علّقت في مقالين في «القدس العربي» في شهر مايو/أيار الماضي، مستغربا ومشككا بتأهيل النظام العربي نظام بشار
الأسد، وإعادته إلى الحضن العربي وتعويمه برغم جرائمه وتحويل
سوريا لخرابة كاملة، تقترب من حافة الإفلاس والمجاعة اليوم مع تراجع قيمة الليرة لمستويات دنيا، حتى صار راتب الموظف السوري بضعة دولارات في الشهر الواحد.
ومع ذلك كله، منح النظام العربي بقيادة المملكة العربية
السعودية التي استضافت القمة العربية فائدة الشك، وقادت إعادة الأسد للحضن العربي، على خلفية التقارب والتطبيع وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران. ولكن دون وضع مرحلة انتقالية لاختبار التزام وإخضاع نظام الأسد للالتزام بالشروط العربية. وبعد ثلاثة أشهر من عودة نظام الأسد، لم يلتزم بتطبيق أي منها!
علقت حينها، بالتأكيد «أن عودة نظام الأسد المثيرة للجدل، التي افتقدت للإجماع العربي، بسبب تحفظ قطر، تدشن لحقبة جديدة بانحياز النظام العربي للأنظمة والإعلان الرسمي عن نهاية موجات تغيير الربيع العربي».
افتقدت بدعة خطوة إيجابية من النظام تقابلها خطوة إيجابية من الجامعة العربية بإعادة النظام السوري إلى الحضن العربي، لآلية تعاقب النظام السوري في حال فشل في الالتزام بتلبية المطالب والتنازلات، بتعهدات عودة اللاجئين الآمنة إلى مناطقهم، والانخراط بحوار وطني ومخرجات جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254، ووقف تصدير شحنات المخدرات والكبتاغون التي يغرق بها الدول الخليجية، وإنهاء وجود ودور المليشيات والجماعات المسلحة، والأهم فك ارتباط تحالفه مع إيران وهيمنتها على القرار السياسي والأمني مع روسيا على سوريا.
لكن الأسد كعادته يريد عودة مجانية، وكان صادما خطابه الفوقي الشوفيني أمام القادة والشعوب العربية في القمة العربية، وتأكيده أن سوريا قلب العروبة وفي قلبها. «وتغيير الأحضان لكن لا تغيير الانتماء»!
خرج الأسد الأسبوع الماضي في مقابلة حصرية مع فضائية «سكاي نيوز» عربية
الإماراتية، بعد حوالي ثلاثة أشهر من القمة العربية وإعادة نظام الأسد إلى حضن الجامعة العربية في القمة العربية في السعودية، ليبرر بأسباب واهية عدم الإيفاء بوعوده وتعهداته وفشله في تنفيذها، دون أي تلويح بعقوبات عربية!
وكان مؤسفا خطاب الأسد المتحدي، ولم يظهر أي موقف عقلاني مهادن في المقابلة، ولم يقدر دور الدول العربية التي دفعت لعودة نظامه للجامعة العربية، بل على العكس، بدا أكثر تشددا وصلفا. وذلك قبل اجتماع اللجنة السداسية لمراجعة التزامه بما تعهد بتنفيذه في 15 آب/أغسطس الجاري، خاصة أن نظامه لم ينفذ أيا من الشروط التي وضعت مقابل استعادة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، ضمن بدعة خطوة إيجابية من النظام تقابله خطوة من طرف العرب. أبرز المطالب:
1 ـ تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
2 ـ إطلاق عملية سياسية تشمل حوارا مع المعارضة السورية.
3 ـ تعديل الدستور لضمان مشاركة المعارضة في العملية السياسية.
4 ـ تهيئة الظروف لضمان عودة آمنة لملايين السوريين النازحين واللاجئين إلى مناطقهم من لبنان والأردن وتركيا والغرب.
5 ـ مكافحة الإرهاب بجميع أشكاله.
6 ـ الحفاظ على سيادة سوريا، وإنهاء التدخلات الخارجية ووجود المليشيات المسلحة الموالية لإيران على الأراضي السورية. (كيف يمكن للأسد أن يوافق على ذلك وإيران وملشياتها وعلى رأسها حزب الله هي ضمان بقاء النظام!).
7 ـ ضرورة وقف تصدير بالمخدرات والاتجار بها، وخاصة حبوب الكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج، حيث تدر التجارة بالمخدرات حوالي 6 مليارات دولار سنويا للنظام.
وبجرأة صادمة، حمّل الأسد في مقابلة «سكاي نيوز» عربية، الدول الداعمة للمعارضة السورية التي أعادت الأسد للجامعة العربية مسؤولية «خلق الفوضى في سوريا ومسؤولية تجارة المخدرات».
لذلك لم ينفذ النظام أيا من مطالب القمة العربية لأنها باختصار غير قابلة للتطبيق. ومن هذا المنطلق، بدا رئيس النظام السوري في المقابلة غير تائب، ومبررا، بل كان متحديا ومصعدا.
وأكد الرئيس السوري في مقابلته أنه لم يكن مطروحا تنحيه عن السلطة في بداية الانتفاضة (التي كانت سلمية ومليونية)، عند اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011؛ لأن ذلك كان سيعد هروبا بسبب الحرب، ولو تفادينا الحرب كنا سندفع ثمنا أكبر بكثير لاحقا. وذلك برغم تظاهر الملايين في معظم المدن السورية ومطالبتهم برحليه، قبل أن يعسكرها النظام باستخدام القوة المفرطة والصواريخ والبراميل المتفجرة وسلاح السيرين والسلاح الكيميائي، لقمع الاحتجاجات والمنتفضين ضد نظامه، ودخول إيران ومليشياتها وروسيا والتنظيمات الإرهابية.
وأكد الأسد وجود مؤامرة بسيناريوهات لخلق حالة من الرعب في سوريا مثل ما حدث للقذافي وصدام حسين. وبرغم عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، إلا أنه انتقد مؤسسة الجامعة؛ لأنها «لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي».
وبرر الأسد بشكل فج سبب عدم عودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم لصعوبة تهيئة الظروف، «لدمار البنى التحتية التي تسبب بها «الإرهاب»، وكيف يعود اللاجئون إلى بلادهم دون وجود الماء والكهرباء والمدارس والرعاية الصحية». وكأنه يستجدي من الدول الخليجية تحمل كلفة وفاتورة إعادة إعمار الدمار، الذي تسبب به مع إيران ومليشياتها وروسيا والمليشيات الإرهابية!
ووصف الأسد موقف حركة حماس بأنه كان مزيجا من الغدر والنفاق. ورفض فكرة الاجتماع مع الرئيس أردوغان؛ لعدم شرعنة الاحتلال التركي.
وزعم الأسد أن هناك حوارا متقطعا يجري مع الولايات المتحدة منذ سنوات. وتمكنت سوريا تجاوز (قانون قيصر) الأمريكي، (الذي يفرض عقوبات واسعة على الأفراد والشركات والحكومات والأنشطة الاقتصادية التي تساعد نظامه عسكريا) بطرق متعددة ولم يعد «العقبة الأكبر».
واضح، برغم تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانهيار الدولة وانهماك روسيا بحربها في أوكرانيا، ومواجهة إيران مع الولايات المتحدة والتصعيد والانفراجة بما يشمل سوريا، وصفقة المقايضات مع إيران، لم يغير سلوك الأسد ليعيد حساباته ويفي بتعهداته، يعني أن التطبيع العربي مع نظام الأسد كان رهانا خاسرا.
القدس العربي اللندنية