البحث عن بصيص أملٍ ينقذ الشعب
الفلسطيني وقضيته من ضياع الأرض والحقوق، ومن
مصير مأساوي يواجهه المقدسيون كل يوم في مخططات تهجير وتهويد، واستيطان ابتلع معظم
أراضي الضفة الغربية ومحيط القدس.. يضعنا أمام رصيد هائلٍ من خيباتٍ متراكمة مسجلة
عن قدرة عربية ودولية تتحمل رعونة وصفاقة الاحتلال وتحديه للقوانين الدولية، والتي
ميزت حكومات
إسرائيل المتعاقبة، وميّزت سياسة عربية وفلسطينية في تصور تغير ما
سيطرأ على القضية في حال تغير حكومات الاحتلال، والرهان على مواقف دولية ضاغطة
لوقف الاستيطان والعدوان، ودون الرهان على عوامل قوة ذاتية، لتكريس واقع أفضل لإسرائيل للمضي في مخططات العدوان وتنفيذه على
الأرض.
برصيد الاستيطان اليوم أرقام ضخمة حسب هيئة مراقبة الجدار والاستيطان،
فهناك 725 ألف مستوطن في الضفة المحتلة، موزعين على 176 مستوطنة و186 بؤرة
استيطانية تلتهم كل موارد الأرض الفلسطينية المحتلة وتحيل سكانها إلى معازل وحواجز
وحصار وتضييق وهدم للمنازل وتهجير قسري، وهناك نحو 230 ألف مستوطن في القدس
الشرقية، ومخططات لزيادة هذه الأرقام بتوسع مصادرة الأراضي أو بزيادة أعداد
المستوطنين في مدينة القدس حسب خطط حكومة بنيامين نتنياهو وائتلافه العنصري، وخطط
لإفراغ أحياء القدس العربية من سكانها.
والتوجه الفعلي لإقامة نظام الفصل العنصري وتطبيقه على الأراضي المحتلة
معطى ليس بجديد، مع توصيف سياسات الاحتلال الإسرائيلي على أنها جرائم حرب بالخطط
الموضوعة أو بتنفيذها المستمر لهذه الجرائم، لكنها تقتضي جديداً فلسطينياً بالدرجة
الأولى وعربياً بالدرجة الثانية ودولياً.
والأول يتأرجح بين المناسبات للحديث عن قرب انفراجة فلسطينية لترتيب أوضاع
البيت الفلسطيني؛ من مقاومة مبعثرة إلى مصالحة مستعصية. لكن المراجعة النقدية لحقيقة
طويلة من الأوهام التي نسفتها وقائع وأرقام الاستيطان ومخططات العدوان لا تُرغم
البعض على الإذعان لهذه الحقائق وضرورات الإسراع في استعادة منظمة التحرير والمجلس
الوطني وبقية المؤسسات الفلسطينية؛ التي تشكل عبئاً كبيراً على عقلية وسلوك من
وجهة نظر من يرى فيها خطراً على من استمرأ رغد السلطة.
والثاني يتسلل من دهاليز التأرجح لإقامة تطبيع وتحالف مع إسرائيل؛ أصغر
أهدافه إجهاض آمال الشعب الفلسطيني بالتحرر وأكبرها تنمية المشروع الاستعماري
للحركة الصهيونية.
والثالث، أي المجتمع الدولي، غير مستعد لتقديم خدمات إسناد ودعم للقانون
الدولي إذا ارتبط الأمر بإسرائيل وسياساتها العدوانية لاعتبارات خبَرها
الفلسطينيون والعرب عموماً؛ عن النفاق وازدواجية المعايير التي تتسلح بهما
الولايات المتحدة والمنظومة الغربية التي لا تحسب حساباً لحقوق الشعب الفلسطيني.
من هذه النقاط وغيرها، هناك ألف سبب وسبب يفرض على الفلسطينيين التكاتف
والوحدة، ولعل أكثرها أهمية وإلحاحا الانقسام والشرذمة الفلسطينية، مع التمسك
بعقلية الرهان على أن تغير إسرائيل من عقيدتها وسياساتها القائمة على نفي كل
اعتراف بحق ووجود للشعب الفلسطيني فوق أرضه، ما سهّل من عملية خداع النظام العربي
وسقوطه في الفخ الصهيوني ومنحه جرأة أكبر في توسيع دائرة العدوان.
ومعركة استعادة الفلسطينيين لزمام المبادرة والفعل هي الأشد والأشرس لضراوة
المواجهة بينهم وبين الاحتلال وحلفائه في أنظمة
التطبيع والاستبداد، فمن يصدق أن
هناك حرصاً عربياً لتحقيق وحدة فلسطينية تقوم على مقاومة الاحتلال ومجابهة عدوانه؟
شتان ما بين القول والفعل، وفي القول أطنان كثيرة من كلام عربي عن فلسطين تمحوها
مشاهد لعائلة فلسطينية (صب لبن) بجوار المسجد الأقصى تواجه خطر تهجيرها من منزلها،
وقبلها أفعال هدم وتهجير في سلوان والشيخ جراح وغيرهما من المدن والقرى الفلسطينية،
وطوفان من الاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى وباحاته.
لذلك كله لم نغرق في التفاؤل في الكلام العربي عقب كل قمة عربية أو اجتماع
وزاري يأتي على ذكر القضية الفلسطينية من باب العتب والحشو، لكننا نغرق في الأسى
من انتظار خطوة فلسطينية تتحرك من شللها وعطبها تعيد تدفق الدم للجسد الفلسطيني
كله، وتمنع تدفق انهيار عربي ينتظر سقوط آخر حواجز الصد الفلسطيني.
ما لم تتحقق وحدة فلسطينية قادرة على قراءة بيان كل الحكومات الإسرائيلية
بتمعنٍ كافٍ لتلخيص إسحاق شامير قبل أكثر من ثلاثين عاما وبالحرف "لن نميّز
بين الاستيطان في الضفة أو القدس أو بين هذا الجانب أو ذاك من أرض إسرائيل في
حدودها الواردة في التوراة؛ لأنه مثلما لا يوجد إلا شعب واحد لإسرائيل فليس هناك
سوى أرض واحدة لإسرائيل".. فإن هذا الكلام ينفذ بالحرف ويُذهب كل حديث عن
اتفاقات تطبيع عربي مع الاحتلال وعن سلام يفضي لإمكانية قيام دولة فلسطينية إلى
سلة الأوهام المثقوبة.
برامج الاحتلال واضحة وتنفَذ بكل وقاحة وإجرام، بينما برامج استعادة الحد
الأدنى من وحدة فلسطينية وتضامن عربي أقله دعم القدس بالأفعال وممارسة الضغط على
الاحتلال وكبح التطبيع ووقف التدهور العربي معه، مسائل الغموض فيها والتقاعس عنها
ظهرت نتائجها على الأرض في الضفة وغزة والقدس والداخل الفلسطيني، والأرقام سواء
المتعلقة بالاستيطان والهدم أو بالقتل والتهويد والتزوير والتسويف وسرقة المياه
والثروات وأضرار الحصار؛ إلى بقية أرقام الإحصاء في المجتمع الفلسطيني واقتصاده
وبنيته الديمغرافية ومخاطر القوانين الصهيونية وعنصريتها عليه، تنبع أساساً من أن
إسرائيل ككيان وحكومات ومؤسسة صهيونية هي عدو أبدي وتاريخي للفلسطينيين والعرب
وللإنسانية وللعدالة الدولية.
twitter.com/nizar_sahli