ما زالت التوترات الجارية على الحدود الشمالية للأراضي المحتلة في الآونة الأخيرة، تثير الأوساط الإسرائيلية لمعرفة أسبابها الدقيقة، سواء الأزمة الإسرائيلية الداخلية، أو رغبة
حزب الله باستغلال نقاط ضعف الاحتلال، ما يستدعي التعرف على كيفية السلوك الإسرائيلي، وكيف تؤثر الاضطرابات الداخلية على قدرة الجيش على الرد، وإذا أصبح حزب الله بالفعل أكثر جرأة، وضعف الجيش الإسرائيلي ظاهرا، فربما يتأثر ميزان الردع ضد الحزب، ومن الممكن أننا نقترب من مواجهة عسكرية.
الجنرال تامير هايمان الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية- أمان، ومدير معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، ذكر أن "هناك من الإسرائيليين من يوصون ببدء حرب وقائية هدفها استباق
الحرب، عقب سلسلة من الأحداث الشمالية التي تشير إلى أن الحزب أصبح أكثر جرأة، ويبدو أنه يتحدى إسرائيل، سواء عبر التحرش بها مع بدء إنتاج الغاز في حقل كاريش، ثم إرسال المسلح إلى مفترق مجيدو، الذي كان سينتهي بعواقب أكثر خطورة، وصولا للوجود المرئي للحزب على طول الحدود وما وراءها، فضلا عن النشاط الفلسطيني من جنوب
لبنان، وإطلاق صواريخ مضادة للدبابات على إسرائيل من الأراضي الخاضعة لسيطرة الحزب".
وأضاف في ورقة علمية نشرتها "
القناة 12" العبرية، وترجمتها "عربي21" أن "ظهور الحزب بشكل أكثر جرأة مؤخرًا له عدة تفسيرات رئيسية، أولها أن الحزب يعمل على منع إسرائيل من شن حملة ضده في لبنان، وهو عمل ينطوي على ثمن المجازفة بالحرب معها، وثانيها تزايد نقاط الخلاف الحدودية وعددها 14، بما فيها حوادث رشق الحجارة، واستفزازات السياج جزئياً، ومطالبة الحزب بتفكيك الجدار المقام حول الجزء الشمالي، وللتعامل مع المبادرة الإسرائيلية، يستخدم الحزب مبدأ "معادلات رد الفعل"، أي أن كل عمل إسرائيلي سيتبعه رد من الحزب: الدم بالدم، قتل عنصر في الحزب= قتل جندي إسرائيلي؛ السيادة ضد السيادة".
وأشار إلى أن "الالتزام بهذا المبدأ أمر خطير، لأنه قد يؤدي لديناميكية ردود الفعل وردود الفعل المضادة التي قد تصعّد حدثًا تكتيكيًا محليًا إلى حرب شاملة لا يرغب فيها الطرفان، مع عامل جديد يتمثل بثقة حسن نصر الله الزائدة بالنفس، ويعمل الحزب بدافع الشعور بالقوة المفرطة، لأنها تؤثر على وعيه، وتزيد من جرأته، وثقته بإنجازاته الأخيرة، عقب ما حققه من بناء قوته العسكرية، ومروره بثورة دقيقة، ونجاحه بتحويل كمية كبيرة من قذائفه لصواريخ دقيقة، وتنفيذ قواته الخاصة "الرضوان"، لمناورة ميدانية بطريقة دقيقة وموجهة ضد المستوطنات ومعسكرات الجيش الشمالية".
وأكد أن "قدرة الحزب على المناورة في الجليل، وضرب أي نقطة في إسرائيل، وتحديث مفهوم الانتصار عليها، تجعل ميزان القوى لا يترك فرصة أمامه لإيقاف تقدم مناورة الجيش، أو للدفاع عن نفسه ضد نيران الجيش، لكنه سيتسبب في الكثير من الضرر في العمق الإسرائيلي، على حساب أضرار جسيمة وغير مسبوقة في لبنان، لأننا نعيش في معادلة ردع شبيهة بالتدمير المتبادل، كفيلة بخلق الاستقرار، لكن المصطلح العسكري المتداول مؤخرا حول "أيام المعركة المقبلة" الخاصة بخوض مواجهة محدودة ومحددة زمنياً مع الحزب، خلق وضعاً خطيراً يستطيع فيه الجانبان خطر الاحتكاك على شفا الحرب في ظل الوهم بأنه يمكن السيطرة عليها".
وختم بالقول إن "الجمع بين إمكانية شن حملة محدودة، والقدرة على إطلاق النار بدقة يسمح للحزب وإسرائيل بالوهم بإمكانية تصعيد محكوم ومحدود، سيؤدي إلى زيادة الجرأة على الحدود، مع أن الحزب أكثر جرأة على خلفية الوضع الصعب في لبنان الذي يمرّ بأزمة خطيرة، ونظامه الاقتصادي هو السوق السوداء النقدية، ويعمل بدون رئيس منذ ستة أشهر، كل هذه العناصر على ما يبدو لا تهدد الحزب، وربما تساعد في تقويته نسبيًا، لكن العديد من الشباب اللبنانيين ينتقدونه، ويسألون: لماذا الحزب موجود؟".
وأشار إلى أن "هناك ثلاث رؤى إسرائيلية أساسية حول الحزب، أولها أن الدوافع التي تملي تصرفاته أكثر تعقيدًا بكثير من عدم الخوف من إسرائيل، وثانيها أن الرغبة في تحسين ردعها ليست سبباً كافياً للعمل ضده، فقد تم بناؤه كشهادة تأمين إيرانية، وثالثها أن غياب السيطرة هو العنصر المهيمن الذي يفسر لبنان، لذلك ليس كل إطلاق صاروخ مضاد للدبابات موجه من قبل الحزب، أو يتحكم فيه، وفي معظم الحالات يستخدم الأحداث العرضية لاحتياجاته".
وأوصت الدراسة بـ"ضرورة الردّ الذي يفوق التوقعات والأضرار الجسيمة التي لحقت بالجيش، وإعادة تقييم اسرائيل لسياستها تجاه الحزب، صحيح أنه يمثل مشكلة معقدة، لكنه لا يشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، ويمكن للجيش اليوم أن يتعامل بنجاح كبير مع الحزب، ولكن على المستوى الاستراتيجي فإن الوضع أكثر تعقيدًا، وعلى المستوى السياسي يجب فحص سياسة المعركة بين الحروب، وتوسيعها، لكن الأهم من المستوى السياسي هذه الأيام تقييم الضرر الذي نلحقه بصورة الجيش، وقدرته على الصمود".
تسلط هذه الورقة على عدم رغبة الاحتلال بالشروع بحملة عسكرية واسعة ضد الحزب، لكن التوجه السائد في المرحلة المقبلة قد يتمثل في اتخاذ إجراءات متواصلة صغيرة تفاجئه من وقت لآخر، بزعم تقويض ثقته بنفسه، بحيث تكون طبيعة العمل متطورة، رغم أن هناك خطرا في مثل هذه المبادرة، فوضعها الحالي يحدّ من حريتها في التصرف، وقد يُنظر لأي مبادرة اليوم على أنها محاولة لتحويل الانتباه لأجندة أمنية، ما يضعف مرونة الجبهة الداخلية، وعندما لا يكون الدعم الأمريكي مضمونًا، فقد يقلل من حرية العمل، وفي الوقت ذاته، فإن السياسة الداخلية الحالية تقلل من قدرة الاحتلال، وعدم انتباهه للتعامل مع التحدي القادم من الشمال.