لم يبد انفصاليو جنوب
اليمن المدعومون من الإمارات، أي موقف صريح إزاء الإعلان عن مجلس وطني في محافظة حضرموت، وهو ما أثار علامات استفهام وأسئلة عدة حول خياراتهم في التعامل مع هذا المكون الجديد.
ويرى مراقبون أن الإعلان عن مجلس حضرموت الوطني، من قوى ومكونات معارضة للمجلس الانتقالي
الجنوبي ـ المنادي بانفصال جنوب البلاد ـ بدعم من السعودية، مثل معادلة جديدة أعادت طرح ورقة "التمثيل الجنوبي" التي ما فتئ "الانتقالي" التلويح بها في كل تحركاته.
وبعد أيام، من الإعلان عن "المجلس الوطني" في حضرموت، كحامل سياسي لأبناء هذه المحافظة الاستراتيجية، فقد وصل رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، إلى مدينة المكلا، عاصمة المحافظة، في أول زيارة له، منذ توليه هذا المنصب عام 2022.
وقال العليمي، في كلمة له أمام حشد من القيادات والمسؤولين الحكوميين، الأحد، إن حضرموت، ستدير نفسها ماليا وإداريا وأمنيا من قبل السلطة المحلية، مؤكدا أن هذه التجربة إذا نجحت في حضرموت، فسوف يتم تطبيقها على محافظات أخرى.
وأشار رئيس مجلس القيادة الرئاسي إلى أن هذه المحافظة ستبقى عنوانا للدولة، وقاطرة لها، ورافدا أساسيا من روافدها الحضارية والإنسانية في مختلف المجالات.
"خطوات مربكة"
وفي السياق، قال رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث، عبدالسلام محمد، إن
المجلس الانتقالي غاضب جدا من خطوة تأسيس المجلس الحضرمي، وبالتأكيد سيقوم بخطوات وإجراءات مربكة في الفترة القادمة.
وأضاف محمد في حديث خاص لـ"عربي21"، أن أولى تلك الخطوات، ما صرح به عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي في لقاء مع منتدى "تشاتام هاوس" للدراسات السياسية في العاصمة البريطانية لندن، في الأيام الماضية، أن "الشمال أصبح مع الحوثي وأخذه بالقوة"، وأن "الجنوب سيكون مع الانتقالي".
وتابع بأن الزبيدي أبعد وهمش وجود الشرعية على الأرض وهو عضو في مجلس القيادة الرئاسي، مشيرا إلى أن تصريحاته كأنها رسالة للسعودية بأن الجنوب سيكون للانتقالي كما هو الشمال مع الحوثي وعليكم التفاوض معنا في أي قضية تتعلق بالجنوب وليس عبر جهات أخرى.
ولم يستبعد رئيس مركز أبعاد للدراسات أن يكون هناك دور مشترك بين الحوثي والانتقالي في الفترة القادمة، متوقعا أن يكون ذلك الدور على هيئة ردود أفعال لإرباك الوضع الميداني سواء في المحافظات المحررة عسكريا مثل مأرب، أو اقتصاديا وأمنيا مثل عدن، وربما تكون في حضرموت من ناحية الأمن والتحالف مع تنظيمات إرهابية.
وقال إنه لا يمكن استبعاد أن تصمت الإمارات وحليفها الانتقالي على إعلان "المجلس الوطني الحضرمي"، وإنما سيتحركان لإرباك الوضع في البلد للرد على هذه الخطوة.
وتعيش محافظة حضرموت، أكبر محافظات اليمن، تطورات وحراكا واسعا على مستويات عدة، على وقع مساعي المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي، لتوسيع حضوره بما يمهد السيطرة عليها وإلحاقها بالمحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرته جنوب البلاد.
"تحاشي الصدام"
من جانبه، قال الصحفي والناشط السياسي اليمني، صلاح السقلدي، إنه من المؤكد أن المجلس الانتقالي الجنوبي يعرف الدوافع والنوايا غير السوية التي تضمرها القوى والأحزاب وبعض القوى الإقليمية وراء إنشاء مثل هذه الكيانات، لاستهدافه واستهداف القضية الجنوبية ولإحداث حالة من الضبابية والتشويش على جوهر القضية الجنوبية في أي مرحلة من مراحل الاستحقاقات القادمة.
وتابع السقلدي لـ"عربي21": "كما يدرك "الانتقالي" أيضا، بالوقت عينه خطورة أي صدام جنوبي جنوبي وتبعاته، مضيفا أنه سيحاول قدر الإمكان تحاشي أي صدام مع هكذا كيانات تتوالد من رحم الأحزاب وتتأسس خلف الحدود".
وبحسب الصحفي المقرب من المجلس الانتقالي فإن "الانتقالي" يمضي نحو حالة توافق جنوبي جنوبي في وقت تتم فيه إعادة التحالفات المحلية والإقليمية وعلى وجه التحديد التقارب السعودي مع صنعاء ومحاولة هذه القوى - وبالذات السعودية - التي تخطط لإشراك قوى جنوبية هلامية لتمثيل الجنوب فوق طاولة التسوية النهائية بعد أن أقصت الطرف الجنوبي الأقوى بالساحة ـ وأعني هنا الانتقالي الجنوبي ـ من مرحلة وقف إطلاق النار وتجديد الهُدن مع الحركة الحوثية.
وقال السقلدي إن المضي نحو استنساخ مزيد من الكيانات من شأنه أن يزيد من تعقيد الأمور وإحداث مزيد من المشاكل عوضا عن البحث عن حلول للقضية الجنوبية و للأزمة اليمنية برمتها.
وأشار إلى أن حضرموت ليست بحاجة إلى مزيدٍ من الكيانات بقدر ما هي بحاجة لمن يعيد لها حقوقها المنهوبة منذ عقود والانتصار لتطلعاتها من القوى النهبوية العميقة التي كانت ولا تزال تسومها عسفا وتوسعها نهبا، على حد قوله.
وحول غياب أي موقف صريح من المجلس الانتقالي إزاء الإعلان عن مجلس حضرموت الوطني، قال الصحفي والناشط السياسي اليمني، إن هذا الأمر كان متوقعا وصائبا من الانتقالي، لأنه لا يريد الخصومة مع أحد بالجنوب وتحديدا في حضرموت، ولا يريد فتح أبواب الخلافات الجنوبية الجنوبية بكل المحافظات الأخرى، إدراكا منه للغاية من هذه الكيانات في وقت يحاول فيه المجلس لملمة الشتات الجنوبي.
وأوضح أن المجلس الانتقالي يدرك أن الكلمة الفصل أولاً وأخيرا... هي للشارع وللجماهير وحجم ووزن كل كيان على الأرض، مؤكدا أنه لن يصطف الناس في حضرموت وغيرها سوى خلف القوى التي تنتصر لها وليس خلف القوى الحزبية والإقليمية التي تستثمر معاناة وأوجاع هذه المحافظة لغايات حزبية وأطماع إقليمية لا تخطئها عين، وفق تعبيره.
"حيرة وذهول"
من جانبه، قال المحلل السياسي اليمني، حسن مغلس، إن مجلس حضرموت الوطني، حظي بدعم ومباركة معظم المكونات السياسية والمجتمعية من كل المحافظات، فضلا عن قيادة الدولة التي اجتمعت بالقيادات والشخصيات التي أسسته في الرياض، وعلى رأسها رشاد العليمي، رئيس المجلس الرئاسي.
وأضاف مغلس في حديثه لـ"عربي21" أن هذا المكون تم الإعلان عنه، بعدما شعر أبناء محافظة حضرموت، بخطر ولهيب المجلس الانتقالي، لاسيما بعد ما رأوا ما فعل الأخير بالمحافظات الجنوبية الأخرى "شبوة وأبين وعدن ولحج" من تدمير و فساد وضرب للسلم الاجتماعي.
وأشار إلى أنها تصاعدت حالة الرفض من القوى والمكونات في حضرموت، بعد زيارة "الزبيدي" رئيس المجلس الانتقالي مدينة المكلا، في وقت سابق من أيار/ مايو الماضي، على ظهر مصفحة عسكرية، إضافة إلى النموذج السيئ الذي كرسه في المحافظات التي يسيطر عليها، رغم محاولات السلطات الرسمية الداعمة له تحسين الأوضاع هناك.
وأكد المحلل السياسي اليمني أن المجلس الحضرمي، أثار حفيظة المؤيدين للمجلس الانتقالي، الذين شعروا بأن ما يجري هو سحب البساط من تحت أقدامهم، والدفع بهم خارج المحافظة وكسر شهية المجلس الذي كان يُمَني بها نفسه وأتباعه بأن حضرموت ستكون تحت سيطرته.
وبحسب المتحدث ذاته، فإن ميزان القوى يتغير في غير صالح المجلس الانتقالي الذي طالما كان يعلن دوما أنه الممثل الوحيد لأبناء المحافظات الجنوبية، في وقت ذهبت فيه أكبر تلك المحافظات وأغناها بعيدا عنه، بل وقطعت عليه الطريق من الوصول إلى محافظة المهرة، في أقصى شرق البلاد.
فضلا عن الاهتزازات التي بدأت في شبوة (جنوب شرق البلاد)، في مشهد لا شك، أنه يزعزع موقع "الانتقالي" في بقية المحافظات التي تتنادى فيما بينها للنهوض والاقتداء بالمكون الحضرمي (المجلس الحضرمي الوطني) وتشكيل مكونات لكل محافظة، رفضا للمجلس الانتقالي وممارساته المناطقية وتعطيله للحياة الاقتصادية في تلك المحافظات، وفقا لمغلس.
وأوضح المحلل السياسي اليمني أن غياب أي موقف صريح من قيادات الانتقالي تجاه المكون الحضرمي الجديد، يوحي بـ"حالة الحيرة والذهول" من هذا المتغير، وفي انتظار ما توجههم الدولة الداعمة لهم، والتي يبدو أنها داخلة في صراع خفي مع المملكة.
والأسبوع الماضي، أعلنت قوى وشخصيات سياسية وقبلية تنتمي لمحافظة حضرموت، كبرى محافظات البلاد، من الرياض، هذا المكون الجديد، وقالت وثيقة الإعلان الصادرة عن تلك القوى، إنه سيكون حاملا سياسيا لأبناء هذه المحافظة التي تشهد احتقانا مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، الساعي لتثبيت أقدامه هناك.