كتب أحد الكوادر الفاعلة داخل حركة
النهضة تدوينة لم ترق للبعض، وأثارت جدلا
واسعا في الصفوف؛ جاء في تدوينة المحامي سامي الطريقي متوجها بالخطاب إلى أبناء
الحركة ما يلي: "لا تنساقوا وراء خطاب ترذيل الدولة مهما كان الخلاف جديا.
فسواء كنا في السلطة أو في المعارضة، فإنه يجب علينا ألا ننساق وراء خطاب يضعف
الدولة؛ لأنه لو سقط سقفها فسوف يسقط على الجميع".
على الرغم من أن صاحب هذا الرأي يعتبر من المقربين جدا لرئيس الحركة
ومدافعا شرسا عنه، إلا أنه مع ذلك تعرض لحملة شرسة من داخل الحركة، بلغت حد اتهامه
بالخيانة، والتنسيق مع دوائر السلطة من أجل التخلي عن الغنوشي خلال المؤتمر القادم
للنهضة الذي يجري الإعداد له. ورد عليه العديد من إخوانه بقولهم: "من رذّل
الدولة هو
قيس سعيد وليست النهضة"، وهو ما يؤشر على أن أجواء المؤتمر ستكون
مشحونة، في ظل تجاذبات بين تيارات متصارعة بعد أن استوت الرؤوس في غياب القادة
التاريخيين للحركة.
ما يُخشى الآن، هو أن ينقلب الصراع مع قيس سعيد بصفته رئيسا متهما بالانقلاب على الانتقال الديمقراطي، والاستحواذ على جميع الصلاحيات، إلى عداء مفتوح مع الدولة ومؤسساتها الشرعية.
هذا الجدل/ الصراع "الداخلي" الذي تسرّبت أصداؤه عبر وسائل
التواصل الاجتماعي؛ يعكس الحيرة الجماعية التي يمر بها عموم النهضويين في هذا
الصراع الذي يخوضونه دون استعداد مسبق، وبلا تخطيط واضح. فالرئيس سعيد بقراراته
المتتالية وإصراره على إلغائهم من المشهد الوطني، نجح إلى حد ما في تعميق
التناقضات في صفوفهم، وأربك مسارهم بشكل جلي، وجعل منهم، رغم ثقلهم العددي، جسما
سياسيا غير قادر حاليا على التأثير في موازين القوى.
ما يُخشى الآن، هو أن ينقلب الصراع مع قيس سعيد بصفته رئيسا متهما بالانقلاب
على الانتقال الديمقراطي، والاستحواذ على جميع الصلاحيات، إلى عداء مفتوح مع الدولة
ومؤسساتها الشرعية؛ إذ يفترض بأن أفراد الحركة على وعي عميق بوجود حد فاصل بين
الرئيس والدولة؛ يمكّنهم كحزب معارض أن يعتبروا سعيد رئيسا "اغتصب السلطة دون
حق"، وأن يخاصموه على هذا الأساس.
لكن ما يُخشى في المقابل، هو التورط في بناء خطاب احتجاجي سقفه عال جدا، يتجاوز ما يقوم به رئيس الدولة وما يفعله، ليشمل مؤسسات الدولة فيتم ترذيلها،
والحط من شأنها، والتقليل من رمزيتها، والاستخفاف بأهميتها، وذلك في سياق المعركة
السياسية الدائرة حاليا مع الرئيس، حتى لو اعتبرنا أن هذا الرئيس تجاوز بعض الخطوط
الحمراء، ووضع نفسه فوق المحاسبة، فهناك من يعتقد بأن الدولة "انهارت يوم 25 تموز/
يوليو 2021"، ومن ثم لا توجد حاليا دولة شرعية، وإنما نحن أمام "دولة
الانقلاب". هذا موقف يضع أصحابه أمام نتائج خطيرة، من شأنها أن تفضي إلى خيارات
مغايرة تماما لما تبنته قيادة النهضة، خاصة بعد الثورة.
في غياب رؤية واضحة للمستقبل، يمكن أن يحصل تصعيد ما من هذه الجهة أو تلك، من شأنه أن يؤدي إلى خلط الأوراق والتمهيد لسيناريوهات غير متوقعة، خاصة أن الخلاف اليوم الذي يشق الصفوف يتمحور حول مسألتين أساسيتين: عقد المؤتمر من عدمه، وثانيا تنفيذ القانون الداخلي الذي يقتضي منع الغنوشي من الترشح مرة أخرى لرئاسة الحركة. وهما مسألتان مترابطتان ستؤدي كل منهما مهما كان الاختيار، إلى خسائر سياسية فادحة في مرحلة حرجة، وهو وضع ستستفيد منه السلطة كثيرا خلال الأشهر القادمة.
فالسلطة التي انحرفت عن القانون، لا تواجَه باللجوء بطرق ووسائل غير قانونية،
والسلطة القامعة، لا يعتبر سلوكها منطلقا لتبرير خروج معارضيها عن نواميس المقاومة
السلمية، وتبنيهم لخطاب غير أخلاقي؛ لأن ذلك من شأنه أن يدفع بالسلطة إلى مزيد
التصعيد واللجوء إلى وسائل أشد تنكيلا وانغلاقا، عندها تدخل البلاد في دوامة يصعب
الخروج منها.
بالعودة إلى الماضي القريب وتحديدا في مطلع التسعينيات عندما انفجر الصراع
بين النهضة ونظام بن علي، شرعت القيادة لأبناء الحركة باللجوء إلى ما سمي بحرية
المبادرة، ففتحت بذلك المجال إلى ممارسات خطيرة كادت أن تحولها إلى تنظيم إرهابي.
وما حادثة باب سويقة، وإلقاء ماء الفرق (ماء النار) على الخصوم، وحرق مقرات حزب
التجمع الدستوري، سوى أمثلة دالة على خطورة المنعرج الذي كلف النهضويين الكثير، وجعلهم
يتيهون في الصحراء لمدة عشرين سنة.
موضوعيا، لا توجد مؤشرات على وجود نهضويين يفكرون في اللجوء إلى العنف، وهذا أمر جيد في حد ذاته، ذلك بالرغم من اعتقال رئيس الحركة وأهم قادتها بدون تهم
واضحة. فالحركة حافظت على انضباط أبنائها وتمسكهم بالقانونية والشرعية والسلمية،
لكن في غياب رؤية واضحة للمستقبل، يمكن أن يحصل تصعيد ما من هذه الجهة أو تلك، من
شأنه أن يؤدي إلى خلط الأوراق والتمهيد لسيناريوهات غير متوقعة، خاصة أن الخلاف
اليوم الذي يشق الصفوف، يتمحور حول مسألتين أساسيتين: عقد المؤتمر من عدمه، وثانيا
تنفيذ القانون الداخلي الذي يقتضي منع الغنوشي من الترشح مرة أخرى لرئاسة الحركة، وهما مسألتان مترابطتان ستؤدي كل منهما مهما كان الاختيار، إلى خسائر سياسية فادحة
في مرحلة حرجة، وهو وضع ستستفيد منه السلطة كثيرا خلال الأشهر القادمة؛ لأن المعركة
بين الطرفين ستطول كثيرا، وستكون لها تداعيات خطيرة على أكثر من صعيد.