اكتسبت
السياسة الخارجية في
تركيا بعدا جديدا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016، قائما على
الاستقلالية وتعزيز الأمن الخارجي.
وشهدت تركيا في 15 تموز/ يوليو 2016 محاولة انقلاب نفذتها عناصر محدودة من الجيش تابعة لتنظيم "غولن"، قوبلت باحتجاجات شعبية في معظم المدن والولايات، ما أجبر الانقلابيين على سحب آلياتهم العسكرية من المدن مما أفشل مخططهم.
وواكبت تركيا العديد من التطورات على الساحة الداخلية والخارجية بعد محاولة الانقلاب، أبرزها إجراء استفتاء عام 2017، والانتقال إلى النظام الرئاسي، ودور إقليمي بارز في سوريا والعراق وليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط.
وخلال حكم حزب العدالة والتنمية منذ العام 2002، أدت التحديات الإقليمية والعالمية التي واجهتها تركيا، إلى تغيير وتحول في السياسة الخارجية، ولكن بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، مرت بعملية قائمة على الاستقلالية الوطنية، ونما خلالها البعد القومي.
وتقول الباحثة التركية شواي نيلهان أتشيكالين، إن ليلة محاولة الانقلاب كانت اختبارا مهما للعلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف.
وأعربت بعض الدول مثل روسيا وبريطانيا وجورجيا فورا عن موقفها من الانقلاب معلنة وقوفها إلى جانب تركيا، لكن جهات أخرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد أدلت بتصريحات غامضة، كما أن ردود الفعل المتأخرة من الحلفاء في شمال الأطلسي "الناتو" أدت إلى تعميق مشكلة الثقة في العلاقات.
وأضافت في مقال على مجلة "
كريتر"، أن الدعم المفتوح الذي قدمته الولايات المتحدة إلى وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا على فترات متتالية، والموقف السلبي الذي تبنته فيما يتعلق بتسليم زعيم منظمة "غولن" فتح الله غولن، لعب بشكل كبير دورا في تغيير سياسة تركيا لخلق تعاون جديد وفعال معها.
التنوع في التعاون الإقليمي
وفي الفترة التي أعقبت عام 2016، مكنت عملية تشكيل تعاون جديد وفعال، من تنويع التعاون الإقليمي التركي.
وبعد حوالي عام من محاولة انقلاب 15 تموز/ يوليو، أكملت تركيا الإجراءات القانونية المحلية الخاصة للانضمام كعضو مراقب إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وأنشأت تعاونا مع الدول الأعضاء في مجالات مختلفة أبرزها الأمن ومكافحة الإرهاب والاتجار بالمخدرات، ومنع الجريمة المنظمة، فضلا عن المجالات الاقتصادية والثقافية.
وكان أهم تعاون إقليمي لتركيا، بعد العام 2016، تعزيز هيكل مجلس التعاون للدول الناطقة باللغة التركية، والذي تحول اسمه إلى منظمة الدول التركية في العام 2021. وقد تبنت عملية تكامل عميقة وواسعة بين الدول الأعضاء في العديد من المجالات، أبرزها الطاقة والنقل والاقتصاد والثقافة.
كما طورت تركيا علاقة فردية ومرنة مع دول مثل روسيا وليبيا وإيران، وكانت التعاونات الجديدة، والتي تشكلت في سياق البحث عن الاستقلالية في السياسة الخارجية بعد محاولة الانقلاب، لا ينظر إليها على أنها بديل لعلاقات التحالف التي تم اختبارها، بل كانت مكملة ومتوازنة، كما تذكر الكاتبة.
مكافحة الإرهاب
وبعد فشل محاولة الانقلاب، كانت الأولوية الأكثر أهمية هي تطهير كافة مؤسسات الدولة من منظمة "غولن"، والتي ساهمت في دور تحويلي بالبعد الأمني للسياسة الخارجية، وشكلت الحرب ضد "غولن" داخليا وخارجيا أهم ركائز مكافحة الإرهاب.
وكان التعافي السريع للجيش والمؤسسات الأمنية بعد محاولة الانقلاب، وتنفيذ عملية درع الفرات في أب/ أغسطس 2016، رسالة للعالم من حيث الأولويات الأمنية للسياسة الخارجية المستقلة لتركيا.
كما نشطت الاستخبارات التركية بالتعاون مع الجيش التركي، في تنفيذ عمليات خارج الحدود في الأعوام التي تلت محاولة الانقلاب.
الصناعات الدفاعية أداة في السياسة الخارجية
وذكرت الكاتبة أن أهم عناصر السياسة الخارجية التركية المستقلة بعد محاولة الانقلاب، هي الصناعات الدفاعية، والتي تم إنشاء البنية التحتية لها لسنوات عدة.
وبرزت تركيا في صناعة المسيرات، مثل "عنقاء" و"بيرقدار تي بي2"، و"أكسونغور" و"أكينجي"، كما يجري العمل على تطوير الطائرات الحربية المحلية، والمسيرة الحربية النفاثة "قزل إلما"، كما أصبحت من الدول العشر التي تصمم وتصنع ولديها سفينتها الحربية الخاصة.
كما دخلت العديد من أنظمة الدفاع الجوي، مثل "HİSAR A" و"HİSAR O+"، وصواريخ نظام كوركوت للدفع الذاتي المضاد للطائرات، و"سونغور" المضاد للطائرات.
وتؤكد الكاتبة أن صناعات الدفاع المحلية، في السياسة الخارجية التركية المستقلة، أصبحت عنصرا رادعا وأقوى مصدر للقوة الناعمة في تركيا.
التنويع في القوى الصلبة والناعمة في السياسة الخارجية
كما أصبحت تركيا طرفا أكثر فعالية، من خلال التنويع في عناصر القوة الصلبة والناعمة في التعامل مع القضايا الإقليمية والعالمية، مع تعزيز قدرتها الاستقلالية وتعزيز مؤسساتها بعد محاولة الانقلاب.
وبفضل الدعم التركي عام 2020، فشل اللواء المتقاعد خليفة حفتر في السيطرة على طرابلس بعد حصارها، حيث كانت تركيا تدعم حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة، وقد تغيرت التوازنات في ليبيا، بفضل اتفاقية التعاون الأمني والعسكري بين أنقرة وطرابلس.
وقالت الكاتبة، إن تركيا لعبت دور البلد الوسيط الفعال مع عناصر القوة الناعمة، وقد كان للرئيس رجب طيب أردوغان دور فاعل في تخفيض التوترات الأخيرة في البلقان، بعد الزيارات التي أجراها إلى البوسنة والهرسك وصربيا وكرواتيا العام الماضي.
دبلوماسية القائد
ونوهت إلى أنه مع الانتقال إلى النظام الرئاسي بعد محاولة الانقلاب، تم تشكيل آلية سريعة وفعالة لصنع القرار في كافة المجالات، وأصبحت كل من النتيجة الطبيعية للنظام الرئاسي والخصائص القيادية للرئيس أردوغان ودبلوماسيته الرائدة جزءا لا يتجزأ من السياسة الخارجية المستقلة.
وتعد اتفاقية الحبوب، بعد الحرب الأوكرانية الروسية، من أكثر الأمثلة الملموسة لـ"دبلوماسية القائد" التي رسخها أردوغان، والذي لا يزال يلعب دورا رئيسيا وأكثر أهمية للحفاظ عليها، والتي لها تأثيراتها على حياة ملايين الأشخاص في القارة الأفريقية، رغم أنها تمثل اتفاقية أمنية للأطراف المتحاربة.