كثر الكلام عن زيارة حمدين صباحي لدمشق، وعن
تلك التصريحات التي أدلى بها في حضرة واحد
من سفاحي التاريخ، ما جعل الزيارة محل اهتمام، ليس لشخص حمدين صباحي وكينونته،
لأنه اختلفنا معه أو اتفقنا، جعلته الظروف رقما في معادلة دولة كبيرة ومحورية في
المنطقة، كونه مرشحا سابقا في استحقاقين للرئاسة، أحدهما كانت أنظار العالم كله كانت
متجهة إليه، والثانية كان محل جدل، إذ جعل من نفسه محللاً لنظام وصف من أغلب دول
العالم بالانقلابي، ما حط كثيراً من أسهمه، وتوارى الرجل من بعدها ليستدعى أخيراً في حوار النظام مع نفسه، في ما أطلق عليه
الحوار الوطني، وربما أراد الرجل ووجد في
المؤتمر القومي العربي فرصة لإعادة
التدوير.
لن نتحدث أيضاً عن المواقف المتناقضة لحمدين
صباحي ومحاولاته المبتذلة لركوب أي موجة للوصول، مع تاريخ طويل من الإدراج على
قوائم، من كنا نطلق عليهم أيام الجامعة "تليفون الشارع" والمصطلح يعني
أن الشخص كتليفون الشارع الذي كان يوضع فيه العملة المعدنية "الفكة"
فيتكلم، إذ كان الرجل مدرج على قوائم صدام حسين والقذافي، هذا ما عرفنا، وربما كان
للأسد الأب نصيب في الرجل، لكن الأزمة في أن الظروف، والإخوان المسلمين، جعلا من
حمدين رقما في المعادلة السياسية المصرية، ولا ننكر أن الرجل صحفي
"كويس" وماهر في استقطاب الأصدقاء والاستفادة من الفرص، وإن كان البعض
يرى في انتهازيته ركاكة وعدم إبداع.
الحديث عن الثورة، والقصد هنا ليست ثورة مصر،
وإنما مفهوم الثورة في العموم كنشاط إنساني، أراه من أطهر ما يقوم به الإنسان بشكل
جماعي، ولعله عندي يرقى إلى العبادات الجماعية، فالعبادات تطهير للروح، أما الثورة
فهي تضحية وتطهير للشعب أو الأمة، فأظنها أعلى مرتبة عند الله، والثائر الحقيقي هو
من جعل من المبادئ والقيم هدفا يجب تحقيقه، الثائر الحق، هو ذلك الذي يسعى لتطبيق
العدالة والأخذ على يد الظالم، الثائر الحق، هو الذي ينصر المظلوم ويواجه الظالم،
الثائر الحق، هو من يقتص لأولياء الدم لتهدأ قلوبهم، الثائر الحق، هو من لا يسكت
على غبن، ولا يداهن في باطل، ولا يدافع عن قاتل، الثائر الحق من ثورته التغيير
للأفضل، ويسعى لبناء دولة الرفاه، متلاشياً في ثورته من دون غرض شخصي يبتغيه ولا
مصلحة آنية يحققها، إنما يثور ليحقق المثل العليا للإنسانية ليعم العدل والحرية،
طارحاً أيدولوجيته من أجل مصلحة الوطن.
إن أزمة الثورة العربية في ربيعها، أنها
كانت ثورة عفوية ولا يقودها رأس، وظن الناس أن الجماعات والأحزاب التي كانت جزءا
من الأنظمة التي ثاروا عليها يمكنها أن تقود ثوراتهم، لأنهم أكثر دراية وخبرة،
وذلك لعمري يرجع إلى ضعف حيلة الثوار وقلة خبرتهم، فكانت هذه الثغرة التي نفذ منها المتلونون
والانتهازيون وأصحاب الغرض لا المبادئ، وهؤلاء الذين رأوا في الثورات فرصة، فكانوا
بيادق متقدمة للثورات المضادة وأعداء الوطن ليهزموا الثورة ولو مرحلياً، وإجهاض ما
قد يرشح لمصلحة الوطن، فتجدهم فيما تجدهم يعرقلون كل مشروع نافع، بحجج واهية، أو
يزايدون على الثوار، فيحبطون الناس، أو يبثون الإشاعات بين الناس حتى يسقطوا رمزاً
أو قيمة، وتراهم يفرقون بين الجماعات الثورية بدق الأسافين لتشتيت الجهود، فهم
العدو فاحذرهم أخي الثائر.
الثورة الحقيقية تسعى لكسر الجمود وتغيير الأوضاع لمصلحة الإنسان لا التنظيم أو الحزب أو الجماعة فالإنسان هو المحور، والمبادئ والقيم، إنما جعلت لهذا المحور، أعني الإنسان
وأزمة الثورات العربية في أيدولوجيتها، إذ إن عرب ما بعد "التحرر" ابتلوا بخمس فسلط عليهم عدوهم، إذ ظهرت فيهم
القومية فابتلوا بالدكتاتورية، وظهرت فيهم الليبرالية فابتلوا بالعسكرية، وظهرت
فيهم الشيوعية فابتلوا بالفقر والجوع، وظهرت فيهم الرأسمالية فابتلوا بالذل
والمهانة، وظهر فيهم الإسلام السياسي غير المستنير فابتلوا بالهوان والخضوع، أما
القومية فهي آفة الأمة ووجعها العضال، إذ به فرقت الأمة إلى شعوب وقبائل وقوميات
ونزاعات، وصف كل فرد إلى قوميته بعد أن كانوا يعيشون تحت راية واحدة تجمعهم، ولأن
القومية وجدت الرعاية والعناية والتنشئة والنفقة في كنف العسكر، فإن أهلها لا يرون
في خدمتهم حرجا، حتى ولو طغوا وبغوا وأراقوا دماء الناس وأهدروا كرامتهم، وسرقوا
حريتهم.
الثورة الحقيقية تسعى لكسر الجمود وتغيير
الأوضاع لمصلحة الإنسان لا التنظيم أو الحزب أو الجماعة فالإنسان هو المحور،
والمبادئ والقيم، إنما جعلت لهذا المحور، أعني الإنسان، فالأديان والتشريعات
والأنبياء والكون كله جعل لمصلحة الإنسان، فالإنسان هو بناء الله، ولا يمكن لأحد
أن يتجاوز عن فعل بشار في هدم هذا البناء بالرصاص ثم المدفعية ثم بالبراميل
المتفجرة ثم بالطائرات واستعان بشذاذ الأرض من أجل هدم الإنسان، فكيف لعاقل أن يرى
فيما فعل بشار انتصار، ويصف قتل النظام للناس بأنها حرب بالنيابة عن جميع العرب،
الثائر الحقيقي هو من يطالب بحفظ كرامة الإنسان، لا أن يربط على يد قاتل الآلاف
بعد تعذيبهم وإذلالهم في صيدنايا وفرع الجوية وغيرها من المعتقلات.
الأزمة ليست في حمدين صباحي ولقائه ببشار
الأسد على مدى ساعتين، الأزمة الحقيقية في كيف تسلل حمدين صباحي، وكنموذج، في
ثورتنا، كم حمدين صباحي في الثورة المصرية وكم حمدين صباحي في الثورة السورية
والليبية والسودانية والجزائرية والتونسية واليمنية، في سلسلة مقالات بعنوان
"صناعة القيادة الثورية" تكلمنا عن كيفية صناعة تلك القيادة، مع التأكيد
على أن القيادة هي فكرة ومؤسسة وليست شخصا، فأنت قائد لمجموعتك الثورية الصغيرة ما
إن حققت شروط القيادة، وأهم تلك الشروط أن تحقق الثورية الحقة في بيتك وعلى نفسك
فكن أنت القيادة واعرف شروطها حتى لا يتسلل بين صفوفنا حمدين صباحي جديد.