في مؤتمره الصحفي
مع المستشار الألماني أوضح
السيسي ما أوضحه غير مرة -إلا النذر اليسير- فهو يريد
التأكيد على معتقداته ومنطلقاته، ولم يعط وقتا كافيا لِدُماه الإعلامية بل
وللمخدوعين من أبناء الأمة حتى خرجت قيادات من حماس تثمن "دور الأشقاء في
مصر"،
وخرج سياسيون مسئولون في كبرى الحركات الإسلامية بتثمين ودعم بيان خارجية نظام السيسي
بل تجاوز بعضهم بتبرير أو تحليل ما يتعرض له النظام المصري من ضغط. لم يترك السيسي
فرصة طويلة للأذرع الإعلامية أن تكمل دور الوطنية -ولا لحكماء السياسة الذين
يعلمون ما لا نعلم- بأن عدم السماح بتهجير أهل
غزة من منطلق حرصه عليهم وعلى
القضية الفلسطينية إذ فاجأهم أن عدم
التهجير المقصود هو لسيناء فقط، ومبرره في ذلك
وضحه كما وضحه من قبل ألا تكون
سيناء قاعدة خلفية للاعتداء على الكيان الصهيوني
المسمى
إسرائيل.
وقد أسهب في
الشرح، إذ أوجد لهم حلا عبقريا بأن يتم تهجير أهل غزة إلى صحراء النقب، وهذا
يحقق عدة أهداف في آن واحد..
الأول: ما أسلفت
بألا تكون سيناء قاعدة خلفية لتوجيه ضربات لإسرائيل، وقد أعلن عدم سماحه بذلك
مطلقا منذ سنوات.
الثاني: ما أعلنه
السيسي لإتاحة الفرصة لجيش الاحتلال بسحق المقاومة (الجهاد وحماس والفصائل الأخرى)
وفقاً لنص كلامه الذي قال فيه "وفقا للأهداف المعلنة".
الثالث: رفع
الحرج عن الكيان الصهيوني -وهو لا يستشعر الحرج أصلا- في قصف المدنيين
والمستشفيات والمدارس ومؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية
الرابع: وضع شعب
غزة تحت السيطرة الكاملة والتحكم فيهم بالمنح والمنع والتأديب إن لزم الأمر، كأنهم
في سجن كبير اسمه سجن النقب.
ولم يفت السيسي
أن يشرح أسباب الوضع الراهن، مبتدئا بإلقاء اللائمة على الكيان الصهيوني الذي لم
يحل دون تطوير فصائل المقاومة لقدراتها العسكرية وأن الكيان هو المسئول عما يحدث
له الآن من عمليات "إرهابية"!!!
وقد أدان السيسي
غير مرة ما قامت به المقاومة يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ابتداء من لقائه
بوزير الخارجية الأمريكي وانتهاء بلقائه المستشار الألماني، ومثنيّا بعدم موافقة
الكيان الصهيوني المسمى إسرائيل على إنشاء دولة فلسطينية "منزوعة السلاح"،
وقد أكد على كونها منزوعة السلاح. وبالطبع ما لم يقله -وهو المعلوم من الواقع
بالضرورة- عن كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وذلك كان يتطلب
صناعة خاصة غير مفضوحة بالتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، وكان يكفي أن يكون ذلك
سرا إلا أنهم كانوا يتبارون في إظهار ذلك، بل إن محمود عباس كان يجاهر وربما
يفاخر بذلك، وشرطته لم تفلح في شيء غير قمع مظاهرات الفلسطينيين الأحرار في الضفة
واعتقالهم، وما أحداث أمس منكم ببعيد، وهو ما يفقده الاحترام اللازم لاستمراره في
سدة الحكم الموهوم في بلاط صاحبة الجلالة المسماة إسرائيل.
ولا يخفى على طفل
مميز وضوح الصورة، وقد يتعجب أن السيسي لم يهدد بجعل درجة استعداد الجيش في سيناء
حالة قصوى مثلا، واستعداده للرد إزاء أي تهديد ولو حتى على سبيل المناورة أو
الضغط، ولكن ما فات هذا الطفل فما دونه أو فوقه أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك لأسباب لا
تحتاج إلى شرح.
ولم يعرج السيسي
ولو من طرف خفي أو بعبارة خجولة عن ضرب الكيان الصهيوني لمعبر رفح، وهذا لا يجوز
بين الأصدقاء، ولا تحدثني عن السيادة والريادة فكلاهما في إجازة.
ولم يتحدث عن
اضطراره لإدخال المساعدات للشعب المحاصر، ولو على سبيل التهديد بانفجار الشعب المصري
وخروجه في مظاهرات مليونية تنديداً بقتل الشعب الفلسطيني عمداً وربما تزحف نحو
المعبر لكسر الحصار وإدخال المساعدات.
لكنه هدد فقط
بإخراج هذه المسيرات مؤيدة له بعدم تهجير أهل غزة إلى سيناء، بعد حفلات الإعلاميين
ولبس ثوب الوطنية المفاجئ لهؤلاء الذين راحوا قبل ذلك يصفون حماس بأنها جماعة
إرهابية. سيخرج هؤلاء اليوم بالدعوة إلى التهجير القسري لأهل غزة إلى صحراء النقب
وأن هذا لمصلحة أهل غزة، وسيُلبسون ذلك لباس حكمة وحنكة ورحمة الزعيم القائد.