ماذا كان ينقصه ليكون في الصدارة؟! إذا كان شعره الفصيح من أجمل ما يمكن أن تقرأ،
عمودياً وتفعيلةً! وإذا كان شعره العامي، قد أصبح هتاف الجماهير
في الانتفاضات! وإذا كان نثره يضع في مقالاته النقاط
على الحروف، وأبحاثه متقدمة ومتجددة! إذا كان قد ترأس تحرير عدد من الصحف، وأصدر
الكثير من الدواوين الشعرية.. وتعمّق في المجتمع الأدبي
الفلسطيني، وواكب الأحداث
والمناسبات، وكان غزير الإنتاج من دون أن ينال من النوعيه والجودة.
فلماذا لم ينل
الشاعر طلعت سقيرق حظه من الشهرة والإعلام كغيره من
الشعراء الفلسطينيين؟!
سألتُ بعض معارفه، فقالوا إنه كان منكفئاً عن التنظيمات والفصائل،
مكتفياً بالمحلية والمهنية، بعيداً عن العلاقات العامة والمناصب.. كان منكباً على
عمله الثقافي لفلسطين، مُجِداً في إنتاجه.. ولما توفي عام 2011 خرج في جنازته خمسة
أشخاص فقط، ودُفن في مخيم اليرموك.. قيل يومها أن سبب ذلك هو الأحداث التي عصفت
بسوريا..
ويمكنني أن أضيف إلى هذا، أنه لم يكن في مناطق الضوء والحراك الثقافي
قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، حين كانت بيروت تضم التيارات الفنية
والثقافية الفلسطينية، والتغطية الإعلامية لها، والفعاليات والأنشطة والمهرجانات
والجوائز. كل ذلك كان الشاعر طلعت سقيرق غائباً عنه.
إنه ابن العائلة الحيفاوية التي غادرتها في أحداث النكبة، بفعل جرائم
عصابات الاحتلال، وولد هو بعد خمس سنوات من النكبة في طرابلس شمالي لبنان، عام
1953.
وما لبثت أن انتقلت العائلة إلى دمشق، فنشأ منذ الطفولة فيها، حيث
تلقى علومه حتى نهاية الثانوية. ثم التحلق بعدها بجامعة دمشق وحاز على الإجازة في
الأدب العربي عام 1979.
بعد تخرّجه عمل في التدريس. وسبق أن بدأ العمل في الصحافة منذ العام
1976، حيث نشر مقالاته وخواطره الأدبية في مجلة صوت الثقافة ومجلة صوت العرب.
ثم تفرّغ لهذا العمل في صحيفة تشرين منذ تأسيسها حتى العام 1982.
وكان في الوقت نفسه المسؤول الثقافي في مجلة "صوت فلسطين" منذ العام
1979، كونه قد التحق بخدمة العلم في جيش التحرير الفلسطيني الذي كان يصدر هذه
المجلة. وقد بلغت المواد المنشورة له في الصحافة حتى 1983 أكثر من 500 مادة.
المهام التي شغلها
كان مدير مكتب سوريا ولبنان لجريدة "شبابيك" الأسبوعية
التي تصدر في مالطا منذ العام 1997، مدير دار "المقدسية" للطباعة
والنشر والتوزيع في سوريا، صاحب ورئيس تحرير مجلة "المسبار"، مدير رابطة المبدعين العرب، عضو اتحاد الكتاب العرب والصحفيين
الفلسطينيين، عضو اتحاد الصحفيين في سوريا، عضو اتحاد الكتاب
العرب، عضو رابطة الأدب الحديث بمصر.
مؤلفاته
تنوّعت كتاباته بين الشعر والقصة والرواية، والقصة القصيرة جداً
والنقد الأدبي، كما كتب المسرحية ذات الفصل الواحد، وقد قدم بعضها على خشبات
المسرح، وكتب الأغنية الشعبية التي غنتها الفرق الفنية الفلسطينية، وكتب في الكثير
من الصحف والمجلات العربية.
لحن على أوتار الهوى، شعر، 1974، في أجمل عام، شعر، 1975، أحلى فصول العشق، شعر، 1976، سفر، قصيدة، 1977، أشباح في ذاكرة غائمة، رواية، 1979، لوحة أولى للحب، شعر، 1980، أحاديث الولد مسعود، رواية، 1984، هذا الفلسطيني فاشهد، شعر، 1986، الخيمة، قصص قصيرة جداً، 1987، السكين، قصص قصيرة جداً، 1987، أنت الفلسطيني أنت، شعر، 1987، الإسلام ومكارم الأخلاق، دراسة، 1990، الإسلام دين العمل، دراسة، 1991، أغنيات فلسطينية، شعر عامي، 1993، قمر على قيثارتي، شعر، 1993، الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله
الثاني، دراسة، 1993، عشرون قمراً للوطن، دراسة، 1996، الأشرعة، قصص قصيرة، 1996، احتمالات، قصص، 1998، طائر الليلك المستحيل، شعر، 1998، دليل كتاب فلسطين، 1998، القصيدة الصوفية، شعر، 1999، زمن البوح الجميل، نصوص، مشترك مع ليلى
مقدسي 1999، الانتفاضة في شعر الوطن المحتل، دراسة، 1999، نقوش على جدران العمر، شعر، 2008.
من شعره
كتب شاعرنا الكثير من الشعر العامي والفصيح.. وقد اشتهر من العامي ما
غنته الفرق أو هتفت به الجماهير، مثل:
ما في خوف ما في خوفْ
الحجر صار كلاشنكوفْ
بإيدك يا شعب فلسطينْ
والحكي مش متل الشوفْ
أرضك يا بلادي من نارْ
ضد المحتل الغدارْ
حجارك رملك مياتكْ
بتصرخ إرحل يا استعمارْ
اضرب اضرب هالمحتلْ
بكره الحريه بتهلْ
ومنزرع أرضك يا فلسطينْ
أعراس وزينات وفلْ
ومثلها أغنية "عَ الشوملي عَ الشوملي":
ع الشوملي ع الشوملي
امتدي يا ثورتنا اشعلي
ما احلى الحجر يقدح شررْ
والزند يقدح مرجلهْ
ع الشوملي يا بيوتنا
يا سهولنا ويا جبالنا
ردي العدا يا أرضنا
حتى لشمسك توصلي
هبه وزنود ومعركهْ
ونار انتفاضة مباركهْ
الأقصى ودياري بتشتكي
غير الحجاره ما إلي
ع الشوملي وعهد انكتبْ
إحنا انتفاضتنا لهبْ
غير النصر ما في طلبْ
والأرض إلنا يا هلي.
ومن الشعر الفصيح أختار مقاطع من قصيدة طويلة سمعتها منذ زمن وحفظت
بعض مقاطعها، كتبها بعنوان "إلى شهداء صبرا وشاتيلا":
سألتُ الشارع المطروح في صبرا
عن البنتِ التي كانتْ..
تزيّنُ شعرها فلهْ
عن الطفل الذي ما زالَ
يبكي إن رأى ظلهْ
وكان الصمت خلفَ البابِ
والجدرانِ والطرقاتْ
هنا كانوا.. هنا شدّتْ على كفي
أصابعُ طفلةٍ.. طفلهْ
لماذا كلهم ذهبوا؟؟
لماذا كلهم رحلوا؟؟
* * *
هنا صبرا وشاتيلا
هنا دمنا.. سنرسله قناديلا..
ونصرخُ: لا لغير الأرضِ.. كل الأرضِ
نصرخ: لا لغير الشمس.. والمدفعْ
لنا حيفا.. لنا يافا.. لنا القدس..
لنا كلّ الترابِ.. لنا..
لنا كلّ الديار.. لنا..
سلام الدولةِ العرجاءِ نرفضهُ
سلام الذلِّ نرفضهُ
ونرفضُ أن نمدّ يداً إلى القتلهْ
* * *
هنا صبرا.. وشاتيلا..
يغيب الشارع الأولْ..
يغيب الشارع الثاني..
هنا جثث.. هنا جثث..
هنا البيت الذي جدرانه انطرحتْ..
على جدرانهِ دمهمْ..
على الأرض التي ارتفعتْ..
على الأرض التي انخفضتْ
على الأشجار.. والخبزِ..
هنا دمهمْ..
يدور الزعتر البلدي في دمهمْ..
يشدّ الحلم يرفعه إلى الأعلى..
تغيبُ الجثة الأولى..
تصير الآن قنديلاً وقافيةً
تغيب الجثة الأخرى
تصير الآن أشجاراً.. وأغنيةً
يدور الزعتر البلدي في دمهمْ..
يشدّ الحلم يرفعه إلى الأعلى..
هنا صبرا وشاتيلا..
سيورق في دمي البلدُ
ويطلع في دمي البلدُ
هو الميناء والزيتونْ
هو القمّهْ
دمي الأنهار والليمونْ.. دمي اللمّهْ
دمي القنديل للدربِ.. دمي الثورهْ..
رصاصتنا هنا ارتفعت إلى الأعلى
بنادقنا إلى الأعلى إلى الأعلى
دم الشهداء عطر الأرض طرحتها
دم الشهداء عرس العودةِ العودهْ..
بنادقنا رصيف الحلم والتحريرِ.. والعودهْ..
* * *
تفاجئكَ الزنابق في توهّجها
هنا صبرا.. وشاتيلا..
مداد نشيدنا الممتدّ للأرضِ
سنمضي فجرنا المجدول في يدنا
لنا الشهداء قامتهم إلى الأعلى
وقامتنا..
إلى الأعلى..
رصيف الشمس غايتهم..
وغايتنا..
هم العهد الذي في الصدر رايتهُ..
هم الدرب الذي انطلقت أزاهرهُ
همُ الفيضانُ والثورهْ..
سنمضي نكملُ المشوارْ..
رصاصتنا.. بنادقنا
إلى الأعلى..
هم الشهداء.. والشهداء في دمنا
هم الأرض التي تمتدّ في غدنا..
هم العودهْ..
*كاتب وشاعر فلسطيني