وفي معبر رفح يُفتقد البدر

في الحرب الضروس التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي المدعوم بقوات وترسانة عسكرية أمريكية غربية ضد غزة، لا يوجد منفذ للقطاع سوى البحر الأبيض ومعبر رفح البري مع مصر. أما البحر، فمغلق بشكل دائم من خلال حصار عسكري بحري إسرائيلي، حيث رفض الكيان في مفاوضات مدريد وأوسلو منح الفلسطينيين ميناء بحريا في غزة، كما رفض منحهم مطارا، لأنه حريص على إبقاء القطاع تحت رحمته، ولأنه يعرف أن وجود الميناء والمطار سيحرر غزة تماما من أي احتياج إليه، وسيحوّلها عمليا إلى نواة لوطن مستقل.

يبقى المنفذ الوحيد نحو العالم هو المعبر البري مع مصر (معبر رفح)، وهو في الأصل محكوم باتفاقية فيلادلفيا الموقعة بين مصر والكيان الصهيوني كإطار عسكري مكمل لاتفاقية كامب ديفيد في العام 2005، عقب انسحاب إسرائيل من القطاع، وينص على أن تتولى قوة من حرس الحدود المصري قوامها 750 جنديا، وتخضع لمراقبة القوات متعددة الجنسية الموجود في سـيناء، والتي تمارس مهامها تحت قيادة أمريكية.

عمليا كانت إدارة المعبر تسير بتوافقات مشتركة بين الجانبين المصري والفلسطيني (حماس)، وكان المعبر يُستخدم كورقة ضغط مصرية على الجانب الفلسطيني في عهد مبارك، لكنه أصبح مفتوحا بشكل دائم عقب ثورة يناير وخلال حكم الرئيس مرسي، ثم عاد للإغلاق المتقطع عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013.

كان الموقف المصري الرسمي المعلن رافضا للعدوان الإسرائيلي، لكنه كان أمام اختبار حقيقي لجديّته عبر إدخال المساعدات الإنسانية التي تجمعت شاحناتها أمام المعبر، إلا أن السلطات المصرية تعللت بأن المعبر مغلق من الجانب الإسرائيلي، وأن الضربات الإسرائيلية التي لحقته تمنع مرور الشاحنات

خلال الأيام الماضية ومع اشتداد وطيس الضربات الإسرائيلية ضد غزة، وما سبّبه ذلك من احتياجات عاجلة لمعونات إنسانية غذائية ودوائية، والاحتياج لنقل الجرحى للعلاج خارج القطاع، عمدت قوات الاحتلال إلى قصف المعبر عدة مرات، ولم يطل القصف الجانب الفلسطيني فقط بل طال الجانب المصري أيضا. كان الهدف هو تأكيد ولاية إسرائيل على المعبر، وأنها هي صاحبة الحل والعقد في فتحه وإغلاقه، وكان الهدف أيضا منع وصول أي معونات إنسانية إلى القطاع بعد أن تجمعت عشرات شاحنات المساعدات الواردة من مصر وبعض الدول العربية والإسلامية الأخرى، بل إن سلطات الاحتلال منعت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش من العبور لتفقد الوضع الإنساني في القطاع، وتقديم الدعم المعنوي لموظفي وكالة الأمم المتحدة للإغاثة (الأونروا).

كان الموقف المصري الرسمي المعلن رافضا للعدوان الإسرائيلي، لكنه كان أمام اختبار حقيقي لجديّته عبر إدخال المساعدات الإنسانية التي تجمعت شاحناتها أمام المعبر، إلا أن السلطات المصرية تعللت بأن المعبر مغلق من الجانب الإسرائيلي، وأن الضربات الإسرائيلية التي لحقته تمنع مرور الشاحنات.

هنا لنا أن نقارن الموقف الرسمي المصري في التعامل مع العدوان، ومع استخدام المعبر لإدخال المساعدات بما حدث إبان العدوان الإسرائيلي في 2012. ونحن نردد "في الليلة الظلماء يفتقد البدر" أو لنقل في أزمة المعبر يفتقد البدر، حيث قرر الرئيس الراحل محمد مرسي رحمه الله فتح المعبر لدخول المساعدات بقرار أحادي لم يستأذن فيه السلطات الإسرائيلية، أو حتى الأمم المتحدة، بل إنه أرسل رئيس وزرائه هشام قنديل، ووفدا رفيعا إلى غزة أثناء العدوان، بعد أن أطلق صيحته الشهيرة "لن نترك غزة وحدها"، وهو ما دفع الولايات المتحدة للمسارعة بممارسة أكبر قدر من الضغوط على السلطات الإسرائيلية لوقف العدوان فورا.

نقارن الموقف الرسمي المصري في التعامل مع العدوان، ومع استخدام المعبر لإدخال المساعدات بما حدث إبان العدوان الإسرائيلي في 2012. ونحن نردد "في الليلة الظلماء يفتقد البدر" أو لنقل في أزمة المعبر يفتقد البدر، حيث قرر الرئيس الراحل محمد مرسي رحمه الله فتح المعبر لدخول المساعدات بقرار أحادي لم يستأذن فيه السلطات الإسرائيلية، أو حتى الأمم المتحدة، بل إنه أرسل رئيس وزرائه هشام قنديل، ووفدا رفيعا إلى غزة أثناء العدوان

لنعد هنا إلى مذكرات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون بعنوان "خيارات صعبة"، والتي خصصت فيها فصلا كاملا بعنوان "غزة خطة لوقف إطلاق النار"، تحدثت فيه عن دور الرئيس مرسي في إيقاف ذلك العدوان. لقد قطعت هيلاري جولة آسيوية لتعود مباشرة إلى فلسطين لممارسة دور الوساطة لوقف القتال، واتجهت لاحقا إلى القاهرة حيث أول رئيس مدني عقب ثورة شعبية رفعت القضية الفلسطينية عاليا ضمن جدول اهتماماتها. وكانت هيلاري قد بدأت مهمتها قبل أن تصل إلى المنطقة عبر اتصال مع وزير الخارجية المصري آنذاك محمد كامل عمرو، لتحثه على قيام مصر بالوساطة كما كانت تفعل من قبل، لكنها فوجئت برد مختلف من الوزير الذي أكد أن مصر لا يمكن الآن أن تطلب من حماس وقف عملياتها. فهمت الوزيرة أن مصر الآن هي طرف داعم للمقاومة وليست مجرد وسيط، ومع ذلك حرصت على التعاون معها لإنهاء القتال.

في لقائها مع الرئيس مرسي أكدت هيلاري أنه كان يدقق في كل جملة وفي كل كلمة تضمنتها مسودة اتفاق وقف إطلاق النار، مستفسرا عن دقة الترجمة. وتضمنت الصياغة النهائية وقفا متزامنا لإطلاق النيران من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وفتح معبر رفح حيث تدفقت المعونات الإنسانية بلا حد أقصى، وهو ما مثّل انتصارا للمقاومة فرح به الفلسطينيون وكل العرب والمسلمين.

صحيح أن مشاورات مصرية أمريكية توصلت مؤخرا لاتفاق بعبور 20 شاحنة فقط من بين مائة شاحنة كانت جاهزة للدخول إلى غزة، ولكن دخول هذا العدد من الشاحنات ليس كافيا لمواجهة الكارثة التي تحتاج أكثر من 7500 شاحنة، كما أن دخول 20 شاحنة صاحبه عملية إذلال وتهديدات من الجانب الإسرائيلي لم نرها من قبل.

حتما سينتهي العدوان، ومهما كانت الخسائر فإن غزة لن تختفي، بل ستحتفي بانتصارها، وستفرض كلمتها، وتحقق للفلسطينيين عموما حلمهم في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.

twitter.com/kotbelaraby