أشارت بيانات البنك المركزي
المصري الخاصة بميزان المدفوعات خلال الربع
الأول من العام الحالي، لبلوغ مجمل الموارد
الدولارية من كافة المصادر 28.440
مليار دولار، مقابل 47.505 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، بنقص
19.1 مليار دولار وبنسبة تراجع 40 في المئة.
وتوزع نقص الموارد الدولارية خلال الربع الأول من العام الحالي والبالغ
19.1 مليار دولار ما بين: 2.6 مليار دولار نقصا بتحويلات العمالة المصرية في الخارج،
و2.2 مليار دولار في الصادرات السلعية و1.9 مليار دولار في الاستثمار الأجنبي
المباشر، و707 ملايين دولار في متحصلات الخدمات التي تقوم بها القنصليات المصرية في
الخارج من المصريين المغتربين، وكان النقص الأكبر في
القروض والودائع الأجنبية التي
انخفضت بنحو 14.2 مليار دولار.
وبالطبع سيقول البعض إن مجمل تلك الانخفاضات السابقة تزيد عن الرقم الإجمالي
لنقص الموارد، ويعوض ذلك الفارق زيادة إيرادات السياحة بنحو 611 مليون دولار،
وزيادة إيرادات قناة السويس بـ534 مليون دولار ومتحصلات دخل الاستثمار بـ444 مليون
دولار، وارتفاع متحصلات خدمات النقل بنحو 267 مليون دولار.
وهكذا يبدو
مأزق الاقتصاد المصري الذي يسعى لعلاج الفجوة الدولارية من خلال
زيادة الموارد، لكن الواقع العملي شهد تراجعا لقيمة الاستثمار الأجنبي المباشر
بنسبة 46 في المئة، ولتحويلات العمالة المصرية في الخارج بنسبة 33 في المئة، وللصادرات
السلعية بنسبة 19 في المئة. وشمل التراجع الصادرات البترولية والغازية والصادرات
غير البترولية، كما تراجعت المتحصلات الحكومية من الخدمات القنصلية 92 في المئة،
والمتحصلات الخدمية بخلاف السياحة والنقل بنسبة 10 في المئة خلال الربع الأول من
العام الحالي.
خفض المدفوعات 26 مليار بربع عام
إلى جانب كل ذلك تراجعت القروض والودائع الأجنبية بنسبة 83 في المئة، في ظل إحجام دول الخليج الداعمة له عن الاستمرار بالإقراض، وتأجيل الحصول على القسط الأول من قسط قرض صندوق النقد الدولي، وصعوبة طرح سندات في الأسواق الدولية كما كان يتم من قبل، بسبب تدني التصنيف الائتماني لمصر، وتراجع القيمة السوقية للسندات المصرية المدرجة في البورصات الدولية، وارتفاع الفائدة في العالم مما يزيد من تكلفة السندات الجديدة
وإلى جانب كل ذلك تراجعت القروض والودائع الأجنبية بنسبة 83 في المئة، في
ظل إحجام دول الخليج الداعمة له عن الاستمرار بالإقراض، وتأجيل الحصول على القسط
الأول من قسط قرض صندوق النقد الدولي، وصعوبة طرح سندات في الأسواق الدولية كما
كان يتم من قبل، بسبب تدني التصنيف الائتماني لمصر، وتراجع القيمة السوقية للسندات
المصرية المدرجة في البورصات الدولية، وارتفاع الفائدة في العالم مما يزيد من
تكلفة السندات الجديدة.
ويظل السؤال: وماذا فعل النظام المصري إزاء انخفاض موارده الدولارية؟ لقد
كان الحل الإجباري هو خفض المدفوعات للخارج، والتي انخفضت من 54.8 مليار دولار إلى
أقل من 29 مليار دولار، بنقص 26 مليار دولار وبنسبة تراجع 47.5 في المئة. ولم يكن
النقص فقط في تراجع حدة خروج الأموال الساخنة عن ذروتها في الربع الأول من العام
الماضي مع الحرب الروسية الأوكرانية، لكنه شمل أيضا نقص الواردات السلعية والسياحة
الخارجة من البلاد والمصروفات الحكومية والمدفوعات الخدمية الأخرى بخلاف السياحة
والنقل.
وكان نصيب انخفاض الواردات السلعية 6.5 مليار دولار بنسبة تراجع 26 في
المئة، حيث شمل ذلك الحبوب من قمح وذرة وفول صويا، والسلع الوسيطة اللازمة
للصناعة كالزيوت النباتية وخامات البلاستيك والمواد الكيماوية، والخشب وإطارات
السيارات والخيوط والتبغ والمصنوعات الحديدية والنحاسية، وخلاصات الدباغة والصباغة
والمحولات الكهربائية وأجزاء السيارات وأجزاء الهاتف، كما شمل النقص العديد من
السلع الاستثمارية كالمحركات والمضخات والسيارات والأجهزة الطبية، ومن الطبيعي أن
يؤدي ذلك إلى تراجع الصادرات.
وهو أمر ما زال مستمرا، حيث أشارت بيانات جهاز الإحصاء الحكومي الخاصة
بأداء التجارة الخارجية خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الحالي إلى تراجع قيمة
الواردات بنسبة 21 في المئة، والذي أدى لتراجع قيمة الصادرات بنسبة 25 في المئة،
كما يؤدي ذلك إلى الاختناقات بالأسواق لعدد من السلع مثل خامات الأدوية والسيارات
وأجهزة التلفون المحمول والسلع المعمرة والسجائر وغيرها.
الأولوية للديون والسلع الغذائية والوقود
تراجعت القروض والودائع الأجنبية بنسبة 83 في المئة، في ظل إحجام دول الخليج الداعمة له عن الاستمرار بالإقراض، وتأجيل الحصول على القسط الأول من قسط قرض صندوق النقد الدولي، وصعوبة طرح سندات في الأسواق الدولية كما كان يتم من قبل، بسبب تدني التصنيف الائتماني لمصر، وتراجع القيمة السوقية للسندات المصرية المدرجة في البورصات الدولية، وارتفاع الفائدة في العالم مما يزيد من تكلفة السندات الجديدة
ونتوقع استمرار نفس الأمر خلال الشهور المقبلة بسبب استمرار نقص الدولار، وهو
ما يشير إليه حديث رئيس الوزراء قبل أيام عن علاج
أزمة انقطاع الكهرباء، حين ذكر
من بين الحلول استيراد كميات إضافية من المازوت، لعلاج النقص بالوقود اللازم
لمحطات توليد الكهرباء خلال شهر آب/ أغسطس، بقيمة تتراوح ما بين 250 و300 مليون
دولار، ذاكرا أن تلك القيمة لم تكن مدرجة في الموازنة، وأن تدبيرها سيتطلب تنسيقا
مع البنك المركزي وترشيدا لمصروفات جهات حكومية أخرى.
ويأتي قرار روسيا بعدم الاستمرار بمبادرة تصدير الحبوب عبر البحر الأسود،
كعامل ضغط إضافي على الحكومة المصرية بعد تسببه في ارتفاع أسعار الحبوب، والذي
تزامن مع قرار الهند -أكبر مصدر للأرز- بحظر صادراته من النوع غير بسمتي، وكانت
الحكومة المصرية قد استوردت كميات من الأرز الهندي لتهدئة أسعار الأرز خلال شهر
رمضان الأخير.
ونتصور أن مشاركة السيسي في القمة الروسية الأفريقية مؤخرا كانت من أجل
الحبوب الروسية وطريقة سداد قيمتها في حالة منع صادرات الحبوب الأوكرانية، وكان مسؤول
في السفارة الأوكرانية بالقاهرة قد صرح الشهر الحالي بأن الشركات الأوكرانية تواجه
مشكلة عدم استطاعة الكيانات المصرية دفع ثمن المنتجات المستوردة في الوقت المحدد، حيث
تتركز أولوية توجيه الحصيلة الدولارية الحكومية لسداد أقساط وفوائد الدين الخارجي
الضخمة، والتي تتوجه إليها حصيلة مبيعات حصص من الشركات الحكومية، وبلغت أقل من
1.9 مليار دولار حتى منتصف العام الحالي، يليها تدبير المتطلبات الحياتية اليومية
للمصرين من استيراد القمح والذرة وفول الصويا وزيت الطعام والسكر والبنزين
والبتوجاز والتبغ وغيرها.
الاقتراض والوسائل المساعدة لجلب الدولار
يظل الاقتراض الخارجي رغم صعوباته هو الحل المتاح أمام الحكومة المصرية، وهو ما نراه في الأخبار المتناثرة عن قرض من الإمارات لشراء القمح، وقرض من صندوق النقد العربي لمساندة المصارف المصرية التي تعاني عجزا كبير بالعملات الأجنبية
ويظل الاقتراض الخارجي رغم صعوباته هو الحل المتاح أمام الحكومة المصرية،
وهو ما نراه في الأخبار المتناثرة عن قرض من الإمارات لشراء القمح، وقرض من صندوق
النقد العربي لمساندة المصارف المصرية التي تعاني عجزا كبير بالعملات الأجنبية، وقرض
البنك الآسيوي للتنمية لخط سكة حديد أبو قير، وقرض مؤسسة التمويل الدولية لأحد
البنوك، وقرض البنك الدولي للسكة الحديد وإعلان وزير المالية المصري عن استهداف
تحويلات خارجية بقيمة ثلاثة مليارات دولار في النصف الثاني من العام الحالي. وكل
ذلك خلال شهر تموز/ يوليو، وعادة ما تتأخر بيانات الدين الخارجي لمصر لعدة شهور.
والمسار الثاني الذي تتبعه الحكومة هو
الحصول على الدولار بأي وسيلة، ومن
ذلك ما أعلنته وزارة الخارجية المصرية من تسوية الموقف التجنيدي للمصريين في الخارج
مقابل خمسة آلاف دولار، وبيع أراض وشقق سكنية حكومية للمصريين في الخارج بالدولار،
وشراء المصريين في الخارج سيارات بجمارك مخفضة مقابل وديعة دولارية، والسماح
للمغتربين بإدخال كمية من الذهب بلا جمارك، وكذلك تسهيل حصول الأجانب على الجنسية
مقابل مبالغ مالية، والسماح للأجانب بشراء العقارات المصرية بدون حد أقصى.
كما جرى مسبقا إصدار شهادات دولارية بفائدة 5.3 في المئة، تم رفع الفائدة
عليها مؤخرا إلى سبعة في المئة، بعد أن ارتفعت الفائدة على الدولار في الولايات
المتحدة لأعلى من الفائدة السابقة للشهادات المصرية، ويتوقع صدور أشكال أخرى من
وسائل جلب الدولار خلال الفترة المقبلة، حيث تستجيب الحكومة لأي اقتراح يمكن أن
يجلب لها قدرا من الدولارات، بصرف النظر عما يمكن أن يسببه ذلك من مخالفة للقواعد
القانونية المستقرة منذ عقود.
كما تسعى الحكومة للاستيراد بعُملات أخرى بخلاف الدولار لتقليل الطلب على
الدولار، وهو ما أعلنت عن سعيها لذلك مع كل من روسيا والهند وبنك التصدير والاستيراد
الأفريقي والبريكس وغيرها، لكن لم تتم صفقات ملموسة بعد وفق ذلك النظام.
twitter.com/mamdouh_alwaly