قام الرئيس الأمريكي بايدن بأول زيارة له للشرق الأوسط منذ توليه الرئاسة عام 2021، شملت إسرائيل وقدم التزامات بأمن إسرائيل، وفاخر بتدشين أول رحلة مباشرة من تل أبيب إلى جدة.
وكان الهدف من زيارته، دفع مجموعة أوبك بلس بقيادة السعودية وروسيا زيادة إنتاج النفط، لخفض أسعار الوقود للناخب الأمريكي، قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وحتى لا يخسر حزبه الأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ. لكن لم تخضع السعودية ومجموعة أوبك بلس لضغوط إدارة بايدن، بل خفضت الإنتاج مليون ونصف برميل نفط يوميا، ما دفع الرئيس بايدن وقيادات في حزبه في الكونغرس للتلويح بإعادة تقويم
العلاقات مع الحليف السعودي. وهدد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ للتحذير من تجميد صفقات الأسلحة مع السعودية.
كتبت حينها في هذه الزاوية في تشرين الأول/أكتوبر 2022 «تداعيات ومحدودية تصعيد إدارة بايدن ضد الحليف السعودي»، مقللا من وطأة تهديدات تصعيد بايدن وإدارته ضد السعودية: «شكلت زيارة الرئيس بايدن للسعودية منتصف تموز/يوليو الماضي، وبرغم إصراره أن الزيارة غير مرتبطة بوضع الطاقة والنفط، بل تشمل قضايا مهمة مرتبطة بالشرق الأوسط والأمن وتوسيع التطبيع مع إسرائيل، لكن الحقيقة كانت الزيارة لزيادة الإنتاج لبقاء أسعار الوقود للمستهلك الأمريكي منخفضة، لكن لم يحصل بايدن على مبتغاه، وهكذا بقي واقع العلاقة بين واشنطن والسعودية صعبا. ولا تملك إدارة بايدن خيارات كثيرة للتصعيد ضد السعودية، خاصة بعد زخم الدعم والاصطفاف
الخليجي والعربي، وإصدار بيانات تدعم موقف السعودية وترفض اتهامات تسييس قرار أوبك بلس، المرتكز على اعتبارات اقتصادية ومتطلبات السوق».
واضح سعي إدارة بايدن توسيع عدد الدول المطبعة مع إسرائيل، بناء على ما يُعرف بالاتفاق الإبراهيمي، بقيادة ترامب لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب. ومن ضمن أولويات إدارة بايدن في الشرق الأوسط توسيع التطبيع، والجائزة الكبرى هي السعودية. يأتي ذلك برغم تدمير الحكومة الأكثر تطرفا وفاشية بمن فيها وزراء يمثلون الفاشية الدينية، يكرر الرئيس بايدن أن هدفه ورؤية إدارته كحال الإدارات الأمريكية السابقة لحل الصراع العربي-الإسرائيلي، هو تطبيق حل الدولتين. وتعمل الحكومة الأكثر تطرفا على توسيع الاستيطان غير الشرعي، والتنكيل بالفلسطينيين وشن حرب على غزة، والعدوان المتكرر على مدن الضفة الغربية وآخره جنين، وقتل أكثر من 200 فلسطيني منذ مطلع العام الجاري.
وبرغم تطابق موقف إدارات الرؤساء الأمريكيين خلال العقود الماضية مع الموقف العربي الجماعي، الذي اتفق عليه العرب في القمة العربية في بيروت عام 2002، بإطلاق المبادرة العربية؛ الانسحاب الإسرائيلي الكامل مقابل التطبيع العربي الكامل، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عملت جاهدة على نسف، بكل ما أوتيت من قوة، أي فرصة لتحقيق حل الدولتين.
أصيبت علاقة أمريكا في الخليج مع حلفائها بأزمات ثقة متتالية خلال الأعوام الماضية، بدءا من تخفيض عديد القوات في الخليج والانسحاب من العراق والانسحاب المرتبك والفوضوي من أفغانستان عام 2021، بعد أطول حرب خاضتها أمريكا في تاريخها وانتهت بالفشل والانسحاب وعودة طالبان لتحكم أفغانستان.
لكن، كانت الانتكاسة الكبيرة للولايات المتحدة بنجاح الصين بتحقيق اختراق كبير في منطقة الخليج العربي؛ معقل النفوذ الأمريكي في آذار/مارس الماضي بنجاح وساطة الصين بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بعد سبعة أعوام من القطيعة وحرب باردة شملت المنطقة، وخاصة بتهديد الأمن السعودي عبر الحوثيين بهجمات صاروخية ومسيرات على مناطق حيوية في السعودية، وخاصة الاعتداء غير المسبوق على منشآت أرامكو في أبقيق وخريص في المنطقة الشرقية في السعودية عام 2019، عطل نصف الإنتاج السعودي. ولم يحرك ترامب حينها ساكنا؛ ما عمق الشك الخليجي بالحليف الأمريكي.
وبدأ البحث الخليجي لتنويع التحالف الأمني مع قوى كبرى وخاصة روسيا والصين، برغم علم جميع الأطراف أن ذلك لن يعوض الانكفاء والتراجع الأمريكي على المدى القصير. لا شك أن ذلك يعمّق أزمة تراجع ثقة الحلفاء بالتزامات واشنطن.
كان من ضمن الأسئلة في مقابلة الرئيس بايدن مع شبكة سي إن إن الأسبوع الماضي، عن مستقبل العلاقات الأمريكية مع المملكة العربية السعودية. وكان الرئيس بايدن تعهد عندما كان مرشحا عام 2019 أنه سيواجه، ولن يتعاون مع السعودية بسبب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي عام 2018.
علّق الرئيس بايدن في المقابلة على شروط السعودية للتطبيع مع إسرائيل: «لا يزال الطريق بعيدا من تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وذلك ردا على ما تم ترويجه عن شروط مطالب التطبيع بدعم الولايات المتحدة الأمريكية؛ تقديم ضمانات أمنية للسعودية ودعم مشروع نووي للأغراض السلمية. وقد أشار الرئيس بايدن إلى أن موضوع تقديم ضمانات أمنية ودعم برنامج نووي سعودي للأغراض السلمية، يحتاج لنقاش ووقت طويل.
وكانت السعودية عبّرت في حزيران/يونيو الماضي بحضور وزير الخارجية الأمريكي عن موقفها، أن «التطبيع يصب في مصلحة المنطقة، لكن يجب معالجة القضية الفلسطينية أولا». فيما علق بلينكن أن بلاده ستؤدي دورا رئيسيا لتوسيع عمليات التطبيع مع إسرائيل، ونعمل على تكامل إسرائيل في الشرق الأوسط وعلى تعميق الاتفاقات الموجودة أصلا. وأدانت السعودية والدول الخليجية ودول عربية الأسبوع الماضي اعتداء إسرائيل على مخيم جنين ومقتل 12 شخصا.
عبّرت إسرائيل ووزير الطاقة عن رفضها دعم الولايات المتحدة مشروعا نوويا سلميا للسعودية، برغم فتح السعودية مجالها الجوي لجميع شركات الطيران، بعد تدشين الرئيس بايدن خط تل أبيب ـ جدة.
واضح أن العلاقات الخليجية ـ الأمريكية تمر بأزمة وتراجع الثقة بين الطرفين. ما لم تقتنع واشنطن أن الحاجة باتت ملحة وتتطلب منها تصحيح المسار وتعديل مقاربتها وعلاقتها لطمأنة حلفائها القلقين، فستنعكس العلاقة سلبا على مستقبل الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين ،وتسرّع عولمة الأمن الخليجي.
(القدس العربي)