أثار التقرير الذي نشرته صحيفة
التليغراف البريطانية عن رفض اللواء الليبي، خليفة
حفتر لمطلب المجلس البلدي بمدينة "
درنة" المنكوبة بضرورة إخلاء وسط المدينة ورفع حظر التجول حتى يستطيع الناس التحرك بعد الأسئلة عن تداعيات قرارات حفتر التعسفية وما إذا كانت السبب في تفاقم الأزمة.
وذكرت الصحيفة أن "عميد بلدية درنة طلب من قوات حفتر المتواجدة في المدينة والمسيطرة عليها منذ 2012 ضرورة السماح بإخلاء وسط المدينة والمنازل القريبة من الوادي والسدود عندما اقتربت العاصفة، لكن هذه القوات رفضت الأمر بل انتشروا لتطبيق قرار حظر التجول مساء يوم الكارثة، وفق الصحيفة".
فساد مالي
في حين ذكر تقرير لديوان المحاسبة الليبي بعد الكارثة أن وزارة الموارد المائية تقاعست منذ فترة كبيرة في متابعة خطابات الضمان، بشأن صرف مبلغ بقيمة 2,286,358 يورو لصيانة سدي درنة في عام 2020 لصالح شركة "برسيل" التركية، في إشارة لتورط حفتر كونه المسيطر على الوزارة وقتها.
وأكد التقرير أن الوزارة ومن معها تقاعسوا وأهملوا عقودا وقعتها الحكومة ومنها عقد لصيانة وتأهيل سدي "درنة" و"أبو منصور" بتاريخ ديسمبر 2020، وأن هناك مشروعات منذ 2012-2013 باسم مشروع إعادة تأهيل "سد درنة"، حيث صرفت ميزانية له ولم يحدث أي شيء ولم يعرف مصير الأموال"، وفق التقرير.
تعنت وتذمر
وذكر ناشطون من درنة لـ"عربي21" أن "المدينة كانت في حالة غضب وتذمر من الممارسات التي تقوم بها قوات حفتر في المدينة من سرقة ونهب لأملاك المهجرين وكذلك القبضة الأمنية التي دفعت كثيرين لترك المدينة، كما أن قوات حفتر أحكمت قبضتها قبل العاصفة ومنعت تحرك الناس أو سفرهم، وفق شهاداتهم.
وقال أحد الناشطين، طلب عدم ذكر اسمه لوجود عائلته في درنة، إن "قوات حفتر تعمدت تعطيل المساعدات الغذائية وفرق الإنقاذ بعد العاصفة حتى تدخل هي أولا كما أنها منعت أي مساعدة إلا عن طريق مطار "بنينا" الذي تسيطر عليه قوات اللواء طارق بن زياد التي يترأسها صدام نجل خليفة حفتر وسط شكوك بسرقة بعض المساعدات"، بحسب قوله.
عسكرة وتحقيق
وبعد تردد هذه الأخبار عن ضلوع بعض الأطراف في الكارثة، طالب رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي النائب العام الليبي بفتح تحقيق شامل يحدد المسؤوليات الجنائية حيال كارثة انهيار سدي وادي درنة، وتحديد كل من أهمل أو قصر في أداء الواجبات والمهام المكلف بها بداية بالجهة المسؤولة عن السدود وصيانتها.
من جهتها، أعلنت الحكومة المكلفة من البرلمان رسميا عن تسليم المدينة إلى قوات الجيش برئاسة حفتر، مطالبة الجميع بالالتزام بأوامر القوات المسلحة وإخلاء المدينة لإفساح المجال لعملهم، في خطوة لإحكام حفتر وقواته السيطرة تماما على المدينة حتى بعد الكارثة والتحكم في كل المساعدات الدولية والمحلية.
فهل سببت قرارات "حفتر" الارتجالية والتعسفية في تفاقم كارثة درنة؟ وهل يمكن محاكمته بعد أن تهدأ الأوضاع؟
استقالة حفتر والدبيبة
من جانبه قال الكاتب السياسي الليبي المقيم في أمريكا، محمد بويصير إنه "قبل 2011 تم إهمال مدينة درنة من قبل القذافي وأتباعه، وبعد 2011 واجهت المدينة عداء "حفتر" واستمر إهمالها، وبحسب ما توفر لدينا من معلومات فأنه قبل الإعصار حذر خبراء ليببيون فى دراسات علمية تقوم على أسس صحيحة من وقوع كارثة بالمدينة لكن حكومات المحاصصة والفساد لم تلتفت إليها.
وأكد في تصريحات لـ"عربي21" أن "الحكومات والسلطات هناك بما فيهم حفتر وقواته كونهم المسيطرين على المدينة لم يقوموا بواجباتهم فى مثل هذه الحالات من توعية للسكان وإخلاء المناطق المعرضة للخطر وتواجد فرق الإنقاذ المدربة والمجهزة للتدخل السريع حال حدثت أزمة، لا شيء مما سبق حدث، بل إن جيش حفتر منع الإجلاء من منطقة وسط المدينة ما فاقم الكارثة"، بحسب قوله.
وتابع بويصير، وهو مستشار سياسي سابق للقيادة العامة: "بعد الكارثة لم يكن هناك إلا السكان الذين نجوا.. هم من قام بالواجب بينما اختار الآخرون ومنهم جيش حفتر وحكومة
الدبيبة التصوير والتصريح، لذا فإن أشرف موقف ممكن أن يتخذه الدبيبة وحفتر هو الاستقالة، وعلى الأهالي تكوين مجالس محلية ليتعامل معهم العالم خاصة الدول الرافضة للتعامل مع الحكومتين وجيش حفتر مثل الولايات المتحدة".
مؤامرة وتغيير ديموغرافي
في حين، قال خبير العلاقات الدولية والتحليل السياسي، أسامة كعبار إنه "منذ سيطرة قوات حفتر على مدينة درنة وهي تتعرض لعملية تفريغ داخلي وتغيير ديموغرافي ممنهج لا سيما أن كثيرا ممن غادروا المدينة هربا من جحيم قوات حفتر قاموا ببيع مساكنهم لعوائل من خارج المدينة، وقد أصبحت المدينة تعج بالغرباء".
وأوضح في تصريحه لـ"عربي21" أنه "صح تقرير التليغراف البريطانية عن تورط حفتر في كارثة درنة الأخيرة، فإن هذا يدعم سيناريو مشروع إعادة صياغة الديموغرافية في المدينة، كما أن تقارير ديوان المحاسبة دليل آخر على الإهمال المتعمد لصيانة السدود حول المدينة وكذلك قرار حظر التجوال فيها"، وفق قوله.
وتابع: "أمام تسلسل هذه الحقائق فإن سيناريو المؤامرة التى تحاك لأحد أهم معاقل الثورة الليبية "درنة" هو سيناريو حقيقي ويحمل احتمالية ترجيحية كبيرة، خاصة عندما نضع تدخل الجيش المصري بهذه الكثافة الحضورية تحت مسمى فرق المساعدة والإنقاذ"، بحسب تقديراته.
عداء تاريخي
الناشطة التونسية والمختصة في التواصل السياسي، كوثر الدعاسي قالت من جانبها إن "التقرير الذي نشرته التليغراف البريطانية خطير للغاية ويتطلب من جميع السلطات الليبية فتح تحقيق جدي في هذه الواقعة، خاصة أنه لا يخفى على أحد العداء التاريخي بين اللواء خليفة حفتر وبين مدينة درنة".
وأشارت في تصريح لـ"عربي21" إلى أن "إبادة مدينة بأكملها جراء قرار وحيد بعدم إجلاء المواطنين يمكن أن يكون مبالغا فيه فلا يخفى على أحد حالة الحرب التي تعيشها
ليبيا منذ سنوات وعدم صيانة الطرقات والسدود والفساد المالي والإداري الذي يحوم حول الصفقات المبرمة خاصة التركية، كلها أسباب ساهمت في تفاقم الوضع".
وأضافت: "لكن رغم ذلك فالمطلوب في هذه المرحلة هو محاكمة دولية لجميع الأطراف التي ساهمت في هذه الكارثة الإنسانية أيا ما كانت مناصبهم".
تحقيق دولي ومحلي
وقال الصحفي الليبي، موسى تيهو ساي إن "من أسوأ الأخطاء التي عمقت هذه الكارثة هو مطالبة الناس بالبقاء في منازلهم وفرض حظر تجوال في المدينة قبل العاصفة وهو ما منع الناس من مغادرة المدينة بما في ذلك طلب قوات حفتر من الناس عدم الخروج وهذه جريمة في حق كل أهالي درنة خاصة من ماتوا".
وأضاف: "خطأ آخر لا يقل عن الأول وهو إهمال السدود التي انهارت بسبب تهالكها وعدم خضوعها للصيانة منذ نحو نصف قرن من الزمان، لذا فإنه يجب تحديد المسؤولين عن هذه الكارثة سواء حفتر أو غيره وإجراء تحقيقات دولية ومحلية عبر القضاء لكشف الجريمة ومرتكبيها"، بحسب قوله لـ"عربي21".