يوما بعد يوم، تتصاعد حرب خفية عالمية من أجل السيطرة على مصادر الطاقة في العالم، والتي أصبح من أهم مصادرها؛ حقول
الغاز الطبيعي التي تختبئ في باطن الأرض، ويعد اكتشافها مصدرا لقوة اقتصادية وسياسية يعود على أصحابها.
ومن بين تلك الحقول التي تدور حولها معركة متواصلة؛ حقل غاز
غزة البحري الذي أطلق عليه "غزة مارين"، الذي اكتشف عام 2000، ويقع على عمق 603 أمتار تحت سطح البحر، ويبعد نحو 22 ميلا من ساحل غزة، ويعيش فيها أكثر من 2 مليون نسمة، يعاني معظمهم من الفقر بسبب تردي الوضع الاقتصادي جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 17 عاما.
غاز وفير
وتشير التقديرات، إلى أن حقل "غزة مارين" يحتوي على أكثر من تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي؛ أي حوالي 30 مليار متر مكعب، وفق ما ذكره "صندوق الاستثمار
الفلسطيني" (سيادي)، ومن المتوقع قيام شركة الغاز المصرية "EGAZ" المملوكة للحكومة بتطوير الحقل المذكور.
وفي كل الاتجاهات، يسعى الاحتلال الإسرائيلي مسخرا كل ما يمتلكه من قوة عسكرية وأمنية وسياسية، من أجل السيطرة وسرقة أكبر قدر ممكن من الثروات الفلسطينية، وخاصة الغاز الطبيعي، وهو يجري مفاوضات مع مصر والسلطة الفلسطينية من أجل تطوير حقل "غزة مارين"، حيث منع العمل به طيلة الفترة الماضية، وهو اليوم يسعى جاهدا لتحقيق أطماعه بالاستحواذ على أكبر قدر ممكن من هذا الكنز الطبيعي وعوائده، مما يتيح له التحكم أكثر فأكثر في المنطقة وحتى ربما في القرار الأوروبي؛ مع تعطش أوروبا للغاز في ظل استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية.
وأعلن مكتب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد الماضي، أن "إسرائيل ستبدأ محادثات مع مصر والسلطة الفلسطينية لبدء مراحل التخطيط لتطوير حقل غاز غزة البحري".
وزعم بيان صادر عن مكتب نتنياهو، أن المشروع سيركز على "تنمية الاقتصاد الفلسطيني والحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة"، منوها أن التقدم في تطوير الحقل يتوقف على "الحفاظ على الاحتياجات الأمنية والدبلوماسية لإسرائيل"، وهو الأمر الذي يتطلب تنسيقا أمنيا بين كل من؛ الاحتلال والسلطة ومصر التي تتواصل مباشرة وبشكل مستمر مع حركة "
حماس".
ونوه موقع "i24" الإسرائيلي، أنه "تم إحياء قرار إسرائيل ومصر والسلطة لبدء محادثات حول حقل الغاز، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وحاجة أوروبا لمصادر طاقة بديلة، ومن المتوقع أن تكون كمية الغاز في الحقل أكثر من كافية للأراضي الفلسطينية ويسمح بتصديرها إلى الخارج".
وأضاف: "على الرغم من عدم إجراء محادثات رسمية حول المشروع، من المتوقع ألا توقع حماس بشكل رسمي على أي اتفاق لتجنب احتمال التهديدات بضربات صاروخية على حقل الغاز الجديد بمجرد بدء العمل".
وأوضح أنه "سيبدأ تشغيل الموقع فقط بعد الانتهاء من عمل الطاقم الوزاري برئاسة طاقم الأمن القومي الإسرائيلي، والذي يهدف إلى حماية المصالح الأمنية والسياسية لإسرائيل في هذا الشأن"، منوها أن النشاط الإسرائيلي تجاه تطوير حقل غزة للغاز، يأتي في إطار "عقيدة إسرائيل للسلام من أجل التنمية الاقتصادية".
يذكر، أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، أعربت عن دعمها لمشروع تطوير حقل الغاز في غزة، وهي على علم بتجدد المناقشات حول هذا الموضوع، مع الاحتلال الإسرائيلي، وتواصل متابعة الموضوع عن كثب.
غزة حاضرة
وعن موقف حركة "حماس" التي تدير قطاع غزة من تطوير حقل "غزة مارين"، قال عضو مكتبها السياسي سهيل الهندي: "الحقل هو ثروة طبيعية ملك لشعبنا الفلسطيني، ومن حق شعبنا أن يستفيد ويتصرف بها وفقا لحاجاته الضرورية وإمكانياته، من أجل تحسين أوضاعه الاقتصادية والاستفادة منه كمصدر ضروري للطاقة".
وأضاف في تصريح خاص لـ"عربي21": "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون غزة غائبة عن هذه الثروة الطبيعية، ولا يمكن استثمار هذا الحقل بعيدا عن غزة، ومن حق كل إنسان فلسطيني أن يتمتع بخيراته وثرواته والتي منها هذا الحقل، مع التأكيد على أنه من حق الشعب الفلسطيني أن يحصل على هذا الغاز".
وشدد الهندي، على أنه "لا يمكن السماح للاحتلال الإسرائيلي بسرقة الثروات الفلسطينية، كما أنه من حق غزة المحاصرة أن تعيش مثل كل مدن العالم، وأن ينعم شعبنا بثرواته الطبيعية".
منافع ومخاوف
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي الفلسطيني نصر عبد الكريم، أن "الحقل بعيدا عن اعتبارات البعد السياسي، يعود بمنافع اقتصادية على الأقل على قطاع غزة، حيث يمكن أن يزودها بالغاز الذي يمكن من خلاله تشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع المحاصر، وربما يدفع بأسعار الغاز إذا ما تم تجميدها في غزة إلى الأسفل، كما يعود بالنفع عبر تزويد خزينة السلطة بجزء من الموارد، على شكل رسوم وامتياز وضرائب وغير ذلك".
ونوه في حديثه لـ"عربي21"، أن "تكلفة الاستثمار وتطوير هذا الحقل تبلغ نحو مليار ونصف المليار دولار، وهذا إنفاق والإنفاق يحرك عجلة الاقتصاد، وهذا يعتمد على مصدر العمالة والمعدات"، موضحا أن "هناك منافع اقتصادية تعود على الفلسطينيين وخاصة في القطاع، ولكن حجمها وطبيعتها ومداها الزمني، كل ذلك يعتمد على الشروط التفصيلية الفنية لتطوير الحقل بالشراكة بين الجهات المختلفة".
ونبه عبد الكريم، أنه "من المهم معرفة كيفية توزيع الغاز؛ لمن سيباع؟، وكيف سيتم نقله، وحصص العوائد والأرباح، والأهم، ما مدى السيادة الفلسطينية أو شركاء فلسطين على حقل الغاز؟؛ أم السيادة في يد إسرائيل أو مصر؟، من يملك السيادة، أي قرار الاستخراج والنقل والتوزيع، هل سيكون فلسطينيا أم هناك دور محوري لإسرائيل، وبالتالي يتحكم في نقل وتصدير الغاز إلى الضفة وغزة أو جهات أخرى متى يشاء".
وأضاف: "في حال صح ذلك (أن السيادة على الحقل للاحتلال)، فهذا لا يختلف كثيرا عن إمداد الوقود الصناعي لشركة توليد الكهرباء في غزة، أو أي توريدات إسرائيلية للفلسطينيين، لأن إسرائيل تتحكم في هذا الأمر، وبالتالي، الأمر يحتاج إلى تفاصيل، هي غير متوفرة".
وقال: "بالنسبة لي، المعادلة الاقتصادية-السياسية بحاجة إلى المزيد من التوضيحات"، متسائلا: "هل ما تم، هو جائزة ترضية للمصريين؟".
ولفت الخبير، إلى أن "إسرائيل ليست جمعية خيرية، هي تحصر في اتفاقاتها على مسألتين؛ فأي اتفاق معها يحتوي على غموض كبير، كي يمنحها مساحة للتهرب أو الانسحاب منه والنكوص عنه في أي وقت، وأن يبقى في يدها مفاتيح إمكانية توظيف هذا الاتفاق لصالحها، ودائما ما تحاول أن تمتلك فيه مفاتيح التحكم".
وتابع في حديثه لـ"عربي21": "في حال كانت إسرائيل هي صاحبة القرار والمرجعية وتمتلك ضمانات أمنية تفرغ الاتفاق من مضمونه كما حصل في اتفاقيات باريس الاقتصادية، فهذا يترك لإسرائيل مساحة واسعة من خلال أي ذريعة أمنية أن تعطل الاتفاق وتبقي على البنود التي تعمل لصالحها، وهذا احتمال قائم، وهذا هو السلوك الإسرائيلي الذي تعودنا عليه".
وحذر عبد الكريم، من أن "إسرائيل تحاول دائما أن تدفع وتدعم جهود الانفصال بين غزة والضفة أولا، وبقاء الحال على ما هو عليه، وثانيا استراتيجيا، تحاول أيضا أن تروج لحل السلام الاقتصادي سواء في الضفة وغزة، وهي تعمل على قاعدة الأمن مقابل الاقتصاد، وهذه خطورة، لأن الأمن بالمفهوم الإسرائيلي؛ هو بقاء الاحتلال، أي أن أي مقاومة للاحتلال في إطار التحرك والجهد الوطني، يعني بحسب مفهومهم، أنك تخل بأمن إسرائيل، لذا هي اليوم ترفض التفاوض على الموضوع السياسي، لأن الأمن مقابل الاقتصاد، معادلة مريحة للاحتلال".
مذكرة تفاهم
جدير بالذكر، أن مصر والسلطة وقعتا بتاريخ 21 شباط/ فبراير 2021، على مذكرة تفاهم بشأن تطوير حقل الغاز الطبيعي قبالة ساحل قطاع غزة، وفق ما نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا" في ذلك الوقت.
وتم التوقع على مذكرة التفاهم على هامش زيارة وزير البترول المصري، طارق الملّا، إلى رام الله والاحتلال، حيث التقى مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين.
وتم التوقيع ما بين الأطراف الشريكة في حقل "غاز غزة" متمثلة في "صندوق الاستثمار الفلسطيني" والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس"، و"شركة اتحاد المقاولين (CCC)"، على مذكرة التفاهم التي بحسب ما كشف منها فقط، أنها تقضي بالتعاون من أجل "تطوير حقل غاز غزة والبنية التحتية اللازمة، بما يوفّر احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي، ويعزز التعاون بين البلدين الشقيقين، وإمكانية تصدير جزء من الغاز لمصر".
وبحسب ما ذكره "صندوق الاستثمار الفلسطيني" على موقعه، "تهدف المذكرة إلى التعاون بمساعي تطوير حقل غاز غزة والبنية التحتية اللازمة، بما يوفّر احتياجات فلسطين من الغاز الطبيعي ويعزز التعاون بين البلدين الشقيقين وإمكانية تصدير جزء من الغاز لجمهورية مصر الشقيقة".
ونبه أن "هذه المذكرة، تأتي في إطار الدور الأساسي الذي تلعبه مصر في المنطقة، ووزنها السياسي في التأثير، وهي في ذات الوقت من الدول التي تملك ليس فقط الخبرة إنما البنية التحتية التي تسمح بتطوير المصادر الطبيعية".
وفي تشرين أول/أكتوبر 2022؛ وقع ائتلاف الشركات صاحبة رخصة تطوير حقل الغاز الفلسطيني قبالة سواحل المحافظات الجنوبية “غزة مارين” والمكون من صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين للنفط والغاز (CCCOG) اتفاق إطار لدخول تجمع مصري بقيادة الشركة المصرية القابضة للغازات (إيجاس) كشريك في ائتلاف التطوير.
وبحسب الصندوق، "تتضمن اتفاقية الإطار المبادئ الرئيسية لدخول التجمع المصري كشريك في ائتلاف التطوير، وعناصر الخطة الفنية والمالية الأولية لتطوير الحقل من قبل ائتلاف الشركات الفلسطينية والمصرية كمشروع عابر للحدود بين دولة فلسطين ومصر، بهدف استخراج الغاز من الحقل الواقع في المياه الفلسطينية ونقله ومعالجته في منطقة سيناء، واستعداد شركة "ايجاس" لشراء الغاز المنتج بما يضمن تحقيق الجدوى الاقتصادية وتوفير التمويل اللازم لتطوير المشروع والقيام في نفس الوقت بالدخول باتفاقيات مع شركات توليد الكهرباء الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة للتزود بالغاز الطبيعي".
كما تؤكد اتفاقية الإطار وفق ما ذكر، على "التزام ائتلاف التطوير بدفع العوائد المستحقة لدولة فلسطين بموجب اتفاقية الرخصة وعلى قيام حكومتي البلدين بإنجاز اتفاقية ثنائية بين الدولتين الشقيقتين لتسهيل عملية التطوير وتنسيق الجوانب التنظيمية والضريبية".
وفي جلسته رقم (180) المنعقدة بتاريخ 10 تشرين الأول/أكتوبر 2022، صادق مجلس الوزراء الفلسطيني على هذه الاتفاقية بناء على توصية من اللجنة الوزارية التي شكلها لمتابعة هذا الموضوع، وذلك بناء على قيام ائتلاف الشركات الحاصلة على رخصة التطوير بإبلاغ الحكومة بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2022، بالتقدم الإيجابي الحاصل في المباحثات الجارية مع الشركة المصرية "إيجاس" وفق الأصول".
ونوه صندوق الاستثمار، أن "مصادقة مجلس الوزراء على اتفاقية الإطار، تمهد الطريق لاستكمال تطوير العناصر الهندسية والفنية والمالية والقانونية التفصيلية اللازمة لإتمام الاتفاق النهائي والذي سيتم عرضه على مجلس الوزراء".
اللافت بحسب متابعة "عربي21"، أن "صندوق الاستثمار الفلسطيني" السيادي، لم يوضح بشكل جلي ومؤكد، النسب الحقيقية التي تعود على كل طرف في الاتفاق الأخير الذي تم المصادقة عليه من قبل حكومة محمد اشتيه بالتاريخ المذكور أعلاه.