قالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إن
كارثة الفيضانات العارمة التي اجتاحت الشرق الليبي "هي من صنع البشر بشكل جزئي"، في إشارة إلى تسبب إهمال السلطات المحلية في أخذ الاحتياطات بتفاقم المأساة التي خلفت آلاف القتلى والمفقودين.
يأتي ذلك وسط توالي تقارير إعلامية تؤكد أن الطبيعة لم تكن السبب الوحيد وراء المأساة في
ليبيا، حيث كان لإخفاقات السلطات وتجاهلها النداءات الداعية إلى ضرورة التعامل مع سدي درنة، السهم الأكبر في تفاقم الكارثة وإزهاق أرواح آلاف المواطنين التي كان من الممكن الحفاظ عليها.
وقالت الصحيفة البريطانية، في افتتاحيتها، إن المسؤولين المحليين كان لديهم إنذار كاف باقتراب العاصفة من سواحلهم عندما هبت عبر البحر المتوسط باتجاه المنطقة الساحلية الشرقية لليبيا، لاسيما أن العاصفة ذاتها تسببت في فيضانات في اليونان وتركيا وبلغاريا أودت بحياة أكثر من عشرة أشخاص.
لكن في ليبيا، وفقا للصحيفة، لم يكن أحد مستعدا لحجم الكارثة التي كانت على وشك الوقوع. ومع هطول الأمطار الغزيرة والرياح القوية على المنطقة، انهار سدان على التلال فوق درنة، ما أدى إلى سيل من المياه اجتاح قلب المدينة التي أعلنت منكوبة فيما بعد.
وأوضحت "فايننشال تايمز" أن "العدد الدقيق للضحايا ليس معلوم إلى الآن ولكن تم إصدار شهادات وفاة لنحو أربعة آلاف شخص".
كما رأت أن "مثل هذه الكارثة قد تشكل تحديات لأي دولة، لكن في ليبيا لم تكن هناك دولة فاعلة في البداية، وبدلا من ذلك، هناك فصائل سياسية متنافسة، مشهورة بالفساد وتدعمها الميليشيات، قسمت البلاد على مدى العقد الماضي بين الشرق والغرب"، مشيرة إلى أن "هذه الفصائل المتناحرة عليها الآن أن تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية عن المأساة التي حلت بالليبيين".
وبيّنت الصحيفة أن الضرر الكبير الذي حل بالمدينة نجم عن انهيار السدين القديمين اللذين كانا على ما يبدو في حالة سيئة، رغم تحذيرات الخبراء من المخاطر التي يشكلها السدان في حال لم يتم الاعتناء بهما بشكل صحيح.
وكان تقرير صادر عن هيئة تدقيق تديرها الدولة حذر قبل عامين من مغبة عدم القيام بأعمال الصيانة للسدين على الرغم من تلقي السلطات أكثر من مليوني دولار لإصلاحها في عامي 2012 و2013. والعام الماضي حذرت دراسة نشرتها مجلة جامعية ليبية من "شقوق في السدود وعواقب وخيمة" في حال انهيارهما.
وفي تقرير سابق شددت صحيفة "الغارديان" على أن الكارثة الليبية فضحت إخفاق الحكومات في حماية المواطنين، وتعريضهم لخطر أكبر، لافتة إلى نظام القذافي الفاسد، أعقبه أكثر من عقد من الثورة والحرب الأهلية والجمود السياسي، وخلاله لم يتم إهمال البنية التحتية فقط، بل جرى نهبها.
كما أشارت إلى أن أحد سدي درنة، اللذين انهارا خلال العاصفة وتسببا بنكبة المدينة الليبية، لم تتم صيانته منذ عام 2002، موضحة أن اليأس الذي يشعر به الليبيون يقابله غضبهم من الحكومات المتنافسة، التي قسمت البلاد وسعت إلى السلطة والربح.
والاثنين، خرج المئات في
مدينة درنة الليبية في احتجاجات مطالبة بمحاسبة المسؤولين عن كارثة الفيضانات، منهم رئيس البرلمان عقيلة صالح.
وهتف المحتجون، في أول وقفة احتجاجية منذ وقوع السيول الجارفة، لصالح تحقيق الوحدة الوطنية في البلد الذي يعاني من الانقسام السياسي في ظل وجود سلطتين متنافستين في الشرق والغرب.
وبعد المظاهرة أعلنت السلطات حل المجلس البلدي في درنة، كما فتحت تحقيقا بشأنه، رغم أن عقيلة صالح حاول صرف اللوم عن الجهات الرسمية الأسبوع الماضي حيث طالب بعدم التركيز على ما كان يمكن القيام به قبل المأساة، واصفا ما حصل بأنه "كارثة طبيعية لم يسبق لها مثيل".
وكانت تساؤلات ثارت حول دور قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في تفاقم الكارثة التي ضربة مدينة درنة، الواقعة تحت سيطرتها منذ عام 2018.
وفي هذا الصدد، قالت صحيفة التليغراف البريطانية في تقرير سابق، إن "عميد بلدية درنة طلب من قوات حفتر، السماح بإخلاء وسط المدينة والمنازل القريبة من الوادي والسدود عندما اقتربت العاصفة، لكن هذه القوات رفضت الأمر، بل انتشرت لتطبيق قرار حظر التجول مساء يوم الكارثة"
كما أشار تقرير لديوان المحاسبة الليبي، صدر بعد الكارثة، إلى أن وزارة الموارد المائية تقاعست منذ فترة كبيرة في متابعة خطابات الضمان، بشأن صرف مبلغ بقيمة 2,286,358 يورو لصيانة سدي درنة عام 2020 لصالح شركة "برسيل" التركية، في إشارة لتورط حفتر كونه المسيطر على الوزارة في تلك الفترة.
وفي 10 أيلول /سبتمبر، تسببت فيضانات وسيول عارمة اجتاحت مدن شرق ليبيا عقب عاصفة "دانيال" بمقتل وفقدان الآلاف، مخلفة دمارا كارثيا طال المباني والبنى التحتية في المدن التي أعلنتها السلطات منكوبة، خاصة في درنة التي اعتبرت أكثر مدن الشرق تضررا من الكارثة.