نشر
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تحليلا للمبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط، والباحث غيث العمري، أشار إلى أنه من أجل توسيع اتفاقيات التطبيع وإعادة استبباب الأمة، يجب على واشنطن وحلفائها اتخاذ خطوات عاجلة لمنع
السلطة الفلسطينية من الانهيار.
وأضاف التقرير أنه يتوجب العمل على قيام الدول المانحة بالضغط لتعيين رئيس وزراء إصلاحي وزيادة فرص العمل للفلسطينيين الشباب الذين لم يعودوا يرون سبباً للامتناع عن العنف.
ونفذت "إسرائيل" مؤخراً أكبر عملية عسكرية لها في
الضفة الغربية منذ ذروة الانتفاضة الثانية بين عامَي 2002 و2004. وقد أصبحت
جنين منذ بعض الوقت، إلى جانب مناطق أخرى في الضفة الغربية، منطقة لا تغامر قوات أمن السلطة الفلسطينية بالدخول إليها. وهذه ليست أخبارا جيدة للسلطة الفلسطينية أو لـ"إسرائيل".
وأشار التقرير إلى أنه مع ضعف السلطة الفلسطينية، نشأ فراغ في الضفة الغربية - وسارعت إيران وحركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي في فلسطين" لملئه بالمال والسلاح والمتفجرات. ومن غير المرجح، أن تُغير العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة هذا الواقع في الضفة الغربية.
ويعترف قادة جهاز الأمن الإسرائيلي بأن أقصى ما ستؤمّنه هذه العملية هو بضعة أشهر (من الاستقرار النسبي) إذا لم تعد قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية تأكيد وجودها.
وتكمن المشكلة الأعمق في ضعف السلطة الفلسطينية، التي تفتقر إلى الشرعية الشعبية لأسباب متعددة، منها الفساد المستشري، وسوء الحكم، وعدم استعدادها لإجراء انتخابات، ونظامها السياسي المتصلب الذي يمنع ارتقاء قادة محتملين أصغر سناً، وغياب أي رؤية سياسية حقيقية أو إنجازات تجاه الإسرائيليين.
وتزيد العمليات العسكرية الإسرائيلية مثل هذه الأخيرة من ضعف السلطة الفلسطينية، وتبرز عدم أهميتها. وإذا لم تضع السلطة الفلسطينية حدا لتطور البنية التحتية للهجمات ضد الإسرائيليين، أو لا تستطيع القيام بذلك، فستواصل "إسرائيل" شن مثل هذه العمليات العسكرية، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار على نطاق واسع وحتى انهيار السلطة الفلسطينية.
أضاف التقرير أنه من المرجح أن تقوض هذه الأجواء المتغيرة الهدف الرئيسي الحالي لإدارة بايدن في الشرق الأوسط وهو تحقيق انفراجة (دبلوماسية) في العلاقات بين السعودية وتل أبيب.
وشدد على أنه يتعين على إدارة بايدن رفع مستوى نشاطها الدبلوماسي في الشرق الأوسط، ومن المحتمل أن يتطلب ذلك في بعض الأحيان جهودا كبرى، وهذا ما يقوم به البيت الأبيض حالياً لتحقيق انفراجة بين الجانبين.
وزعم التقرير أن التطبيع بين تل أبيب والرياض، قد يغير المشهد بشكل أساسي في الشرق الأوسط، ويسمح للدول "غير التعديلية" في المنطقة التي تحاول أيضا بناء اقتصادات للقرن الحادي والعشرين تتسم بالنجاح والقدرة على الصمود، أن توحد الصف ضد محور إيران.
وفي المحادثات التي يجريها السعوديون مع إدارة بايدن، "لا" يركزون، في الوقت الحالي، على ما قد يطلبونه من الإسرائيليين للفلسطينيين، بل على ما يأملون في الحصول عليه من الولايات المتحدة للمضي قدماً في تحقيق التقدم - ويشمل ذلك التزاما أمنيا رسميا، والحصول على الأسلحة الأكثر تطوراً، وشراكة في تطوير الصناعات النووية المدنية السعودية، واتفاقية للتجارة الحرة.
وقد لا يمثل الفلسطينيون أولوية للسعوديين في الوقت الحالي، ولكن قبل أن تبرم الرياض اتفاقا ستريد شيئا ما من "إسرائيل" للفلسطينيين، سواء من أجل تحسين الصورة العامة للمملكة في الداخل أو لضمان حذو بلدان أخرى، مثل إندونيسيا وماليزيا ودول عربية أخرى، حذوها عند توصلها إلى اتفاق مع "إسرائيل".
وشدد على أن الوضع المتدهور في الضفة الغربية يمكن أن يهدد التوصل إلى اتفاق بين السعودية و"إسرائيل"، مشيرا إلى أن التصريحات الاستفزازية عن التوسع الاستيطاني وأعمال الشغب العنيفة التي قام بها المستوطنون المتطرفون في القرى الفلسطينية قد فاقمت الوضع بشكل كبير وجعلت السلطة الفلسطينية تبدو غائبة.
وتشجع عناصر معينة في "إسرائيل" هذه الإجراءات وتدعمها، ومن بينهم وزراء مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. إلا أن واقع الهجمات المتزايدة ضد الإسرائيليين، وعدم رغبة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية وعدم قدرتها المتزايدة على فعل أي شيء للتعامل مع البنية التحتية للمقاومة المتنامية في وسطها تزيد الوضع سوءا، كما يذكر التحليل.
وتكمن مشكلة السلطة الفلسطينية، التي أنشئت في عام 1994، في افتقارها الأساسي إلى الشرعية. فقد وعدت شعبها بأن الدبلوماسية وجهود التعاون مع "إسرائيل" من شأنهما أن يؤديا إلى إنهاء
الاحتلال وتحسين مستوى معيشتهم. ولكن منذ الانتفاضة الثانية، فقدَ هذا الوعد كل مصداقيته حيث تضاءلت فرص التوصل إلى اتفاق سلام، وطغى الصراع على العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية بدلاً من التعاون.
ولا يعود ضعف شرعية السلطة الفلسطينية إلى فشل عملية السلام فحسب، بل يُعزى أيضاً إلى الطريقة المؤسفة التي حكمت بها السلطة والتي أدت بشكل كبير إلى تراجع مكانتها.
ولم تجر السلطة الفلسطينية أي انتخابات منذ عام 2006، وقد دخل حكم الرئيس
محمود عباس عامه الثامن عشر من ولاية مدتها أربع سنوات، وانتشرت الفوضى في المناطق الفلسطينية. وكان هناك القليل جداً من الضغط المستمر على عباس من قبل القادة الأمريكيين والأوروبيين - الذين يعتبرون المانحين الرئيسيين للفلسطينيين - لتغيير مساره السياسي خوفا، إلى حد كبير، من البديل.
ووفقا لاستطلاع رأي أخير، يرى حوالي 84 بالمئة من الشعب الفلسطيني أن السلطة الفلسطينية فاسدة، ويريد أكثر من 80 بالمئة استقالة عباس. وقد وصل مستوى شعور العزلة لدى الفلسطينيين إلى درجة أن 63 بالمئة منهم اعتبروا أن السلطة الفلسطينية تشكل عبئا على الشعب الفلسطيني. وصحيح أن عناصر قوات الأمن الفلسطينية لا يتلقون رواتبهم بالكامل، ولكن هذا ليس أمراً غير مسبوق.
وفي الماضي، وحتى في ظل ظروف اقتصادية سيئة مماثلة، نشطت الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد المقاومين، وانخرطت في تعاون أمني حافظ نسبياً على استقرار الوضع في الضفة الغربية. أما اليوم، فإن الافتقار إلى الشرعية هو ما يمنع هؤلاء العناصر من التصرف.
وشدد التقرير على أنه من الضروري وقف الإجراءات الإسرائيلية الاستفزازية - خاصة من المستوطنين الذين يحرقون المنازل والممتلكات في القرى الفلسطينية. فهذه الأعمال ليست إجرامية فحسب، بل تجعل الإسرائيليين أقل أمانا، حيث يتعين على الجيش الإسرائيلي صب تركيزه على منع المستوطنين الذين يأخذون القانون بأيديهم وغيرهم من المتطرفين من تهديد الفلسطينيين في منازلهم وقراهم، بدلا من منع الهجمات وحماية الإسرائيليين.
علاوة على ذلك، تقلل هذه الهجمات الإسرائيلية من أي مكانة بقيت للسلطة الفلسطينية، حتى في الوقت الذي تدفع فيه هذه الضربات أيضا إلى الرغبة في الانتقام من الإسرائيليين - وبالطبع، توفر الهجمات الانتقامية من جانب واحد مبررا للرد من الجانب الآخر.
وشهدت السلطة الفلسطينية فترة مماثلة في عام 2007، حين فقدت هي ومنظمة "فتح" قدراً كبيراً من المصداقية بسبب خسارتهما غزة لصالح "حماس"، وانتشار الفوضى في جميع أنحاء الضفة الغربية، حيث أصبحت قوات السلطة الفلسطينية جزءا من المشكلة. ورداً على ذلك، جمعت إدارة جورج بوش الابن الجهات المانحة لمساعدة السلطة الفلسطينية وطلبت من عباس تعيين رئيس وزراء موثوق به - سلام فياض في ذلك الوقت - وتمكينه من إجراء إصلاحات ذات مغزى وبناء مؤسسات شفافة وفعالة، وإلّا ستَقطع الولايات المتحدة علاقاتها مع السلطة الفلسطينية.
وبالفعل، عيّن عباس سلام فياض لمنصب رئيس الوزراء، وعلى الرغم من أن الجميع توقعوا منه إجراء إصلاحات في الميزانية والتمويل والاقتصاد، إلّا أنه بدأ (تركيزه) باستعادة الأمن. وقد نجح في ذلك - واستمر في منصبه لأكثر من خمس سنوات.
وأضاف التقرير أنه على إدارة بايدن أن تستفيد من تلك التجربة وأن تعالج مسألة الشرعية. وعليها أن تنسق عملية مفاتحة تقوم بها الجهات المانحة، وهذه المرة ليس مع الأوروبيين فحسب، بل بمشاركة عربية كبيرة أيضا، تشمل أولئك الذين يمكنهم توفير الموارد، مثل السعوديين والإماراتيين - وكذلك الأردنيين والمصريين الذين تربطهم علاقات مع السلطة الفلسطينية، التي هي مهمة للسلطة.
وعلى إدارة بايدن توجيه رسالة متماسكة ومنسَّقة من هذا التحالف إلى عباس بعيدا عن الأضواء، وعليها أيضا أن تعمل على التوصل إلى تأييد عربي علني لخطوات عباس في تعيين رئيس وزراء جديد تُطلَق يده في إصلاحات مؤسساتية مصحوبة بمشاريع بنى تحتية جاهزة للتنفيذ والتمويل الفوريين، وذلك لإحداث تأثير ملموس وآني على حياة الفلسطينيين، يثبت لهم فعالية منهج رئيس الوزراء الجديد، وفق رأي التقرير.
وتابع بأنه على "إسرلئيل" تسهيل المشاريع التي يجب أن تبدأ على الأرض عاجلاً، وخاصة تلك المتعلقة بالبنية التحتية التي يمكن أن توظف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و26 عاما.
وتابع بأنه بإمكان "إسرائيل" أن توافق على إعادة النظر في "بروتوكولات باريس بشأن العلاقات الاقتصادية" لعام 1994، والتفاهمات الاقتصادية التي شكلت اتحادا جمركيا بين تل أبيب والسلطة الفلسطينية المستقبلية. ومن شأن تعديل هذه البروتوكولات أن تُحدث فرقاً ملحوظاً في الشؤون المالية للسلطة الفلسطينية لأن الاتفاقات قديمة وتحرمها من الحصول على إيرادات كبيرة.
وأضاف أنه على "إسرائيل" أيضاً وقف الإعلانات عن تصاريح استيطانية جديدة والامتناع عن إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير المصرح بها، وكذلك منع أعمال الشغب العنيفة ومعاقبة المسؤولين عنها، والعزوف عن إعادة البناء في مستوطنة "حومش" التي فككها رئيس الوزراء السابق أريئيل شارون في إطار التزام تجاه الولايات المتحدة.
ونوه إلى أن كل ذلك يتطلب جهداً دبلوماسياً مكثفاً يجمع الدول العربية الرئيسية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - وهو جهد مرتبط بتعزيز الأجواء التي ستجعل من السهل تحقيق انفراجة (دبلوماسية) مع السعوديين. إلّا أن ذلك سيتطلب من نتنياهو أن يثبت بأنه يفي بوعده لبايدن الذي ينطوي على عدم تسيير قيادته للمتطرفين في ائتلافه.
وختم التقرير أنه من غير المرجح أن تنجح الجهود الرامية إلى إبرام اتفاق إسرائيلي سعودي في ظل انهيار السلطة الفلسطينية.