نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمراسلها للشؤون الدبلوماسية، مايكل كراولي، أشارت فيه إلى أنه بعد عامين من الانسحاب من أفغانستان، يقاوم الرئيس الأمريكي جو
بايدن الدعوات لمزيد منا الاتصالات مع
طالبان، التي أظهرت تعاونا في بعض القضايا، لكنها في الوقت ذاته يوجه إليها الانتقادات بسبب ممارسات تتعلق بحقوق الإنسان.
وفي 14 آب/ أغسطس، أصدرت مجموعة من مسؤولي الأمم المتحدة تقريرا يقول؛ إن حركة طالبان انخرطت في "إلغاء مستمر ومنهجي وصادم للعديد من حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في التعليم والعمل وحرية التعبير والتجمع وتشكيل الجمعيات"، بحسب "
الغارديان"
وتشبث بعض المحللين والمسؤولين الأمريكيين بالأمل في أن تكون حركة طالبان قد أصبحت أكثر اعتدالا منذ آخر مرة سيطرت فيها على البلاد في التسعينيات، أو أنها على الأقل ستقدم تنازلات للمطالب الغربية بشأن حقوق الإنسان لكسب الاعتراف الدبلوماسي أو
المساعدات الاقتصادية، في ظل معاناة البلاد من أزمة إنسانية متفاقمة، ولكن ذلك لم يحصل.
وكتب خبراء الأمم المتحدة: "لقد تم الكشف عن أن مفهوم طالبان 'مُصلحة' خاطئ". ونتيجة لذلك، استبعد مسؤولو إدارة بايدن احتمال موافقتهم على مطالب طالبان بالاعتراف الدولي وتخفيف العقوبات، والوصول إلى مليارات الدولارات من الأصول المجمدة في الولايات المتحدة.
وفي الوقت ذاته، فاجأت بعض جوانب حكم طالبان بعض المسؤولين الأمريكيين بشكل متواضع، ولم تتحقق المخاوف من نشوب حرب أهلية، واتخذت حركة طالبان إجراءات صارمة ضد الفساد، وحظرت زراعة خشخاش الأفيون، على الرغم من أنه لم يتضح بعد مدى صرامة تطبيق هذا الحظر.
وعلى رأس أولويات الرئيس بايدن بالنسبة للبلاد –منع عودة "الجماعات الإرهابية" التي قد تهدد الولايات المتحدة–، ويبدو أن قادة طالبان يحظون بموافقة واشنطن، وهذا أمر بالغ الأهمية.
وقال بايدن في 30 حزيران/ يونيو، ردا على سؤال أحد الصحفيين حول الانسحاب الأمريكي: "قلت؛ إن القاعدة لن تكون هناك. قلت إننا سنحصل على المساعدة من طالبان. ماذا يحدث الآن؟"، وقد كان السؤال بلاغيا. وكان المعنى الواضح لبايدن هو أنه قد تم تبرير قراره بسحب القوات الأمريكية.
ولم يكن ذلك كافيا لإقناع بايدن باستعادة أي دعم أمريكي للبلاد، لكن بعض الجماعات الإنسانية وخبراء أفغانستان يدعون إدارة بايدن إلى تخفيف موقفها، وعلى الأقل، تزويد طالبان بمساعدة اقتصادية مباشرة للتخفيف من الفقر المدقع والجوع في البلاد.
وقال غرايم سميث، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية الذي عمل في أفغانستان منذ عام 2005 وقضى مؤخرا أشهرا في البلاد لتقييم الأوضاع في ظل حكم طالبان: "يحتاج العالم إلى التفكير مليا فيما يحاول تحقيقه في أفغانستان هذه الأيام، ومعظم الأشياء التي نريد القيام بها تتطلب العمل مع طالبان".
وقد كتب سميث مؤخرا مقالا في مجلة "فورين أفيرز"، يحث فيه الحكومات والمؤسسات الغربية على "إقامة علاقات أكثر فاعلية مع طالبان". وقال سميث؛ إن ذلك يمكن أن يشمل المساعدة في شبكة الكهرباء والنظام المصرفي وإدارة المياه في البلاد.
وأضاف سميث أن الحاجة ماسة بشكل خاص، بالنظر إلى أن المساعدات الإنسانية الدولية -التي ترسلها الولايات المتحدة ودول أخرى حاليا مباشرة إلى مجموعات الإغاثة، للتحايل على حكومة طالبان- آخذة في التضاؤل.
وقال سميث؛ إن مثل هذا التعاون غير مرجح على المدى القريب، نظرا لما أسماه "السياسة السامة" في أفغانستان. وهاجم الجمهوريون بايدن بسبب ما وصفوه بالخروج السيئ الإدارة وغير الكريم من البلاد، وهي ديناميكية قد تجعل الرئيس أكثر نفورا من المخاطرة.
وأضاف سميث: "إذا أعيد انتخاب بايدن، فإن ذلك سيوفر له مساحة صغيرة من العمل لبعض الحلول العملية".
ويقول مسؤولو طالبان؛ إن السياسات الأمريكية تؤدي إلى تفاقم المعاناة في أفغانستان؛ لأن العقوبات الأمريكية طويلة الأمد ضد قادة طالبان، تثبط الاستثمار الأجنبي والتجارة في البلاد.
وهم يصرون على أن الولايات المتحدة ليس لها الحق في الاحتفاظ بأصول بقيمة 7 مليارات دولار أودعها أسلافهم في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك. (وقد طلب بايدن في العام الماضي تحويل نصف هذه الأموال إلى صندوق لتلبية الاحتياجات الإنسانية لشعب أفغانستان).
وتجري إدارة بايدن بعض الاتصالات مع ممثلي طالبان. على مدى العامين الماضيين، سافر توماس ويست، الممثل الخاص لوزارة الخارجية لأفغانستان، إلى الدوحة، لحضور عدة اجتماعات مع مسؤولي طالبان، كان آخرها في 30 و31 تموز/ يوليو.
وانتقد وصف رسمي لوزارة الخارجية لتلك الجلسة، حركة طالبان و"تدهور وضع حقوق الإنسان في أفغانستان، خاصة بالنسبة للنساء والفتيات والمجتمعات الضعيفة"، وقال؛ إن المسؤولين الأمريكيين "أعربوا عن قلقهم البالغ بشأن الاعتقالات، وقمع وسائل الإعلام والقيود المفروضة على الممارسات الدينية".
لكن الملخص عرض أيضا بعض الكلمات الإيجابية حول انخفاض إنتاج خشخاش الأفيون، والمؤشرات الاقتصادية الواعدة وجهود مكافحة الإرهاب، وألمح إلى أنه قد يكون من الممكن تحقيق المزيد من التعاون.
وفي اجتماع مع المسؤولين الماليين والمصرفيين في الحكومة الأفغانية، كما جاء في الوصف، أعرب ويست وزملاؤه "عن انفتاحهم على حوار فني بشأن قضايا الاستقرار الاقتصادي قريبا".
وبمناسبة الذكرى السنوية الثانية لنهاية الحرب قال بايدن: "لقد أثبتنا أننا لسنا بحاجة إلى وجود دائم للقوات على الأرض لتحمل الضرر لاتخاذ إجراءات ضد الإرهابيين، وأولئك الذين يرغبون في إلحاق الأذى بنا”، مضيفا أن الولايات المتحدة هي أكبر مانح في العالم للمساعدات الإنسانية للبلاد.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالتعاون ضد الإرهاب، فإن بعض المسؤولين والمحللين ما زالوا يشعرون بعدم الثقة إلى حد كبير، ويخشون أن تكون حركة طالبان تقوم بمجرد احتواء لتنظيم القاعدة على المدى القصير لتجنب استفزاز الولايات المتحدة.
وتقاتل حركة طالبان أيضا فرعا محليا لتنظيم الدولة، لكن البعض يقولون؛ إن هذا لا يعني الكثير، لأن تنظيم الدولة يتحدى حكم طالبان علنا، مما يجعل من الواضح أن مثل هذه العمليات تخدم المصلحة الذاتية للحركة.
وقالت ليزا كيرتس، مسؤولة مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض في عهد ترامب، في حلقة نقاش استضافها معهد الشرق الأوسط في تموز/ يوليو؛ "إن السعي لإشراك طالبان في قضية الإرهاب مع تجاهل ما يفعلونه بالنساء هو خطأ".
ومع ذلك، فإن إدارة بايدن تضع حدودا واضحة لمثل هذه الاتصالات. وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية، فيدانت باتل، للصحفيين في نيسان/ أبريل؛ "إن أي نوع من الاعتراف بطالبان غير مطروح تماما". ويقول المسؤولون؛ إن الدبلوماسيين الأمريكيين لن يعودوا إلى العاصمة كابل في أي وقت قريب.
ودعا زلماي خليل زاد، الذي شغل منصب مبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى طالبان وتفاوض على خطة سحب القوات التي ورثها بايدن، إلى تغيير سياسة الولايات المتحدة. وأضاف: "[ما فعلناه هو] أننا تمنينا أن تنتهي المشكلة".
وخليل زاد هو من بين أولئك الذين يقولون؛ إن حركة طالبان أظهرت بعض ضبط النفس، مقارنة بأسوأ التوقعات. وأضاف: "اعتقد الكثيرون أن الأمور ستكون أسوأ بكثير مما هي عليه الآن، وأنه سيكون هناك المزيد من الإرهاب، والمزيد من اللاجئين، وأنه سيكون هناك إراقة دماء" على نطاق أوسع بكثير.
لكن عزو أي فضل لطالبان يظل مثيرا للجدل إلى حد كبير. وفي الشهر الماضي، سافر توبياس إلوود، أحد كبار أعضاء حزب المحافظين في البرلمان البريطاني، إلى أفغانستان ونشر مقطع فيديو أعلن فيه أنها "بلد تحول" ــ في نواح كثيرة إلى الأفضل.
وأكد أن "الأمن تحسن بشكل كبير، وانخفض الفساد، واختفت تجارة الأفيون"، مضيفا أن الاقتصاد ينمو.
ودعا إلوود بريطانيا إلى إعادة فتح سفارتها في كابول، التي تم إغلاقها في آب/ أغسطس 2021، كما دعا حكومته إلى التعامل مع طالبان بدلا من "الصراخ من بعيد".