رصدت "عربي21" آثار الدمار في مخيم
جنين، بعد العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي استمر أكثر من 48 ساعة، وخلّف 12 شهيدا.
وتتكشف يوما بعد يوم العديد من الصور واللوحات التي رسمها أهل مدينة جنين ومخيمها خلال تصديهم للعدوان الإسرائيلي، البري والجوي، الذي استمر طيلة 48 ساعة متواصلة.
وبدأ جيش
الاحتلال الإسرائيلي بشن عدوان جوي وبري على مدينة جنين ومخيمها فجر الاثنين الماضي واستمر حتى فجر الأربعاء بعد انسحابه من مخيم جنين، ونفذت طائرات جيش الاحتلال خلال العدوان العديد من الغارات الجوية المدمرة، إضافة إلى مشاركة مئات الآليات والدبابات والقناصة في تنفيذ اقتحام واسع للمخيم، الذي تعرض لدمار واسع طال البنية التحية والمساجد وعشرات المنازل والشوارع.
وأعلنت وزارة الصحة
الفلسطينية عن استشهاد 12 شهيدا، بينهم خمسة أطفال، وأكثر من 140 إصابة، بينها نحو 30 إصابة حرجة.
وفور التأكد من انسحاب قوات الاحتلال من مخيم جنين فجر اليوم، فإن الاحتفالات انطلقت على مدخل المخيم بالانتصار ودحر قوات الاحتلال، على يد عدد قليل من المقاومين الذين تمترسوا في المخيم وتمكنوا من صد العدوان بأسلحتهم الخفيفة.
"مقاومة وتراحم"
وعن الأوضاع في مخيم جنين أثناء العدوان، قالت منال رشاد منصور "أم عزمي" (48 عاما)، وهي والدة الشهيد أمجد عزمي، الذي استشهد خلال اشتباك مسلح مع جيش الاحتلال عام 2021: "سكان المخيم بقوا صامدين ولم يرغبوا في الخروج من بيوتهم رغم القصف الإسرائيلي، فحياتنا ليست أهم من حياة الشباب (المقاومين)، وخلال العدوان كنا نمر عبر الزقاق بين البيوت وخلال انقطاع الكهرباء، من أجل الاطمئنان على الأقارب والجيران".
ونوهت في حديثها لـ"عربي21"، إلى أنها شاهدت أحد الشبان وقد أصيب برصاص جنود الاحتلال، فهب العديد من المواطنين رغم وجود قناصة من جيش الاحتلال على أحد العمارات السكانية القريبة وتدمير الشوارع، وقاموا بحمله لإنقاذه وإيصاله إلى أقرب سيارة إسعاف، وقالت: "المشهد مؤلم جدا، كان مثل الشخص المذبوح، ينزف بقوة، شعرت أنه مثل ابني الشهيد أمجد، لكننا لا نملك إلا الدعاء لهم".
وأكدت منصور، أن "الأجواء في المخيم كانت مرعبة جدا؛ طائرات في الأجواء، قناصة تتنشر في كل مكان، دبابات في الطرق، قصف صاروخي.. لكن أهل المخيم، صمدوا وكانوا على استعداد لأي طارئ"، مشيدة بأداء "المقاومة التي أثبتت جدارتها في الدفاع عن المخيم وأهله، عبر ما يملكون من أدوات بسيطة مقابل دبابات وطائرات جيش العدو".
ومثل كثيرين لم ترغب "أم عزمي" في مغادرة المخيم، وكانت تريد البقاء على أمل تقديم أي مساعدة إنسانية لمن يحتاج ذلك، وقالت: "لقد كنا قلبا واحدا"، وبقيت في منزلها رغم أن طائرات الاحتلال قصفت أحد المنازل القريبة منه، منوهة إلى أنه بعد "تمادي جيش الاحتلال في جرائمه وعدوانه وتهديداته بقصف المخيم، وإلحاح مستمر من العائلة وتصاعد القلق والأعصاب مشدودة، خرجنا من بين الدبابات وآليات جيش الاحتلال المنتشرة في المخيم".
ثبات رغم القصف
وأضافت: "خرجت وقلبي معلق بالمخيم ومن بقي فيه من الشباب، أغلقت باب المنزل ولم أحمل معي سوى حقيبتي الصغيرة، أنا لم أرغب في تكرار مشهد النكبة، وكان العديد من المواطنين في استقبال أهل المخيم قرب المستشفى، يزودنهم بالماء وما يلزم لراحتهم وتهدئة خوفهم، خاصة بعد المشي مطولا في الشوارع المدمرة وبين الدبابات والقناصة، لقد كانت مواقف صمود وعز من قبل شباب وأهل جنين ومخيمها".
ورأت أم الشهيد، أن "جيش الاحتلال، كان يتعامل مع مخيم جنين وكأنه دولة، وأهل المخيم متمسكون بصمودهم وإيمانهم بالنصر على هذا العدو المجرم، لكن مشهد مغادرة أهل المخيم له، كان مؤلما جدا"، موضحة أن "الأهالي تسابقوا لاستضافه المهجرين الجدد من المخيم، لقد تواصلت معي العديد من الصديقات وأصدقاء ابني الشهيد، الكل يريد استضافة أهل المخيم".
وتابعت: "أحد أصدقاء الشهيد خاطر بنفسه ووصل بسيارته إلى أقرب نقطة للمخيم، وقام بنقلنا إلى منزل عائلته، لكن قلبي بقي هناك ولم أستطع الجلوس ومخيمي يقصف، رغم حرارة استقبالهم لنا، لقد قاموا بالواجب على أكمل وجه، وذهبوا مرة ثانية لإحضار عائلة أخرى".
ونبهت منصور، إلى أن "العديد من العائلات بقيت ثابتة في بيوتها ولم تخرج من المخيم رغم تهديدات الاحتلال وانقطاع الكهرباء وتدمير شبكات المياه في بعض المناطق"، مضيفة أن "ما جرى في المخيم من صمود وتصدّ للعدوان، أمر مشرف ويرفع الرأس".
وعن وضع المقاومة خلال التصدي للعدوان والدفاع عن جنين، أوضح القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، الأسير المحرر ماهر الأخرس، أن "المقاومة لم تكن يدا واحدة وحسب، بل إن من كان يقود المعركة ضد الاحتلال هم أصحاب الخبرة الكبيرة، وكان عناصر المقاومة يعتمدون عليهم".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "قيادة المعركة لم تفرق بين فصيل وآخر، الكل يأتمر بمن له خبرة، سواء كانوا من فتح أو الجهاد أو حماس، أو أي فصيل كان"، مضيفا: "الكل موحد خلف قيادة المقاومة ضد الاحتلال في جنين في تلك المعركة".
ونبه الأخرس، إلى أن "المقاومة في جنين ضد الاحتلال، في بعض الأحيان كانت تقودها حماس وفي أخرى الجهاد الإسلامي أو فتح.. وفي وقت ما، كان الشهيد داود الزبيدي (ينتمي لفتح وهو شقيق الأسير زكريا أحد أبطال "نفق الحرية"، وابن الشهيدة سميرة الزبيدي)، هو القائد العام للمقاومة هناك، وكان الكل يأتمر به، لا توجد تفرقة بين المسلحين المقاومين في جنين، طعامهم واحد، رصاصهم واحد والإمداد كذلك".
وعلمت "عربي21" من مصادر محلية في جنين فضلت عدم ذكر اسمها، أن عائلات في مخيم جنين وقبيل خروجها بعد تهديدات الاحتلال بقصف المنازل، ومن أجل حماية رجال المقاومة المشتبكين مع جيش الاحتلال وتوفير ما يلزمهم من طعام وشراب، تركت أبواب منازلها مفتوحة أمامهم من أجل التمكن من استخدامها وقت الحاجة.