قال مندوب
ليبيا
الدائم لدى منظمة
اليونسكو، الدكتور صالح العقاب، إن منظمة الأمم المتحدة للتربية
والعلم والثقافة "اليونسكو" تعمل، بالتنسيق
مع المندوبية الليبية، على تشكيل فريق لزيارة ليبيا قريبا، وذلك بعد انتهاء الأعمال
المتعلقة بالنواحي الإنسانية التي خلّفتها كارثة فيضانات
درنة.
وأوضح العقاب،
في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن فريق اليونسكو سيقوم بتحديد التدخل المناسب
الذي يمكن أن تقوم به المنظمة الدولية في مجالات اختصاصها.
وفي 10 أيلول/ سبتمبر
الماضي، اجتاح الإعصار "دانيال" عدة مناطق في شرق ليبيا أبرزها مدن بنغازي
والبيضاء والمرج وسوسة، بالإضافة إلى مناطق أخرى بينها درنة التي كانت المتضرر
الأكبر.
وخلّف الإعصار
الذي دمر المباني السكنية والمرافق التعليمية والطبية أضرارا نفسية بالغة لدى
الناجين، وفق حكومة الوحدة الوطنية ومنظمات طبية عاملة في المجال.
وفي 24 أيلول/ سبتمبر
الماضي، أعلنت لجنة تابعة للحكومة المكلفة من البرلمان الليبي أن حصيلة ضحايا
الإعصار بلغت "3868 حالة وفاة"، وهي حصيلة قريبة من أخرى أعلنتها منظمة
الصحة العالمية، في الـ16 من الشهر نفسه، حين أفادت بمصرع 3958 شخصا وفقدان أكثر من 9
آلاف آخرين.
وأكد مندوب
ليبيا الدائم لدى منظمة اليونسكو أن السيول التي تعرضت لها مدينة درنة المنكوبة جرفت
معظم المباني التاريخية والثقافية، مشدّدا على أن "هذا الإعصار أضر بكل شيء، والمواقع
الأثرية ليست استثناء".
وبسؤاله عن مدى الاهتمام
الذي حظيت به آثار ليبيا عقب اندلاع الإعصار، أوضح العقاب أن "المراقبات
الواقعة في نطاقها هذه الآثار تقوم بتقييم حجم الأضرار بشكل مبدئي"، منوها
إلى أن "هناك جهودا تُبذل لإجراء تقييم شامل وتدخل لإصلاح بعض الانهيارات التي
تعرضت لها بعض الآثار".
وفي ما
يأتي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
إلى
أي مدى تأثرت آثار ليبيا –وخاصة آثار درنة ومقبرة الصحابة- بكارثة الفيضانات؟
ما من شك في أن هذا
الإعصار قد أضر بكل شيء، والمواقع الأثرية ليست استثناءً، خاصة أنها مبان قديمة
ومن السهل أن تتعرّض للتصدع والانجراف، وقد تابعنا مع المختصين في ليبيا منذ اليوم
الأول وضع هذه المواقع وما حجم الأضرار التي لحقت بها، وكانت التقييمات الأولية
تشير إلى أن الأضرار ليست كبيرة، خاصة في المدن الكبيرة مثل توكرة وطلميثة وقوريني وبولونيا، حيث لحق بعض المدن الساحلية زيادة في انجرافات المعالم الواقعة على
الشاطئ.
أما مدينة
قوريني المُسجّلة على قائمة التراث العالمي بالرغم من مرور السيول بجانب معالمها
البارزة، فإنها صمدت ولم يسجل انهيار لأي من معالمها الرئيسية، وبالتالي فلم تتأثر
القيمة العالمية الاستثنائية OUV للموقع وما زال الموقع يخضع للتقييم من قِبل
المختصين وتحديد الأضرار التي يمكن أن يكون قد تعرّض لها.
وفي ما يتعلق بما
تعرضت له مدينة درنة المنكوبة فقد جرفت السيول معظم المباني التاريخية، ومنها
الجامع العتيق الذي يعود إلى القرن السابع عشر، أي قبل حوالي 350 سنة. أما جامع
الصحابة فقد صمد في وجه الإعصار، وربما جُرفت شواهد القبور أو بعضها من المقبرة
المجاورة، حيث تضم رفاتا لبعض الصحابة الذين استشهدوا بالمدينة أثناء الفتح العربي
الإسلامي في مستهل القرن السابع للميلاد.
منظمة
اليونسكو أضافت سابقا بعض آثار ليبيا إلى قائمة التراث العالمي المعرّض للخطر،
ومنها موقع شحات الأثري (قورينة).. فهل جرى التعاطي مع تلك الآثار المعرّضة للخطر
بالشكل المناسب من وجهة نظركم؟
تم وضع المواقع
الليبية المُسجّلة على قائمة التراث العالمي في قائمة المواقع المعرّضة للخطر،
وذلك في اجتماع لجنة التراث العالمي في حزيران/ يونيو 2016 بمدينة إسطنبول التركية،
وهي خمسة مواقع بمدينة صبراته الأثرية، ومدينة لبدة الأثرية، ومدينة قوريني الأثرية،
ومدينة غدامس التاريخية، وموقع جبال تدرارات الاكاكوس في جنوب غرب البلاد، وقد كان
هذا القرار نتيجة للظروف التي مرت بها البلاد في 2014 من حالة عدم استقرار ونزاع
مسلح أدى إلى حالة من الانقسام المؤسسي وظهور للمجموعات المتطرفة ومنها تنظيم
الدولة الإسلامية، وهذا أدى إلى التخوف من تعرّض هذه المواقع للتدمير.
وتقوم مصلحة الآثار
بجهود لإعادة هذه المواقع إلى قائمة التراث العالمي، وتعمل مع مركز التراث
العالمي على استكمال الإجراءات التصحيحية المطلوبة، وكنّا نتوقع استعادة أو شطب
موقع مدينة غدامس من قائمة الخطر؛ حيث عمل جهاز المدينة على بذل جهود لاستكمال ملف
المدينة، ولكن تقرّر أن يبقى على القائمة في الدورة الـ45 للجنة التراث العالمي التي
عُقدت في الرياض مستهل شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، والأسباب تعود إلى استكمال بعض
النواقص البسيطة، والتي سنعمل على إنجازها قبل انعقاد الاجتماع القادم في الهند.
ما
تقييمكم لأداء السلطات الليبية في حماية الآثار عامة خلال الفترات السابقة وطريقة
تعاطيها مع ملف حماية الآثار خلال العاصفة الأخيرة؟
بداية الاهتمام
بالآثار جاءت من البعثات الأثرية الأجنبية، وتأسست مصلحة آثار وطنية عقب الاستقلال
في خمسينيات القرن الماضي، ولكن الاهتمام لم يكن بالشكل المطلوب، وذلك من خلال
النظر إلى الآثار في ليبيا على أنها موروث استعماري إغريقي وروماني، وهذا أدى إلى
ضعف الوعي بأهميتها، كما أن اكتشاف النفط ألغى الاعتماد على السياحة، وتم النظر إلى
هذه الأطلال كترف ثقافي لا تحظى بالاهتمام اللازم أو التوعية بأهميتها في التاريخ
المحلي.
أما الاهتمام
الذي حظيت به هذه الآثار عقب العاصفة فمنه قيام المراقبات الواقعة في نطاقها هذه الآثار
بتقييم الأضرار بشكل مبدئي، كما أسلفت أعلاه، وهناك جهود تُبذل لتقييم شامل وتدخل
لإصلاح بعض الانهيارات.
وتعمل منظمة
اليونسكو وبالتنسيق مع المندوبية الليبية على تشكيل فريق لزيارة ليبيا قريبا بعد
انتهاء الأعمال المتعلقة بالنواحي الإنسانية لتحديد التدخل المناسب الذي يمكن أن
تقوم به المنظمة في مجالات اختصاصها.
كيف
ترى المشهد في ليبيا اليوم بعد مرور نحو أسبوعين على كارثة "إعصار
دانيال"؟
ما زالت
التداعيات لهذا الإعصار تلقي بظلالها على ليبيا بأكملها، وهي الدولة التي لم تتعرض
لمثل هذه الكوارث عبر تاريخها الحديث على الأقل؛ فما زال الحزن يخيم على الجميع
لحجم الضحايا غير المسبوق والدمار الذي طال كل شيء، ومنها الممتلكات والثروة
الحيوانية وحتى الأراضي الزراعية، وما زال الناس يكتشفون كل يوم حجم الأضرار والقلق
حول كيفية معالجتها في ظل عدم استقرار الدولة وانعدام الرؤية.
إلى
أي مدى تكشّفت أبعاد الكارثة في عموم البلاد خاصة في ظل تضارب أرقام الضحايا
والمصابين والمختفين إلى الآن؟
كل هذا يكشف عن
عدم وجود قواعد بيانات يمكن من خلالها معرفة القاطنين بالأحياء من السكان المحليين،
وأيضا العمالة الوافدة من الدول المجاورة؛ فقد أصبحت ليبيا على الرغم من حالة عدم
الاستقرار قبلة للكثير من العمالة الوافدة من الدول العربية والأفريقية، وهذا
يجعل من مهمة تحديد أرقام للضحايا أمرا بالغ الصعوبة، كذلك التنسيق بين الفرق التي
تقوم بعمليات الإنقاذ، وهذا لوحظ في الأيام الأولى للكارثة، ولكنه أصبح أكثر تنظيما
في الأيام الأخيرة.
هناك
تقارير أشارت إلى أن الفيضانات أدت إلى اختفاء نحو ربع مدينة درنة.. فما مدى دقة
تلك التقارير؟
ليس هناك شك أن
الجزء الذي جرفته المياه هو من أهم أجزاء المدينة؛ حيث يعتبر الجزء الذي يُمثل قلب
مدينة درنة وفيه تقع أغلب المباني التاريخية والثقافية والحكومية والتجارية، وتكثر فيه العمارات السكنية العالية، والتي تسكنها مئات العائلات، التي تنحدر من
أصل واحد في الغالب، وتوجد هناك المدينة القديمة، وتُعتبر مبانيها ضعيفة لقدمها وضعف
بنيتها التحتية، ما أدى إلى سرعة انهيارها، وبالتالي فيمكن أن يكون التقدير أن
ربع المدينة قد جرفته السيول هو وصف مجازي لهول الكارثة وفداحتها.
السلطات
في شرق ليبيا أقامت سياجا عازلا حول المناطق الأكثر تضررا في درنة وقالت إنه لمنع
الدخول إلى المنطقة.. كيف تابعتم تلك الخطوة؟
أنا لست موجودا حاليا
في هذا المكان، ولكن تفسيري لهذا الإجراء يأتي من باب التنظيم للعمل في المناطق
الأكثر تضررا، ويصل إلى مسامعنا تفسيرات خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي تشير
إلى التخوف من إغلاق المدينة وإخلاء السكان، وهذا مصدره غياب الثقة بين المواطن
والأجهزة الرسمية.
ما
الأسباب التي أدت إلى تفاقم تداعيات عاصفة دانيال؟
تفاقم أزمة الإعصار
يكمن في عدة أسباب في تقديري، ومنها عدم التقدير الصحيح لما يمكن أن ينجم عن هذا الإعصار،
خاصة أنه مر على دول مثل تركيا واليونان وسبب فيضانات وأدى إلى وقوع ضحايا وإن كان
العدد محدودا، لكن هذا كان يجب أن يؤخذ على محمل الجد، وإن كانت السلطات قد قامت
بجهود تمثلت في تشكيل لجان وتجهيزات للطوارئ ولكن الأمر كان أكبر من توقعاتهم، وقد
تعجز حتى الدول المستقرة عن مواجهته.
ما
أسباب انهيار السدين في درنة؟ وهل كانت هناك صيانة لهذين السدين؟
صحيح أن انهيار
السدين كان له الأثر الأكبر على تفاقم الوضع خاصة في درنة؛ فقد تجاوزت كميات الأمطار
السعة المفترضة؛ فالحوض الذي يغذي السدين استلم أكثر من 238 مليون متر مكعب بنسبة
هطول تجاوزت الـ400 مليمتر في الثانية، والسدود لا تحتمل أكثر من 24 مليون متر مكعب،
وهذا في تفسير أحد المتخصصين في علم المياه أشبه بمطرقة مائية اكتسحت السدود
والمباني في طريق مجرى الوادي وضفتيه وغمر مباني تجاوزت الأربع والخمس طوابق فيما
يشبه التسونامي بالمياه العذبة التي طالما كانت السر في جمال المدينة.
ولا أعتقد أن
الصيانة كانت قادرة على منع هذا الأمر، حتى وإن سلمنا بأن السدود كانت تحتاج إلى
الصيانة، ولكن هذه الأمور يمكن أن يحسم الجدل فيها التحقيقات الجارية حاليا بهذا
الخصوص.
ما
تقييمكم لحجم الاستجابة الدولية لفيضانات درنة؟
الحقيقة أنها كانت
الاستجابة الدولية سريعة خاصة من الدول العربية والإسلامية؛ فقد توافدت الرحلات
الجوية على المطارات الليبية تحمل الإمدادات وفرق الإنقاذ للمساهمة في التخفيف من
هول الكارثة، وقامت دول مثل فرنسا وتركيا ومصر ببناء مستشفيات ميدانية وعملت على انتشال الضحايا، وساهمت دول غربية في هذا الدعم ومنظمات دولية لها علاقة بالشأن
الإنساني.
ومن وجهة نظري، فإن الدول المتقدمة يجب أن تساهم بالقدر الأكبر في مساعدة الدول الضعيفة والهشة التي
تتعرض لهذا النوع من الكوارث، لأنها مسؤولة عن التغيرات المناخية التي أصبحت تؤثر
في أماكن كثيرة من العالم نتيجة الانبعاثات التي تصدر من مصانعها وحققت منها الأرباح الكثيرة، ولكننا نحن مَن يدفع هذه الفاتورة اليوم في شكل تقلبات مناخية
كارثية ولا قدرة لنا على مواجهتها.
ما
أبرز الصعوبات والتحديات التي تواجه عملكم؟ وما هي أولوياتكم في الوقت الراهن؟
اليونسكو منظمة
دولية أراد لها المؤسسون الأوائل أن تساهم في بناء السلام من خلال الاهتمام
بمجالات التعليم والعلوم والثقافة، والعمل فيها يمر بفترة عصيبة حيث تنعكس
الصراعات الدولية على عمل هذه المنظمة، وهذا من شأنه تعطيل الجهود التي تقوم بها
في مكافحة الأمية ونشر الوعي والتعريف بثقافات الشعوب وتقريب وجهات النظر لصنع
السلام. نحن الدول النامية نحاول الاستفادة من إمكانيات هذه المنظمة في مساعدة
بلادنا على خلق تنمية مستدامة، وبناء القدرات لمواكبة العالم، والتصدي للأخطار
التي تحيق بنا، ومنها مثلا ما تعرضت له بلادي جراء إعصار دنيال.