الإلمام الموجز بواقع عربي يُبين أن المآسي ملازم للإنسان الذي يعيش فوق
الجغرافيا العربية، وتحت كنف أنظمة ينخرها الفساد، وتجوفها آلة
القمع والقهر
والجوع وانعدام الحريات وغياب الديمقراطية والشفافية والتنمية. ولعل انفراد الإنسان
في هذه الجغرافيا بتلقي حصص مضاعفة من وجبات القهر اليومي، أعطى انطباعا عاما عن
طبيعة الظروف المحيطة للسياسات العامة وبيئاتها المختلفة التي تحكم بنية المجتمعات
الاقتصادية والأمنية والسياسية.
ولسنا بحاجة لكثير من الأدلة التي تميز طريقة وأسلوب ونهج السياسات العامة،
لكثرة التجارب والدراسات والوقائع الكاشفة عن فواجع العناوين المتصلة بتنمية
العربي وحرياته الفردية والسياسية.
من المشرق العربي إلى مغربه، مآسٍ متنوعة تكتنف الواقع، فكيف إذا انضمت
إليه فجيعة قاسية ومؤلمة في طبيعتها كالزلازل والفيضانات المُخلفة لعشرات آلاف
الضحايا مع دمار مدن كاملة، لتصبح التوأمة العربية في المأساة "محقة" في
تسميتها، بعد سواد الحزن العربي على ليبيا والمغرب، وبعد أن قدمت الطبيعة قسوتها
العالية على مدنٍ وقرى في المغرب العربي، تحتفظ أصلاً بحصة عالية من الشقاء الذي
غدا مُركباً ويمتد معها في نفس الاتجاه الذي غرزته سياسات قمعٍ وبطشٍ في المشرق
العربي كسوريا ومصر وليبيا واليمن والعراق والسودان.
يبقى الإخفاق والفشل السياسي والاقتصادي والأخلاقي يحاصر ضمائر إنسانية وسياسية لا تكترث لوجود ملايين الضحايا وهم في طريقهم المجروف في سيولٍ مطرية وأولئك الذين ابتلعتهم الأرض بزلازلها، أو الذين ساروا على درب الحرية للمطالبة بحقوقهم للعيش بكرامة إنسانية والتحرر من الطغيان والاستبداد، وانتهى بهم المطاف جُثثا تحصى تحت الأنقاض وفي أقبية السجون
ونحن نشاهد ملايين من ضحايا القتل والتهجير، وتدمير لمدنٍ تفسخ نسيجها
الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وإذا ما أضفنا عمودها الفقري المتهشم بالاحتلال
والاستيطان والقتل والعدوان في فلسطين، تكتمل لدينا التوأمة الحقيقية لمعنى ما
يجمع العرب في المأساة والفاجعة، وفي التكوين الخاص للإحساس بحجم وأهمية التضامن
الإنساني مع ضحايا
الكوارث الطبيعية.
يبقى الإخفاق والفشل السياسي والاقتصادي والأخلاقي يحاصر ضمائر إنسانية
وسياسية لا تكترث لوجود ملايين الضحايا وهم في طريقهم المجروف في سيولٍ مطرية وأولئك
الذين ابتلعتهم الأرض بزلازلها، أو الذين ساروا على درب الحرية للمطالبة بحقوقهم
للعيش بكرامة إنسانية والتحرر من الطغيان والاستبداد، وانتهى بهم المطاف جُثثا
تحصى تحت الأنقاض وفي أقبية السجون.
التوأمة العربية هنا ليست بين مدينتين قررتا أن تكون التوأمة أداة لزيادة
الوعي وتسمح لعامة الناس الوصول لها بحوارات تجمع العرب من مختلف مشاربهم
الاجتماعية والسياسية، أو تشجيع المجتمعات العربية على التفكير ومواجهة الأفكار
حول القضايا الرئيسية في عصرنا، واكتشاف ثقافات جديدة، لخلق شعور بهوية عربية
مشتركة بتضامنها وتآخيها مع قضاياها المصيرية؛ إن كان ما هو متصل بالتنمية
والديمقراطية وإشاعة الحريات العامة، أو المساهمة بقضية فلسطين تضامناً حقيقياً أو
الانخراط بالدفاع المباشر عنها، بعيداً عن شكليات استخدامها في الشعارات والبيانات
الرسمية، يولد العربي ويشب ويكهل وهو يشهد نموّا مطرد لتوأمة عربية مختلفة بين
أجهزة القمع العربي المتحدة ضده.
لا يمكن لغضب الطبيعة ونتائج ضحاياها في جغرافيا العرب، أن تُغلق الذاكرة
عن أشقّاء الوجع العربي لا في فلسطين ولا في سوريا والعراق ومصر والسودان وليبيا
والمغرب واليمن، كما يتمنّى ويشتهي طاغية ومستبد متعطشٌ للهروب خلف الركام والتستر
بكارثةٍ طبيعية من كارثة صنعتها يداه بصدى بائسٍ لقتل أحلام العرب؛ وفصل توأمة
الحرية العربية التي تجمع إحساس وتطلعات مجتمعاتٍ تشاهد وتراقب مآل جغرافيتها
وتاريخها وأوطانها كيف تفعل بها سياسات القمع والقهر والقتل والتحطيم الذاتي
لتحويل حياة البشر لمهزلةٍ موجعة ومذلة، عنما شاء الإنسان العربي أن يفكر ويطالب
أن يكون له دور وموقف يلوي عنان التاريخ المهين ويعطي للحياة معناها وللتاريخ
أهمية بتوقيت مختلف عن المعنى المسلوب في جعبة الحاكم العربي..
لا يمكن لغضب الطبيعة ونتائج ضحاياها في جغرافيا العرب، أن تُغلق الذاكرة عن أشقّاء الوجع العربي لا في فلسطين ولا في سوريا والعراق ومصر والسودان وليبيا والمغرب واليمن، كما يتمنّى ويشتهي طاغية ومستبد متعطشٌ للهروب خلف الركام والتستر بكارثةٍ طبيعية من كارثة صنعتها يداه بصدى بائسٍ لقتل أحلام العرب
تدل التأملات في طبيعة المآسي العربية، على أن الممارسات في زمن حدوث
الفواجع، طبيعية كانت أم بشرية، من فعل
الاستبداد أو الاحتلال، ولها أثر تدميري، وأن
الجهود "المضنية" لبث مشاعر التضامن الرسمي وإبداء القلق والاكتئاب
والغضب من هذه النتائج، لها وجدان سلبي ومفعول آني ينتهي باليوم التالي لاستكمال
الاحتلال استيطانه وتهويده ومراكمة الجرائم المختلفة، كذلك يواصل الطاغية العربي
كبح احتياجات وإرادات البشر بسلوك منفصل عن القيم الإنسانية والأخلاقية كنموذج
النظام السوري الفج الوقح في الواقع العربي وعلاقته بقضايا العرب ومساهمته في
صناعة الكارثة السورية، وما خلّفته من نتائج مرعبة من الخراب والمعاناة المستمرة
لملايين البشر والتي يأسف المرء لحدوثها، وكذا في الحالة التونسية والمصرية
واليمنية والعراقية..
الخصال التي يحتاجها الطاغية العربي هي إبقاء توأمة عربية من القهر والفساد
والقمع، قبل وبعد كل خراب، وهي خصال مغروسة بالمستبد تقوى وتتعزز بالكوارث، وهي
رؤية الخلاص التي تهتدي بها أنظمة عربية تمتلك روح العداء والاحتقار لشعوبها
ولمطالبها، لكن خصال العربي في مجتمعاته تبقى الأخوة جامعة له في الدين والتاريخ
واللغة بإحساس عالٍ مع قضاياه؛ من كوارث الطبيعة إلى جرائم الاستبداد التي صنعت
واقعاً من هزائم كبيرة للعربي وشقيقه، وأقامت له مجتمعات تتواءم في المأساة وأجواء
تُخنق فيها كل الأماني وتتلاشى الأحلام الجميلة بالحرية.
twitter.com/nizar_sahli