بعد
تسعة أيام على هجوم طوفان الأقصى فما زال الإسرائيليون يرصدون أبرز جوانب الفشل
والإخفاق، وسلوك الخداع الذي مارسته
حماس، مقابل الوهم الذي وقع فيه الاحتلال في
حبّ التكنولوجيا التي قامت حماس بتعطيلها بسهولة عن طريق ضرب تقاطعات الاتصالات
بمساعدة الطائرات بدون طيار والقناصين، والنتيجة تمثلت في سيطرة مطلقة لمقاتلي
الحركة في الميدان، وتحرك بقوات زائدة، ونصب كمائن عند مفترق الطرق.
رون
بن يشاي الخبير العسكري الإسرائيلي ذكر أنه "في اليوم التاسع من القتال، ما
زالت تتضح الأبعاد القاتلة للضربة التي تعرضنا لها. لقد ذهبت إلى كيبوتس زيكيم،
أردت أن أعرف بنفسي لماذا وكيف لم يعرف الجيش، ولم يتحرك بسرعة لوقف ما حصل، خاصة
بعد أن تبين أن جميع المعسكرات العسكرية تعرضت للهجوم، عبر وصول سيارة ركاب مغلقة
من نوع "سافانا"، شوهد فيها رجال مسلحون يصلون إلى الجزء الغربي من الكيبوتس،
حتى اعتقد عدد من المستوطنين أنهم جنود إسرائيليون".
نقاط الضعف
وأضاف
في مقال مطول نشرته صحيفة "
يديعوت أحرونوت"، وترجمته "عربي21": "من خلال تجوالي في مستوطنات
قطاع غزة، ظهرت أمامي صورة مزعجة عن استهانتنا بخطورة حماس وتعقيدها من ناحية، ومن
ناحية أخرى تقييم حماس الدقيق لنقاط ضعفنا، وللنظام التكنولوجي الذي غالبا ما
افتخر به الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية، مع أن هذا ليس السبب الوحيد المتسبب
في الفشل الذريع، بل النقص التام في فهم جوهر وطبيعة العدو الذي يقف أمامنا، ولعلنا
بسبب كثرة الأشجار، لم نر الغابة التي تنمو تحت أنوفنا".
وأشار
إلى أن "الخطأ الاستراتيجي الأول للاحتلال كان سياسيا، فقد انتهج نتنياهو
سياسة واضحة تحافظ على حماس كحكومة في غزة، وسلطة محمود عباس كحكومة في الضفة
الغربية، حتى يتمكن من إيصال فكرة خطأ حلّ الدولتين، والخطأ الثاني أن إسرائيل
سمحت لحماس بتنفيذ عملية احتيال استراتيجي عليها، فقد خلقت الحركة انطباعًا منذ
عملية حارس الأسوار في أيار/ مايو 2021 بأن كل ما تريده هو تحسين الظروف
الاقتصادية والاجتماعية والصحية لسكان قطاع غزة، وأن أحداث الإرباك الليلي في
الأشهر الأخيرة لم يكن هدفها سوى تخفيف الحصار الذي تفرضه إسرائيل على غزة".
وأوضح
أن "حماس مارست علينا خداعا كبيرا بالتظاهر بأنها حكومة لا يهمها سوى رفاهية
سكانها، وجعل إسرائيل تنام، والسماح لحماس بالتخطيط، وجمع المعلومات الاستخبارية،
والتدريب على الضربة الكبيرة التي ستوجه لإسرائيل، ولهذا السبب تظاهرت حماس بأنها
فتى طيب، وتجنبت مساعدة الجهاد الإسلامي التي هاجمتها إسرائيل في العديد من عمليات
اغتيال القادة في السنوات الأخيرة، حتى بات الجيش الإسرائيلي يسوّق أطروحة
"حماس المردوعة" على المستوى السياسي، التي اشترتها بفارغ الصبر في
السنوات الثلاث الماضية".
اقتحام السياج
وأكد
أن "الخطأ الثالث الذي ارتكبته إسرائيل هو اعتمادها أكثر من اللازم على
التكنولوجيا، واعتبار العائق الحدودي وأجهزة الإنذار لا يمكن تجاوزها، فيما استعدت
حماس لاقتحام السياج، ومحاولة احتلال المستوطنات حول غزة، ولم تخف هذا الأمر أبدا،
بل تدربت عليه، وبثّت مقاطع فيديو، لكننا اعتقدنا أنه إذا قامت بشيء ما لغزو المستوطنات،
فستفعل ذلك عبر الأنفاق، أو ثغرة في مكان أو مكانين، من قوات صغيرة، مع بضع عشرات
من قوة النخبة، لاختراق مستوطنة واحدة أو قاعدة عسكرية، ولم يقدر أحد في مجتمع
الاستخبارات أن هذه القوة ستكون هائلة، يتراوح عددها بين ألف وألفي مقاتل مدرب،
وهي غنية بالأسلحة والمعدات القتالية المتطورة".
وأشار
إلى أن "الجيش والمخابرات باتوا مقتنعين بأهمية وديمومة قوة الحاجز الحدودي المكون
من عدة شرائح من السياج والجدران، مثبت عليها كاميرات ورادارات، وتحذر من تحرك
الأشخاص نحو السياج، حتى في الأحوال الجوية السيئة والضباب الكثيف، كما أنه لم يكن ممكنا قطع السياج بمقصّ سلكي، وإنشاء نقاط مراقبة تمكن جنود المراقبة من ملاحظة أي حركة، وتفعيل
المدافع الضوئية الموضوعة على الأبراج في الميدان عن بعد، لكن هذه المجموعة
التكنولوجية لها عيب رئيسي واحد إذ يمكن تحييدها عن بعد، عبر قنص الكاميرات، أو شعاع
الليزر الذي يعمي البصر، والرادار الذي يعطّل الرادارات الإسرائيلية، وباتت هذه التقنيات
معرضة للهجمات السيبرانية".
وأوضح
أن "الشاحنات الصغيرة التي استخدمتها حماس في بعض الأماكن في الهجوم المفاجئ
وصلت إلى قطاع غزة عبر ميناء أسدود كمركبات مدنية، ولذلك فقد اقتنعت المؤسسة
الإسرائيلية بأن أنظمتنا الحدودية التكنولوجية، التي لا مثيل لها في العالم، ولا
حتى في كوريا الشمالية، تسمح لنا بالحفاظ على الحدود مع غزة بأقلّ قدر من القوات، لكن
الفشل الأكبر على الإطلاق كان في عدم التحذير من الهجوم، الذي شارك فيه نحو 1500
مقاتل من قوة النخبة لحماس، ومئات آخرون يجمعون المعلومات الاستخبارية والتخطيط
والتدريب".
وأكد
أنه "حتى لو افترضنا أن حماس أخفت المعلومة عن الجميع، ولم تخبرهم بالهدف
من التدريب خلال 48 أو 24 ساعة قبل العملية، لكن عندما دخل مقاتلوها نقاط
الإعداد فإنه كان يجب على أجهزة الأمن المختلفة أن تدرك أن شيئًا غير عادي يحدث، وأن
تصدر تحذيرًا، لكنه لم يكن واضحا، رغم أنه في يوم الجمعة الذي سبق الهجوم، اكتشف
الشاباك والجيش نشاطًا مكثفًا غير عادي لحماس في المنطقة القريبة من السياج، وظهر أنه غير عادي لدرجة أنهم في فرقة غزة، وربما في القيادة الجنوبية، أجروا تقييما للوضع
لمعرفة ما تعنيه هذه العلامات، وكان الاستنتاج أن العلامات غامضة، لكنهم في
النهاية قدروا أن هذا تمرين آخر لحماس".
تعطيل الاتصالات
ونقل
عن ضباط كبار في الشاباك أن "حماس ربما تعلمت تجاوز أساليب جمع المعلومات
الاستخبارية الإسرائيلية، ولذلك فإن إجابة السؤال عن عدم تمكن الجيش من الوصول لفترة
طويلة أن نظام الإنذار والكاميرات لم يتوقف عن العمل فحسب، بل تعطلت الاتصالات
وإدارة القتال لمدة 24 ساعة الأولى على الأقل، ما أسفر عن وقوع كارثة أكبر، بدليل
أن كميات الأسلحة والذخائر والمواد الغذائية بحوزة المسلحين، ويبدو أنهم كانوا
يعتزمون البقاء في الميدان لمدة 48 ساعة، والقتال مع الجيش عندما يأتي لتحرير المستوطنات
التي احتلتها حماس، بهدف إلحاق خسائر بقوات الجيش".
وأوضح
أن "الهدف العام لحماس كان إذلال إسرائيل بشكل جدّي، وتقويض الشعور بالأمن
لدى مستوطنيها، والدخول في مفاوضات حول رفع الحصار عن غزة من موقع القوة، وأن تصبح
الطرف المهيمن على الساحة الفلسطينية في الضفة الغربية أيضا، كما أنه تأثر توقيت
الهجوم المفاجئ بالوضع الداخلي الإسرائيلي، وافتراض أن الحكومة الحالية لن تكون
قادرة على الرد بكامل قوتها بسبب الانقسام، ما يؤثر سلباً على الجيش، بجانب توقعات
حماس بانضمام المزيد من القوات إليها في لبنان خاصة، لا سيما حزب الله كجزء من
عقيدة الحرب المتعددة الساحات التي تشجعها إيران".
وأوضح
أن "استعدادات حماس للهجوم بدأت في نهاية 2021 وبداية 2022، وقامت بجمع
المعلومات الاستخبارية بجدّ، معظمها من مصادر مرئية، مما مكنها من تحديد نقاط
الضعف في النظام الإسرائيلي، وروتين عمليات قواتها في فترات مختلفة، خلال أيام
السبت والأعياد وفي أيام الأسبوع وأثناء الأزمة السياسية. ومن أبراج المراقبة التي
أهملناها، جمعت الحركة الكثير من المعلومات عما يحدث داخل المستوطنات ومعسكرات
الجيش والبؤر الاستيطانية المحاذية للسياج، راقبوها ليلاً ونهاراً، وأثناء
الاضطرابات، وتعرفت على رد فعل الجيش وعدد القوات، ومناطق التجمع وطرق وصول القوات،
وعمل الكاميرات وأنظمة الإنذار الأخرى".
وأكد
أنه "بناء على هذه المعلومات، قامت حماس بتكييف الوسائل لتحييد نظام الإنذار
واختراق الجدار، وفي الوقت نفسه طورت قدرات سيبرانية هجومية، ربما بمساعدة إيران،
فيما كان الجيش مخموراً ومغرورا بأنظمة الإنذار، ولم يأخذ في الاعتبار، ربما من
باب الاستهانة بالعدو، أنه يمكن إحداث الشلل فيه، بضرب عدد صغير من نقاط الاتصال
المحلية، من قبل القناصين والطائرات بدون طيار المزودة بكاميرات، ولعل العدد الكبير،
حوالي 1500 مقاتل، الذين اخترقوا في نفس الوقت على طول حدود غزة، أحد العوامل التي
منعت الجيش من وقف الموجة الأولى من الهجوم على السياج، أو من إيقافها، وجاء الرد
ضعيفاً للغاية مقارنة بالقوة المهاجمة".