نشرت صحيفة
نيويورك تايمز تقريرا لرئيس مراسليها في البيت الأبيض بيتر بيكر ومراسلتها في البيت الأبيض كاتي روجرز، قالا فيه إن الرئيس جو
بايدن عزز علاقة استراتيجية جديدة مع
فيتنام يوم الأحد، ما جعل الخصمين التاريخيين أقرب مما كانا عليه في أي وقت مضى، ووضع أشباح الماضي وراءهما بسبب القلق المشترك بشأن طموحات
الصين المتزايدة في المنطقة.
خلال زيارة تاريخية قام بها الرئيس الأمريكي إلى هانوي، رفعت قيادة الحزب الشيوعي الفيتنامي رسميا علاقات البلاد مع الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى في التسلسل الهرمي الدبلوماسي في هانوي، أي ما يعادل تلك الموجودة مع روسيا والصين. وقال بايدن إن هذا الاختراق كان "بداية حقبة أعظم من التعاون" بعد نصف قرن من انسحاب القوات الأمريكية.
وقال بايدن في مؤتمر صحفي بعد اجتماع مع نغوين فو ترونغ، الأمين العام للحزب الشيوعي في فيتنام: "اليوم، يمكننا تتبع قوس من التقدم مدته 50 عاما في العلاقة بين بلدينا، من الصراع إلى التطبيع. هذه مكانة رفيعة جديدة ستكون قوة لتحقيق الرخاء والأمن في واحدة من أكثر المناطق أهمية في العالم".
على الرغم من أنه لم يُشر هو ولا ترونغ إلى الصين بشكل مباشر في تصريحاتهما العامة، فقد كان ذلك نصا فرعيا مهما لهذه الخطوة حيث يعمل بايدن على إنشاء شبكة من الشراكات في المنطقة لمواجهة الأعمال العدوانية من قبل بكين. وفي الأشهر الأخيرة، قام بتوسيع التعاون مع أستراليا والهند والفلبين وجمع قادة اليابان وكوريا الجنوبية معا في كامب ديفيد لإبرام تحالف ثلاثي استعصى على واشنطن في الماضي.
وقال بايدن يوم الأحد: "الولايات المتحدة دولة في المحيط الهادئ، ولن نذهب إلى أي مكان"، وهو بيان يبدو أنه يهدف إلى تنبيه الصين.
لكن ردا على أسئلة الصحفيين، نفى بايدن أي نية عدائية، ورفض حربا باردة جديدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وقال: "لا أريد احتواء الصين. أريد فقط التأكد من أن لدينا علاقة مع الصين في وضع أفضل، وأن الجميع يعرف ما يدور حولها".
ولم تقتنع بكين. وفي الأيام التي سبقت زيارة بايدن، دعا ماو نينغ، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، الولايات المتحدة إلى "التخلي عن عقلية الحرب الباردة وعقلية اللعبة الصفرية" في تعاملاتها مع آسيا، وأصر على أن تلتزم واشنطن "بالمعايير الأساسية للعلاقات الدولية".
وصل بايدن إلى هانوي بعد عطلة نهاية الأسبوع في نيودلهي لحضور اجتماع قمة مجموعة العشرين السنوي. وكان من أبرز الغائبين الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي عادة ما يحرص على حضور مثل هذه التجمعات. وحل مكانه رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ، الزعيم الثاني للبلاد.
وكشف بايدن خلال مؤتمره الصحفي في هانوي أنه تحدث مع لي على هامش القمة. وأضاف: "تحدثنا عن الاستقرار. لم تكن هناك مواجهة على الإطلاق".
وكانت التكهنات حول غياب شي مكثفة داخل إدارة بايدن. هناك أربع نظريات حول سبب تغيبه عن الاجتماع: أنه يعاني من ضغوط سياسية داخلية بسبب المشاكل الاقتصادية المتزايدة في البلاد؛ أو أنه أراد إرسال إشارة إلى الهند وسط نزاع حدودي متوتر؛ أو لأنه يُنظر إليه في الداخل على أنه قضى الكثير من الوقت في الخارج؛ أو أنه يريد تحويل التركيز إلى التجمعات الأكثر قابلية لتوجهات بكين، مثل نادي دول البريكس الذي يضم روسيا والبرازيل وقوى أخرى.
وعلى الرغم من اتفاق فيتنام الجديد مع بايدن، فإن الصين تظل شريكها الأجنبي المهيمن، بالنظر إلى العلاقات الاقتصادية الطويلة الأمد بين البلدين، وقد أشارت بكين إلى أنها لن تتنازل عن الأرض للولايات المتحدة. وفي الأسبوع الماضي فقط، التقى لي برئيس وزراء فيتنام فام مينه تشين على هامش اجتماع قمة دولي آخر في جاكرتا بإندونيسيا.
لكن فيتنام، إحدى دول جنوب شرق آسيا القليلة التي تصدت للعدوان الصيني في بحر الصين الجنوبي، تتطلع إلى إقامة مسافة أكبر قليلا عن بكين ومنح نفسها مساحة أكبر قليلا. ولا يتوقع مسؤولو إدارة بايدن أن تتخلى فيتنام عن تعاونها مع الصين بالكامل، لكنهم يأملون في توفير البديل بشكل متزايد [لفيتنام] مع مرور الوقت.
وبالمثل، يتوقع مسؤولو الإدارة أن تظل فيتنام قريبة من روسيا، راعيتها التاريخية منذ أيام الاتحاد السوفييتي، ولم يعربوا عن أي مخاوف بشأن تقرير صحيفة نيويورك تايمز، حول سعي هانوي سرا إلى عقد صفقة أسلحة جديدة مع موسكو حتى بينما كانت تستضيف بايدن.
يعتمد الجزء الأكبر من الجيش الفيتنامي على المعدات الروسية، لذلك فإنه ليس أمامه خيار سوى الاستمرار في شراء الأسلحة والمعدات وقطع الغيار من موسكو. ولكن يبدو أن فيتنام بدأت في فطام نفسها تدريجيا عن مورديها الروس. ويمكن للحكومة الأمريكية متابعة زيارة بايدن بمبيعات طائرات F-16 الحربية وبطاريات الرادار العسكرية، التي ترغب فيها هانوي.
وقال بايدن لترونغ خلال اجتماعهما في غرفة الاجتماعات مع تمثال نصفي لـ هو تشي مينه [الرئيس الأول لفيتنام الشمالية] يطل على الوفدين: "إن فيتنام والولايات المتحدة شريكان مهمان في ما يمكن أن أقول إنه وقت حرج للغاية. أنا لا أقول ذلك لكي أكون مهذبا. أنا أقول ذلك لأنني أعني ذلك من أعماق قلبي".
لقد جعل ترونغ، زعيم الحزب الشيوعي المسن، من تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة أولوية على مقاومة شخصيات الحزب الأخرى، وهو إرث محتمل له وهو يتجه إلى نهاية فترة ولايته. وأقامت الولايات المتحدة وفيتنام علاقات دبلوماسية طبيعية في عهد الرئيس بيل كلينتون في عام 1995، وانتقلت بها إلى العلاقات الشاملة في عهد الرئيس باراك أوباما في عام 2013.
والآن ستعرّف علاقاتهم مع واشنطن على أنها "علاقة استراتيجية شاملة"، وهي علاقة لا تربطها إلا مع الصين وروسيا والهند وكوريا الجنوبية. كان يقف خلف بايدن يوم الأحد جون كيري، المحارب القديم في حرب فيتنام الذي تحول إلى متظاهر، والذي ساعد عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ في التطبيع في التسعينيات، وكوزير للخارجية، دعم رفع التطبيع بعد ما يقرب من عقدين من الزمن. وهو الآن يشغل منصب مبعوث بايدن للمناخ.
في معاملة بايدن بترحيب مليء بالأبهة، مع حرس الشرف، والفرق الموسيقية والأطفال الذين يلوحون بالأعلام، كان ترونغ مبتهجا بشأن علاقتهما، حتى إنه تملق الرئيس البالغ من العمر 80 عاما بقوله إنه [أي بايدن] لم يبدُ مسنا.
وقال ترون لبايدن: "لم تتقدم في السن يوما واحدا، وأود أن أقول إنك تبدو أفضل من ذي قبل". وأضاف ترونغ: "كل سمة منك، سيدي الرئيس، مكملة إلى حد كبير لصورتك". ضحك بايدن بتقدير.
إلا أن القيادة الفيتنامية أكثر تعقيدا من مجرد رجل واحد، وأكثر جماعية مما هي عليه في الصين أو روسيا. ونتيجة لذلك، فإن بايدن يخطط للقيام بزيارات منفصلة يوم الثلاثاء للعديد من الشخصيات المؤثرة الأخرى: تشينه، رئيس الوزراء، والرئيس فو فان ثونغ، وفونغ دينه هوي رئيس البرلمان.
واتهم نشطاء حقوق الإنسان الحكومة الأمريكية بالتخلي عن التزامها المعلن بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارج لصالح تعزيز النفوذ الأمريكي في المنطقة. ولا تزال فيتنام واحدة من أكثر الدول الاستبدادية في جنوب شرق آسيا، وقد شنت حكومة ترونغ حملة قمع قاسية بشكل خاص على المعارضة والنشاط في السنوات الأخيرة.
وقال فيل روبرتسون، نائب مدير آسيا في "هيومن رايتس ووتش"، في إشارة إلى زيارة بايدن إلى هانوي: "قد يُنظر إلى صمت الولايات المتحدة بشأن حقوق الإنسان على أنه تواطؤ في حملة القمع المتزايدة باستمرار التي تشنها الحكومة الفيتنامية على الحقوق، ما يضر بالعلاقة طويلة الأمد".
وكان التباين بين بايدن و ترونغ واضحا في تعليقاتهما المكتوبة بعد لقائهما. وبينما شدد ترونغ على أهمية "عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما البعض" واحترام النظام السياسي لبعضهما البعض، فإن بايدن قال إنه "أثار أهمية احترام حقوق الإنسان".
ورد الرئيس بنبرة حادة عندما سئل فيما بعد عن ما إذا كان يضع المصالح الاستراتيجية الأمريكية فوق حقوق الإنسان: "لقد أثرت هذا الأمر مع كل شخص التقيت به".
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)