في اليوم الثاني لمؤتمر "حكاية وطن" والذي تم تنظيمه في
مصر
بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري؛ لعرض فقرات دعائية وإعلانية للترويج
للإنجازات خلال السنوات العشر الماضية، وخلال عرض وزير
الصحة والسكان للمبادرة
الرئاسية حول مشروع تجميع وتصنيع بلازما
الدم ومشتقاتها، قاطعه
السيسي وبدأ في
عرض
فكرة المشروع وخطواته التنفيذية منذ كان وزيرا للدفاع عام 2012، ثم ختم حديثه قائلا:
"النهارده دخل المتبرع كتقدير وشكر من المراكز لو هيتبرع مرة في الأسبوع يبقى
كام في الشهر؟ بلاش تقول طيب؟ طيب لو مرتين؟ بلاش تقول؟ طيب! رقم معتبر، ممكن
يتقدم في مصر ملايين والحلم عندي ملايين يعني قدرت أجيب دخل من فكرة تحسن صحة
الناس وتبقى موجودة في مصر وتؤثر على الصحة العامة".
ترغيب الشباب في مشروع بلازما الدم من أجل المال هي كارثة
أخلاقية وصحية:
جاءت كلمات السيسي صادمة للمجتمع المصري، حيث إنه أشار وبكل وضوح إلى ترغيب
شباب الجامعات في المشاركة في
مشروع بلازما الدم من أجل الحصول على دخل مالي شهري
جيد!! وزاد الطين بلة أنه بدأ حديثه بأن فكرة المشروع قديمة، ولكنها أصبحت مهمة
بعد انتشار وباء كورونا، وذلك في إشارة إلى النظرية الطبية العالمية حول علاج
المصابين بنقل الأجسام المناعية لهم من بلازما دم المتعافين من مرض كوفيد19.
جاءت كلمات السيسي صادمة للمجتمع المصري، حيث إنه أشار وبكل وضوح إلى ترغيب شباب الجامعات في المشاركة في مشروع بلازما الدم من أجل الحصول على دخل مالي شهري جيد!! وزاد الطين بلة أنه بدأ حديثه بأن فكرة المشروع قديمة، ولكنها أصبحت مهمة بعد انتشار وباء كورونا
وكانت تلك الوسيلة قد أصبحت ظاهرة في مصر منتصف عام 2020، حيث انتشرت
تجارة
بلازما الدم بصورة كبيرة، مما دفع لجنة الفتوى بالأزهر الشريف إلى الرد
على مسألة بيع البلازما، حيث أصدرت في حزيران/ يونيو 2020 فتوى "تحريم بيع
بلازما الدم للمتعافين من فيروس كورونا"، باعتبار أن البلازما من الأنسجة
وينطبق عليها ما ينطبق على الأعضاء التي يجرّم بيعها وفقا لنص القانون، كما نصت
على ذلك السنة القاضية بحرمة الدماء والأموال والأعراض، والناهية عن "ثمن
الدم"، وعلى ذلك فإنه يحرم بيع الدم مطلقا، وحيث أن البلازما جزء من أجزاء
الدم، فيحرم بيعه كما يحرم بيع الدم. وجاء القانون المصري موافقا للشريعة الإسلامية في ذلك الشأن حيث نص القانون رقم
124 لسنة 2017، بتعديل بعض أحكام القانون رقم (5) لسنة 2010، بشأن تنظيم زرع
الأعضاء البشرية، على تجريم الاتجار بالأعضاء البشرية وغلظ من العقوبة.
قانون تجميع بلازما الدم مقابل
منح "عِوض" يتعارض في مواده مع فتوى سابقة للأزهر الشريف:
وكانت وزارة
الصحة والسكان المصرية قد أعلنت يوم 19 آب/ أغسطس 2021 انطلاق المبادرة الرئاسية
للتبرع ببلازما الدم، وانطلاق فرق التواصل المجتمعي لتشجيع وتوعية المواطنين
بأهمية التبرع بالبلازما، تحت شعار "العلاج جواك"، حيث تتم التوعية بأن
سحب بلازما الدم هي عملية تختلف كلية عن عملية التبرع بالدم المعروفة، حيث أنه يتم
توصيل "جهاز فصل البلازما" مع وريد المشارك، ويتم سحب كمية الدم المحددة
منه، وفصل البلازما آليا داخل الجهاز، ثم إعادة الكرات الحمراء وباقي مكونات الدم إلى
الجسم مرة أخرى، مع توعيته بشرب الماء والسوائل بعدها بكثرة، ومن الممكن تكرارها
من نفس الشخص مرة كل أسبوعين حسب تعليمات الوزارة.
بدراسة مضمون مواد القانون يتضح أنه ينص على بيع البلازما بالمخالفة لفتوى الأزهر؛ وذلك بطريقة غير مباشرة وبتلاعب في المصطلحات، حيث شمل القانون عددا من المواد الكارثية
وكان
القانون رقم 8 لسنة 2021، بتنظيم عمليات الدم وتجميع البلازما لتصنيع مشتقاتها
وتصديرها، قد تم التصديق عليه بتاريخ 19 نيسان/ أبريل 2021، ويشمل كل عمليات الدم،
وتجميع البلازما، وتصنيع مشتقاتها، وتسفيرها بقصد تصنيع مشتقاتها في الخارج، ثم
إعادتها في صورة مستحضرات حيوية. ونص القانون على فرض غرامة مالية تصل إلى مليوني جنيه
على كل من يدير مركزاً لتجميع بلازما الدم، أو مصنعاً لتصنيع مشتقاتها، من دون
ترخيص، أو شرع في تصدير أو استيراد بلازما الدم بالمخالفة لأحكام القانون، أو حصل
على دم أو بلازما من متبرع غير لائق طبياً، ومضاعفة الغرامة في حال تكرار المخالفة. وفي 6 تشرين
الأول/ أكتوبر 2021 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء 2603 لسنة 2021 باللائحة التنفيذية لقانون تنظيم
عمليات الدم وتجميع البلازما، ونشر في الجريدة الرسمية.
وبدراسة
مضمون مواد القانون يتضح أنه ينص على بيع البلازما بالمخالفة لفتوى الأزهر؛ وذلك بطريقة
غير مباشرة وبتلاعب في المصطلحات، حيث شمل القانون عددا من المواد الكارثية، فنصت
المادة الحادية عشر من الفصل الخامس على أن يلتزم مركز تجميع بلازما الدم بمنح
المتبرع "عِوضاً" يتناسب مع نفقات الانتقال ومقابل التغذية، وأي نفقات
أخرى يتحملها المتبرع في سبيل تبرعه.
وتحدد
اللائحة التنفيذية قواعد احتساب "العِوض"، وتلك الصيغة المبهمة جاء
تفسيرها واضحا ومحددا وصريحا على لسان وزيرة الصحة السابقة الدكتورة هالة زايد،
والتي أعلنت عن إعداد بطاقة للمتبرع يتم بها صرف مستحقاته بصورة مجمعة كل فترة،
بما يؤكد على أنها عملية شراء سلعة من بائع يأخذ عِوضا عن سلعته التي يعرضها للبيع. وتم استخدام مصطلح "المتبرع المنتظم"؛ وهو كل متطوع
للتبرع بالبلازما بشكل منتظم طبقاً للقواعد الطبیة، يعني بوضوح أنه "بائع
للبلازما براتب منتظم"، وهذا يخالف تعقيب لجنة الفتوى بالأزهر المشار إليها.
المبادرة الرئاسية التصنيع
والاكتفاء الذاتي من مشتقات بلازما الدم واحتكار الجيش للمشروع:
كارثة جديدة تعني بكل وضوح أن تلك المبادرة الرئاسية حول تجميع وتصنيع وتصدير البلازما هي مشروع استثماري غير إنتاجي، تستحوذ عليه اقتصاديات الجيش المتنامية، ويستهدف استنزاف دماء الشباب في سد الفجوة الدولارية التي تعاني منها مصر، والحديث حول الشباب تحديدا يعتبر خصما من صحة وأمن وسلامة الثروة البشرية التي تعد الأمل في مستقبل الوطن
وأخيرا، وفي
أيلول/ سبتمبر 2022، وافق مجلس
الوزراء المصري على إضافة نشاط "فصل البلازما وتنقيتها وتجميعها وتصنيع
مشتقاتها وتطويرها" إلى المجالات الواردة في المادة الثانية من قرار المجلس
رقم 56 لسنة 2022، والخاصة بتحديد شروط اعتبار المشروع الاستثماري استراتيجياً أو
قومياً في مجال تطبيق حكم المادة 20 من قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017. ووافق المجلس
على اعتبار مشروع شركة "غريفولز إيجيبت لمشتقات البلازما" من المشروعات
الاستراتيجية والقومية، ومنحها من دون غيرها الموافقة الواحدة (الرخصة الذهبية) على مشروع إقامة وتشغيل مصنع لفصل البلازما وتنقيتها لتصنيع المنتجات الدوائية
النهائية المشتقة منها، وإنشاء وتشغيل 20 مركزاً لتجميع البلازما (المادة الخام
للمصنع) في مختلف أنحاء الجمهورية.
وغريفولز إيجيبت لمشتقات البلازما" هي شركة مساهمة تابعة لـ"جهاز
مشروعات الخدمة الوطنية" المملوك لوزارة الدفاع المصرية (الجيش)، بالتعاون مع
شركة "غريفولز إس إيه" الإسبانية. ويرأس مجلس إدارتها اللواء طبيب
مجدي أمين مبارك، الذي كان يشغل منصب مدير إدارة الخدمات الطبية في القوات
المسلحة.
استغلال زيادة السكان وإهدار الثروة البشرية في مشروعات
غير إنتاجية تستنزف صحة شباب مصر:
قال السيسي
في حديثه، الصادم، إنه يتوقع وجود فرصة كبيرة لنجاح المشروع، خاصة وأن عدد سكان
مصر والبالغ أكثر من 105 ملايين نسمة يعتبر داعما ومساعدا على نجاح المشروع. وتلك
كارثة جديدة تعني بكل وضوح أن تلك المبادرة الرئاسية حول تجميع وتصنيع وتصدير
البلازما هي مشروع استثماري غير إنتاجي، تستحوذ عليه اقتصاديات الجيش المتنامية، ويستهدف
استنزاف دماء الشباب في سد الفجوة الدولارية التي تعاني منها مصر، والحديث حول
الشباب تحديدا يعتبر خصما من صحة وأمن وسلامة الثروة البشرية التي تعد الأمل في مستقبل
الوطن.