حقوق وحريات

"الفيديو كونفرانس" تزيد عزلة آلاف المعتقلين بمصر.. حرمتهم رؤية الشوارع

المعتقلون كانوا يلتقون بأهاليهم والمحامين عيانا خلال نقلهم للمحاكم- جيتي
تواصل السلطات المصرية إجراءاتها الصارمة بحق آلاف المعتقلين المصريين، كان آخرها "تجديد الحبس الاحتياطي للمتهمين عن بعد".

وقررت وزارة العدل المصرية، بالتعاون مع وزارتي الداخلية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تعميم إجراءات تجديد الحبس الاحتياطي للمتهمين في قضايا سياسية بجميع السجون ومقار الاحتجاز عبر تقنية "الفيديو كونفرانس"، بداية من السبت الماضي.

وبدلا من حضور المحبوسين على ذمة قضايا سياسية لمقار النيابة العامة أو نيابة أمن الدولة العليا طوارئ أو قاعات محاكماتهم، أصبح تجديد الحبس عبر تلك التقنية، أمام وكلاء النيابة والمحامين بمحكمة القاهرة الجديدة، مع بقاء المتهمين بأماكن احتجازهم وبالسجون، مع ظهورهم في بث بالفيديو للحظات.

القرار، يرى فيه حقوقيون، ومحامون، وأسر بعض المعتقلين، الذين تحدثوا لـ"عربي21"، إجراء غير قانوني يمنع تواصل المعتقلين والمحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا سياسية مع هيئات دفاعهم، ويحرمهم من لقاء ذويهم في قاعات المحاكم وردهات النيابة العامة وأمام مبانيها.


كما أكدوا أن القرار يحرم المسجونين السياسيين والمحبوسين احتياطيا من الخروج من محبسهم لعدة ساعات، ويمنعهم من رؤية الشارع المصري عبر شبابيك سيارة الترحيلات، ويجعلهم فقط رهنا لمحبسهم، خاصة مع منع الزيارة عن الكثير من المعتقلين، بجانب انتفاء ضمانة المحاكمة العادلة والحق في الدفاع عن النفس.

"حرمان غير قانوني"

وفي حديثه لـ"عربي21"، قال المحامي والحقوقي المصري هاني عوض: "تم تطبيق هذه التقنية على 3 مراحل، بدأت 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، مع تفشي فيروس (كورونا)، لتبدأ المرحلة الثانية كانون الأول/ ديسمبر 2021، بقرار وزير العدل (8901 لسنة 2021)، والذي سمح للقضاة بنظر جلسات تجديد الحبس عن بعد".

الباحث الحقوقي والمحلل السياسي‏، أضاف: "ثم صدر القرار الأخير، السبت 10 حزيران/ يونيو الجاري، بتعميم هذه الإجراءات على مستوى الجمهورية وفي غالبية القضايا"، مشيرا إلى "تأثير هذه الإجراءات على السجناء السياسيين".

وأوضح أن "فيه حرمانا لهم من رؤية ذويهم، خاصة أن تجديدات حبس نيابة أمن الدولة العليا تستمر 10 جلسات كل 15 يوما، ومنهم من يكون ممنوعا من الزيارة، ثم يتم عرضهم كل 45 يوما، وهو ما كان يتيح لهم رؤية الناس والأهل ومقابلة المحامين، على عكس ما يحدث الآن".

عوض، يرى أنه "من الناحية القانونية، فإن تطبيق هذه القرارات على وضعها الحالي يحرم المتهمين من المحاكمات العادلة التي يكفلها القانون الدولي الإنساني، وحقوق الإنسان، مثل حق المتهم في المثول أمام قاضيه الطبيعي، وحرمانه من التواصل مع محاميه والانفراد به، وأن يعرض عليه خطة دفاعه".

وأضاف: "وكذلك لكون المتهم خاضعا للسلطة التنفيذية، وبعيدا عن أعين الرقابة القضائية التي لن يرى فيها القاضي إلا ما تعرضه الكاميرات، أما إذا تم إدخال تعديلات عليه فيما يتعلق بتسجيل وقائع المحاكمات، وما يدور في تجديدات الحبس، وجعلها في أوراق القضية تحت بصر المحامي ورقابة محكمة النقض عليها، وتوفير ضمانات لمحاكمات نزيهة وعادلة، فسيختلف الأمر".

ولفت، إلى أنه "في نفس الوقت يحقق للسلطة التنفيذية ما تصبو إليه من توفير لوسائل النقل والحراسات من السجون لمقار المحاكمات".

وختم بالقول: "وفي كل الأحوال، فإن هذه القرارات إدارية تخضع لرقابة القضاء الإداري، ويمكن الطعن عليها إذا ما خالفت الدستور والقانون".

"مزيد من الانتهاكات"

وحول تأثير ذلك القرار على السجناء السياسيين، قالت الحقوقية المصرية هبة حسن، لـ"عربي21"، إنه "ينذر بمزيد من تردي الأوضاع داخل السجون ومزيد من الانتهاكات دون رقابة على المتهمين".

المدير التنفيذي لـ"التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، أضافت أن "القرار طعن في قانونيته بعض المحامين بالفعل على اعتبار أنه يخالف نص الدستور الذي يعطي الحق للمتهم بلقاء محاميه، فضلا عن كونه يقنن الاستثناء".

وأوضحت أن "القرار يمنع المحامي من معرفة الحال الحقيقي للمتهم والاطمئنان عن سلامته الجسدية، كذلك يحول بين مناظرة النيابة لحالة المتهم مقارنة بالمسجل في محضر التحقيقات، ويحول بين إثبات أي شكوى من انتهاكات تتم بمقار الاحتجاز يتقدم بها المتهم".


وقال "التجديد يتم بنفس مكان الانتهاك دون أي ضمانات للمتهم بالحماية، وهو ما سبق وتم رصده بالفعل لبعض الحالات من قطع الاتصال عن المتهم عند ذكره لتعرضه لأي انتهاك".

ولفتت إلى ما اعتبرته "معاناة الواقع التي يعلمها الجميع، وأن تطبيق القرار يحرم المعتقلين من الفرصة الوحيدة التي يلتقون فيها أسرهم ومحاميهم، في ظل واقع منع الزيارات عن عدد ليس بالقليل من المعتقلين".

وألمحت إلى "تعنت إدارة السجون بهذا الخصوص خاصة بسجون (بدر)، و(وادي النطرون)"، مضيفة: "بل وفي عدد من حالات السيدات المعتقلة، وهو ما يعني خنق الرئة المتبقية لهم وتدهور أكثر في حالاتهم النفسية والصحية".

"لا احترام لدستور أو قانون"

وحول مدى قانونية هذا القرار وتطابقه مع الدستور وقوانين وإجراءات التقاضي، وإمكانية الطعن على تطبيقه، قال المحامي والخبير القانوني نبيل زكي: "أي قانونية نتكلم عنها في مصر، حيث لا يُحترم دستور ولا قانون ولا مؤسسات".

وأشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى خطاب السيسي أنه أمر بالقبض على مواطن وحبسه حتى يتنازل عن منزل له بالقرب من أحد الموانئ المصرية.

وأوضح أن هذا الأمر من رئيس الدولة جرى "حتى ولو كان مع المواطن أوراق ملكية، وذلك دون إجراء تحقيق من الجهة المختص النيابة العامة أو محاكمة عادلة أمام المحكمة".

زكي أكد أنه مع تلك الواقعة "لا يمكن أن تتكلم بعد ذلك عن قانون وحقوق وواجبات".

وألمح إلى أنه يمكن الطعن على عدم دستورية هذا الإجراء ومخالفته للقانون، مستدركا بقوله: "يمكن كل شيء، لكن ما هي النتيجة؟"، ومؤكدا أنه "في أي نظام قانوني لا يمكن أن يعمم الاستثناء، وطبعا يجوز الطعن على أي قرار يصدر من أي سلطة أو مؤسسة أو مختص".

تعميم بطلب السيسي

وجرى تعميم القرار على جميع سجون وأماكن الاحتجاز في مصر، بعد أن كان القرار قد تم تطبيقه في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2020، بالربط ما بين محكمة القاهرة الجديدة وسجون "طرة" و"15 مايو والنهضة" المركزيين، عبر شبكات تلفزيونية في حضور المحامين.

وزارة العدل، رأت حينها أن القرار يساهم في سرعة إنجاز التحقيقات، ويوفر الناحية الأمنية، والتكلفة المالية، ويقلل فرص انتشار فيروس كورونا بين المحبوسين والمواطنين، فيما طالب رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، في 3 آذار/ مارس 2021، بتعميم آلية تجديد الحبس عن بعد بجميع السجون المحافظات·

وفي كانون الثاني/ يناير 2021، قدرت "منظمة العفو الدولية" عدد المعتقلين والمسجونين بمصر بنحو 114 ألفا سجين، في رقم يمثل أكثر من ضعف القدرة الاستيعابية للسجون والتي أكد السيسي في كانون الأول/ ديسمبر 2020، أنها تتسع لـ55 ألف سجين.

"انتقام سياسي"

وحول وضع ملف السجناء والمعتقلين في مصر، بشكل عام، وموقف السلطات المصرية منهم وخاصة بعد قول رأس النظام عبدالفتاح السيسي، إن سجنهم يمثل بالنسبة له "إنقاذ وطن"، قال الحقوقي المصري محمود جابر فرغلي: "هذا ليس موقفا جديدا".

مدير "مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان"، أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا موقفه الذي اتخذه منذ أن اختيار قضاة غير مستقلين، وحكم على السياسيين بأحكام جائرة، عبر (دوائر الإرهاب) المخالفة للقانون والدستور، وأصدروا أحكام إعدام جماعية وأحكاما بالسجن المؤبد والمؤقت، منذ 2013".


ويرى فرغلي، أن ما يجري هو "تصفية حسابات سياسية بهذه الأحكام والإجراءات ولن يتراجع عنها، لأنه بعد صدور أحكام نهائية لم يعد من سبيل لإلغائها إلا بقرار عفو رئاسي، من وقت إلى آخر يعمل على تجميل وجهه بالإفراج عن معتقلين محبوسين احتياطيا، لتخفيف الضغوط الدولية، وامتصاص غضب المدافعين عن حقوق الإنسان".

ويعتقد أن "أزمة المعتقلين السياسيين لا سبيل لحلها إلا بقرار دولي من الذين منحوا السيسي، غطاء شرعيا لجرائمه، وصمتوا عن جرائم ضد الإنسانية ارتكبها، ولم يحركوا ساكنا".

وأضاف: "قد تكون هناك حلول سياسية في شكل تسوية بين الخصوم السياسيين، ولكن أنا كحقوقي متمسك بالنضال القانوني الدولي والحقوقي، نحن في مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان حققنا نجاحا في هذا المسار مع شركاء لنا من محامين دوليين، ومنظمات حقوقية دولية".

وأشار إلى "ملاحقة السيسي، أمام اللجنة الأفريقية، ومحكمة أوروبا لحقوق الإنسان، ومجلس حقوق الإنسان في جنيف، وآلياته التعاقدية وغير التعاقدية".

وختم بالتأكيد على أنه، لديهم "هدف رئيسي وهو ملاحقة مرتكبي الجرائم في مصر ومنع الإفلات من العقاب، فما داموا أحياء لن تركهم أن يفروا من عدالة القانون الدولي لحقوق الإنسان، خاصة الجرائم التي لا تسقط بالتقادم".