الأزمة الليبية ظلت منذ الانقسام السياسي العام 2014م رهينة الصراع
الذي يحركه منطق الغلبة والسيطرة وليس التوافق المنضبط بالإعلان الدستوري والاتفاق
السياسي الذي تم التوقيع عليه في كانون الأول/ ديسمبر 2015م وصار من أهم الوثائق
القانونية المنظمة للعلاقة بين الفرقاء السياسيين والضابطة لمسار التغيير.
منذ العام 2014م انزلقت
ليبيا إلى الانقسام السياسي الذي تمظهر في
وجود مجلسين للتشريع وحكومتين ومصرفين مركزيين وغيرهما من المؤسسات السيادية، لكن
القضاء ظل بعيدا عن الصراع وعن الانقسام، فلم نشهد تشكل مجلسا أعلى للقضاء موازي
أو محكمة عليا غير المحكمة التي مقرها العاصمة طرابلس، إذ لم تُقدم أطراف النزاع
على المساس باستقلال القضاء وهيبته، كما أن المؤسسة الأعلى في الجهاز القضائي نأت
بنفسها عن الانقسام، حتى إن الدائرة الدستورية ضمن المحكمة العليا جمدت نفسها
ورفضت البث في الطعون التي عدت بالعشرات والمتعلقة بالنزاع والانقسام وما ترتب
عليه من قرارت استدعت الفصل فيها من قبل السلطة القضائية وذلك خلال الأعوام
2016- 2022م.
شهد العامان الماضيان اتجاها لتسييس القضاء واستخدامه ورقة بل أداة
في الصراع، وذلك بإقدام مجلس النواب على إجراء تعديلات في قانون نظام القضاء
وإقالة رئيس المحكمة العليا وإصدار قانون تشكيل محكمة دستورية، ليأتي الرد من
الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا في العاصمة طرابلس ببطلان قرارت مجلس النواب،
ورفض المجلس الأعلى القضاء حكم الدائرة الدستورية الأمر الذي عمق من الأزمة ووسع
من مساحة النزاع وتداعياته.
وبالعودة إلى مقدمة المقال والتي تتعلق بنهج المغالبة الذي يتجاوز
الأسس التي حكمت سلوك وصلاحيات مجلس النواب وفي مقدمتها الاتفاق السياسي، ويتجاهل
حقيقة أن مجلس النواب منقوص الشرعية بعد أن تجاوز عمره القانوني بسنوات طوال وأنه
أعيد إلى الحياة كجسم سياسي بصلاحيات متفق عليها وليس مجلس نواب كامل الصلاحية
والمشروعية، وهذا جلي بالعودة إلى الاتفاق السياسي، غير أن المجلس رفض القيود
والحدود والضوابط التي تم التوافق عليها في الصخيرات وشرع يتوسع في سلطات تتعدى حتى
سلطات المجالس التشريعية المنتخبة في الدول المستقرة، فكان أن ازداد الوضع في
البلاد تأزما، وحلقة الافتئات على السلطة القضائية مثال من أمثلة نهج المغالبة
وتخطي التوافقات.
رفضت وزارة العدل في حكومة الوحدة الوطنية قرار مجلس النواب تعيين مفتاح القوي رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، ودعمت غريمه وحاولت تمكينه من رئاسة المجلس في العاصمة طرابلس.
بعد تفجر ثورة فبراير أعيدت للقضاء استقلاليته بإلغاء تبعيته للسلطة
التنفيذية من خلال رئاسة وزير العدل للمجلس الأعلى للقضاء، واخيتار رئاسته من داخل
المجلس الذي يضم ممثلين عن كافة المستويات القضائية والمحاكم المختلفة، وكان قرار
مجلس النواب مؤخرا تعيين مدير إدارة التفتيش القضائي، التابع لوزارة العدل، خرقا
للتطور المهم الذي وقع منذ ما يزيد عن عقد من الزمان.
التسييس يأتي من دعم شخصيات أقرب إلى النواب ورئاسته، ويتأكد بتدخل
السلطة التشريعية في السلطة القضائية بشكل يفقدها هيبتها واستقلاليتها لمواجهة
النزاع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعندما يكون وضع البلاد مأزوم والصراع
على أشده وتعاني السلطة التشريعية من قدح في شرعيتها يصير التدخل في القضاء وفي
القانون الذي ينظمه وفي هيكليته سببا إضافي لتصعيد الصراع وتوسيع رقعته والمساس
بما توفر من هيبة السلطة القضائية وقدرتها على احتواء الصراع أو التخفيف من أثاره
وتداعياته.
من تداعيات نهج المغالبة وتخطي حدود التوافقات دخول السلطة التنفيذية
على خط الخلاف وبوادر الانقسام الذي وقعت فيه المؤسسة القضائية بسبب سلوك مجلس
النواب وسياسته. فقد رفضت وزارة العدل في حكومة الوحدة الوطنية قرار مجلس النواب
تعيين مفتاح القوي رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، ودعمت غريمه وحاولت تمكينه من
رئاسة المجلس في العاصمة طرابلس.
عدد من المستشارين وخبراء القانون جزموا بأن الساسة ضمن جبهات الصراع
نجحوا في جر القضاء إلى حلبة التنازع والصراع، وبدا لبعض المراقبين والمحللين
السياسيين أن الهدف هو أن لا يكون للقضاء دوره في الفصل في المسائل المتعلقة بالمسار
السياسي ونتائجه والتي من اهمها الذهاب للانتخابات والفصل فيما يتعلق بها من
منازعات، وهذا يطيل من عمر الأجسام المتصدره للمشهد اليوم.