت ذكراه،
فصار مآله إلى الإهمال والإغفال. لقد كفّنّاه بالنسيان الذي هو الموت الحقيقي لكل
مبدع، مع إنه شاعر نادر في هذا الزمن..".
يُعدّ فواز من الشعراء المبدعين في تيار الحداثة، غير أنه لم يكن
حاداً في كسر المألوف من الشعر، فالتزم إيقاعاًغنائياً وأوزاناً خليلية في شعره.
وقد تحدث النقاد عن تميّز لغته الشعرية وموسيقاها الغنائية، وتعابيره التصويرية،
ولغته السهلة الأخاذة. كما تميّز شعره بالحس الوطني والوجداني والإنساني، فعكَس
بذلك واقع وآمال ومعاناة الإنسان العربي
الفلسطيني.
ذُكر في معجم البابطين عنه: بشعره نزعة ذاتية إنسانية ووطنية. فشعره
يجيء تعبيراً عن رغبته في الانعتاق والخلاص له ولوطنه: فلسطين خاصة، وأمته العربية
بوجه عام. يميل إلى استخدام الرمز، والتعبير بالصورة مع قدرة على التخيل، واستثمار
طاقات جديدة لمكونات اللغة حروفاً وألفاظاً وأنساقاً، ينتمي شعره إلى ما يعرف بشعر
التفعيلة الذي يستخدم النظام السطري شكلاً للكتابة، مع التزام بأبحر الشعر
الموروثة.
أعماله:
1 ـ في شمسي دوار، شعر، بيروت 1963، دار
الآداب.
2 ـ أعناق الجياد النافرة، شعر، بيروت
1969، دار الآداب.
3 ـ من فوق أنحل من أنين، شعر، اللاذقية
1984، دار الحوار.
4 ـ بباب البساتين والنوم، شعر، دمشق 1988،
اتحاد الكتاب العرب.
5 ـ في ارتباك الأقحوان، شعر، 1999.
6 ـ نهارات الدفلى، نثر، دمشق 1991، دار
الأهالي. وهو مذكرات شخصية عن حرب فلسطين النكبة 1948 في 64 عنواناً، بصياغة أدبية
باهرة، وقد تحول إلى مسلسل تلفزيوني عن النكبة وحياة اللاجئين..
7 ـ الأعمال الشعرية الكاملة، المؤسسة
العربية للدراسات والنشر، عمان 2002.
من قصيدة: أعناق الجياد النافرة
مظلّلةٌ بأعناق الجياد وبالثمار دروبُ غرناطهْ
ودارُ حبيبتي والنّهر بالدّفلى
وقلبُ صبيّةٍ بالطلّ والأحزانْ
وتنتظرين خلف البابْ؟!
وقد نفرتْ جيادُ الليل والعجلاتُ
عكّرتِ المياهَ ففرّتِ الأسرابْ
وتنتظرينَ خلف البابْ؟!
ووحدي مَن رأيتُ قميصه ودمَهْ
وأوسمةً على الكتفين في الوادي
ووحدي كنت أملأ سلّتي بالدّمع والثّمرِ
وأرجع والنّدى الليليّ يسقط في كروم السفحِ
مرتعشًا
وفي قلبي
وتنتظرينَ خلف البابْ؟!
قصيدة: لمن يصير الزيت في الزيتون؟
زعموا بأنك راحل..
في نبعة الفجر.. الذي
قد جاءنا يوماً.. معك
إن كنت محزوناً.. قليلاً
فانتظر.. لنشيعَك
وإذا رحلت..
وما التفت..
فهب لنظرتنا الكسيرة.. مِنّةً
كي تتبعَك
إن الذي قد كان أوجعنا..
زمانا هاهنا
قد أوجعَك
إذ كنت يوماً صاحبي..
وأخي.. صديقي.
ما الذي.. قد غيرك
إنا نحبك..
فاتّقِ الله الغفور
لهفوة صغرى
وسامحنا على أحلامنا الأولى.. معك.
قد كنت فينا زهرة الليمون..
عطراً ذائعاً.. ملء الكروم
وكنت صيفاً ذاهباً..
بالشمس.. للبستان
والثمر القديم
وذاهباً بالشمس
حتى شرفة الوادي الكبير
وذاهباً بالطفل.. حتى الثدي
والنوم المرصَّع بالنجوم
وذاهبا بأبي..
إلى أمي التي عشيت
لتنثر فضة العينين
ملء رسالة
من آخر الشفق الضرير
وملء ذكراها القديمة
حين فاجأها المخاض
بصرخة أولى
فضَجّ الياسمين على السياج.
قد كنت فينا سيد الأعراس
عصراً ذاهباً بالبنت..
حتى ليلة الحناء
همهمة الدرابك
وانكسار الفيء.. عند العصر..
في قلبي
بتلويح المعاصم بالأساور..والذهب.
للناس أغنية..
وللأعراس أغنية..
ولي هذي الإشارة كلها..
وعد.. بحب.
قد كنت فينا
ذاهبا بالناس.. نحو الناس..
أرأيت ما قد كنت تأخذني إليه..
فما الذي قد غيرك..
إن كنت محزوناً قليلاً..
فانتظر لأشيِّعَك.
إن تبتعد عني..
مسافة صرخة..
قل لي إذن
ما الوقت بعدك
ما الكلام
ما الصيف
ما المر الذي يسقي ظلالك جانبي
ما المر..
يسقي روح هذا الزهر في الدفلى
وما معنى التحية.. والسلام
إن كنت تسعد بالمسافة..
فابتعد.
أرجوك..
خذ.. ما شئت منا.. وابتعد.
وإذا رحلت..
بغير ما تلويحة
فلمن إذن خلفتنا..
للعابرين بنا..
لنسألهم.. ولا يلتفتون
قل لي.. لمن؟
إن لم تكن لك..
أو لنا..
فلمن تموج إليه
آلاف العصافير الصغيرة..
في المساء..
ولمن إذن..
تتبرج الدفلى
وإذا رحلت..
أو ارتحلنا كلنا..
فلمن نكون
ولمن يكون الصيف..
والقمر الطري على النوافذ..
والمهود.. يهزها..
كي ينعس الحراس..
في ليل السجون.
وإذا رحلت..
أو ارتحلنا كلنا..
فلمن يصير الزيت.. في الزيتون
ولمن نخبئ
دمعة اللقيا المجرحة البهيجة
في العيون.
ولمن إذن
يتكور الفخار.. والليمون
ولمن تهب الريح..
أو.. تغفو على قلق الغصون
ولمن تجيء له الرسائل..
من عواصم آخر الدنيا.. لمن
أرجوك.. أخبرني..
بحرمة والديك
لمن.. لمن.
ولمن ستترك شمسنا
فوق الرصيف..وحيدة
تشكوك.. لك.
أي الديون عليك..
نقضيها..
لتنهب بيدرك.
أرجوك..
قل لي واسترح
وأرح سؤالي مرة..
كي يعذرك.
ما الشعر..إلا أنت
إذ تبقى معي..
أنت القصيدة..
قبل أن يمضي بها الشعراء
أنت قصيدة النهر..
الذي.. لا يعرف الإملاء والإنشاء
بل.. أنت الرغيف
الشمس حين تصبح واضحة
فتصهل في مرابطها الخيول..
ولأنت منحدر الزهور..
إذا مضت..
تعطي الشفاه..
لكل أنسام الحقول.